زهراء عبد الله كاتبة سورية – لبنانية، هذه روايتها الاولى. على مائدة داعش، رواية تتحدث عن هجوم الدولة الاسلامية في العراق والشام “داعش” واجتياحها لجبل سنجار في شمال العراق الذي يسكنه ايزيديون في ١٤ آب ٢٠١٤م، حيث وقعوا تحت ابادة جماعية من قبل داعش.
الرواية بلسان احدى الفتيات الناجيات، مكتوبة بلغة المتكلم، تتابع الحدث وفق تسلسل زمني لما حدث معها، ووفق استرجاع ذهني، نتعايش معها في حالها وحال الازيديون في مناطقهم النائية وعباداتهم المتميزة وانعزالهم وحياتهم التي ارتضوا بها.
“يوفا” فتاة في العشرينيات من عمرها تعيش وسط عائلة ازيدية، يسمّون من غيرهم عبدة الشيطان، يسمون الشيطان طاووس ملك، يقدسونه لأنه رفض أمر الله بالسجود لآدم، تحت دعوى انه اجاب الله: لقد امرتني ان لا اسجد الا لك، لذلك كرمه الله وعينه رئيس الملائكة حسب اعتقادهم، يؤمنون بالله -طبعا- وله عندهم تسمية خاصة، عقائدهم وعباداتهم خليط من عقائد وعبادات الديانات السماوية الثلاث، لهم صلاتهم ولهم مكان حجهم، ولهم صومهم ولهم ماء زمزم خاص بهم. ينقسمون اجتماعيا إلى ثلاث طبقات: طبقة رجال الدين وطبقة السادة وطبقة العامة، هذه الطبقية ملزمة اجتماعيا، فلا يتزوجون إلا ضمن الطبقة نفسها، ومن يتجاوز ذلك يطرد ويحارب من الكل. يوفا تحب الشاب “سيروان” ويحبها، بينهما علاقة وطيدة يلتقيان سرا، هما من طبقتان مختلفتان، حبهما محكوم عليه بالفشل الا اذا هربا وتزوجا خارج بلداتهم، يحيط بهم اكراد العراق، يتكلمون لهجة كردية. رفضت يوفا الهرب مع سيروان وبقيت تعيش حبه داخل نفسها، تلتقي به أحيانا، حاول الضغط عليها ليهربا ويتزوجا خارج سنجار لكنها لم تستجب له.
في صباح أحد الأيام في آب من ٢٠١٤م سمعت في الحي صيحات وحركة واطلاق نار بعيد يقترب منهم، اجتمع أهل الحي على عجل، وتبادلوا المشورة، داعش تهاجم قراهم وبلداتهم وها هم وصلوا اليهم، ليجهز كل عائلته بماخف حمله وغلى ثمنه للهروب إلى الجبال المجاورة، ركبت يوفا مع والدها ووالدتها واخاها الصغير في سيارة البيك آب التي يملكها مع بعض أهل الحي وخرجوا من القرية هاربين، تلتقي بهم سيارات داعش المحملة بمقاتلين مدججين بالسلاح يطاردونهم، يحاول الوالد الهرب لكنهم يحاصرونه وكل اهل القرية ويتم القبض عليهم. الهلع والخوف يسيطر على الكل، الاطفال يبكون ويصرخون النساء يحمين أطفالهن ويحتمون برجالهم، رجال داعش يشتمونهم ويتهمونهم بأنهم من عبدة الشيطان وان قتلهم حلال. سرعان ما يتم فرز الرجال عن النساء والأطفال ويأخذون الرجال إلى مكان آخر. يتم جمع النساء والأطفال في أماكن منفصلة، تحضر بعض نساء داعش مع بعض امرائهم، ويبدؤون بتسجيل اسماء النساء والأطفال ووضعهم الصحي متزوجات ام عزباوات. يخبرونهم أنهم قد قتلوا الرجال جميعا لأنهم كفار، و انهن سبايا للدولة الاسلامية، غنائم حرب يحق لهم بيعهم والتمتع الجنسي بهم كأي عبدة، دون أي حق بالاعتراض والرفض، ويخبروهم أن الأطفال سيبعدون عن أمهاتهن ويلقون تعاليم الإسلام ويكونوا اشبال الاسلام وجنود الدولة الإسلامية. تعيش النساء حالة هرج ومرج ونواح وتمرد ورفض، لكنهن عاجزات عن فعل أي شيء، ولمزيد من السيطرة عليهم يفرز منهن النساء المعمرات، ويؤخذّن إلى حيث يقتلن على مرأى ومسمع النساء جميعا. مطلوب من النساء المتبقيات أن يعلنّ إسلامهم لكي لا يقتلّن ويستطعّن الاستمرار بالحياة كسبايا وعبدات عند رجال داعش. يوفا تعيش هذا الكابوس دون اي امكانية لفعل اي شيء الا تذكر حبيبها وندمها بأنها لم تستجب لطلبه الهرب معه والزواج منها خارج سنجار، لتجاوز الايزيديين وعاداتهم الصارمة. تعيش على ذكرى الحب الذي عاشته، واللقاءات القليلة التي حصلت مع حبيبها في بيت مهجور، بعض العناق والأحاديث الفياضة بالحب، رسائل الجوال صباح مساء. حبيبها هرب الى الجبال والتحق بمقاومة تعمل لطرد داعش من بلداتهم. واقع يوفا الآن مزيد من الالم والاسى فصل بينها وبين امها، النساء الكبيرات أخذن لخدمات العمل النسوي عند داعش، والاطفال للتدريب على السلاح والتعليم الديني، والصبايا اخذن لكي يكّن خليلات للمعاشرة الجنسية لمقاتلي داعش، او للبيع لمن يرغب ولكل فتاة سعر يناسب عمرها وجمالها وقوامها. بعض الفتيات الجميلات استحوذ عليهم الامراء والقادة، البعض تبادل ممارسة الجنس معهم عدد كبير من الرجال، بعضهنّ مات والبعض انتحرنّ. يوفا أخذها في البداية احد قادة داعش، كانت في حالة انهيار نفسي، كيف تسلم جسدها الذي لم يره أحد لرجل كعبدة؟. ماذا عليها أن تفعل لتخرج من هذا الكابوس الذي تعيشه؟. لا تستطيع فعل شيء سوى ان تكون بلا مشاعر وتغادر جسدها وتحوله لجثة غير متفاعلة، مما جعل من يقتنيها يعوفها ويستبدلها او يبيعها في سوق عام في مدينة الرقة حيث عاصمة داعش، انتقلت يوفا بين أكثر من مالك، تحلم دائما بالهرب والانعتاق، تحلم بحبيبها كمنقذ لها دوما. تنتقل من مالك لمالك تعاني من مالكيها ومن زوجاتهم، كثرت الزوجات والسبايا عند رجال داعش، كثيرة هي معاناة هؤلاء النساء. مالكها الأخير من الموصل، قريبة من بلادها، تتعرف على سبايا ومحظيات اخريات، هناك المسيحيات من الموصل الذين قتلوا آباءهم وإخوتهم الذكور أمامهم، خيروهم بين الجزية والأسلام، ثم فرض عليهنّ الزواج منهم، والا مصيرهنّ الموت تحت دعوى الردة او الكفر. في الموصل خططت يوفا للهرب، فهي بعد بعدها عن امها وموت والدها مقتولا، وفقدان اخاها الصغير، لم يبق لها إلا حبيبها، التي استطاعت التواصل معه عبر الهاتف بعد محاولات كثيرة، واتفقت على الهروب من الموصل واللقاء خارجها، لعلها تبدأ حياة من جديد. استطاعت تنفيذ خطة الهروب لكن حبيبها لا يحضر.
تنتهي الرواية و يوفا تبتعد عن الموصل مقتربة من حقل الغام تحلم أن يظهر حبيبها بأي وقت ليخرجها من هذا الجحيم.
في تحليل الرواية نقول: نحن أمام رواية مشاعرية بامتياز، ذات بطلة الرواية حاضرة كل الوقت، ما تعيشه تفاصيل تنسج حالها واحوالها، حيث تعبر عن ما تعايشه بشفافية وعمق ودقة، تنفذ داخل النفس بكل قدرة، واقع القتل والاغتصاب والاساءة للناس والعقائد والاسلام، يكاد يكون عنوان لحضور داعش لتقدم صورة عن الإسلام تجعل العالم يتمسك بكل ادعائه وأوهامه عن تخلف و عنصرية ووحشية المسلمين، وتحويل الإسلام لاعتقاد يصنع الارهاب. داعش قدمت للعالم الذريعة التي سيثتثمروها لسنوات طويلة ضد الإسلام والمسلمين، هناك تغييب في الرواية عن كيف وجدت داعش ومن أوجدها ؟!. قد لا يكون مطلوب من الرواية ذلك، لكن الصورة بهذا الشكل غير كافية رغم حضور البعض في الرواية للقول عن داعش: هؤلاء اعداء الاسلام والمسلمين قبل عدائهم للعالم كله. من ايجابيات الرواية انها سجلت للتاريخ أدبيا محنة الايزيديين ال ٧٤ من الإبادة الجماعية عبر التاريخ على ما ذكرت الرواية، وتجعلنا قارئين مطلعين على معتقدات و أناس وعادات وتقاليد كانت من المجاهيل عندنا، او لنقل من المنكرات، اكتشفنا ان كل العقائد تحمل المبررات النفسية والعقلية لحامليها، وانها حتى وان كانت عبادة الشيطان، هي غطاء اجتماعي اعتقادي لمشروعية مجتمعية يحترمها ويعيشها جميع معتنقيها، مشكّلة لهم جوّهم الحياتي بكل تنوعه وآماله وآلامه وأحلامه وأمنياته المستقبلية.