خصصت صحيفة “بيرلنغسكا” الدنماركية، ذات التوجه الليبرالي، في عددها الصادر الأربعاء تقريراً موسَّعاً عن اندلاع الصراع حول الثروة بين “عائلة الأسد التي حكمت سورية كعصابة المافيا”، في معرض حديثها عن الخلاف الذي أثاره الظهور العلني لرامي مخلوف، رجل الأعمال وابن خال رئيس النظام السوري، بشار الأسد.
واعتبرت أنه “خلال الأسابيع الماضية شهد السوريون ما لم يشهدوه سابقاً من نزاع في ديكتاتورية العائلة الحاكمة، بنشر للملابس الداخلية القذرة أمام الكاميرات”، مشيرة إلى أن السوريين يأملون “أن يسبب الصراع انهيار نظام الأسد من الداخل”.
وظهر مخلوف في الأيام الأخيرة في مقطعين مصورين يشكو فيهما محاصرته والضغط عليه لتصفية شركاته في سورية، على خلفية مطالبة النظام له بضرائب ومستحقات مالية ينفي وجودها، بينما يصرّ النظام على تحصيلها من طريق وزارة الاتصالات.
ونقلت الصحيفة في تقريرها أن العارفين بمنطقة الشرق الأوسط قادرون على شرح أساليب الحكم في سورية باستعارات من قبيل أن “النظام يعمل كالمافيا، حيث تجري القوة والتسلط في الدماء، والمشاكل تحل في الخفاء”.
وتوضح الصحيفة في السياق ذاته أن “تقاسم السلطة لمدة 40 عاماً يقوم على أنه بينما بشار وأسرة الأسد يجثمان بقوة على الجيش والسلطة السياسية، فإن ابن خال الديكتاتور، الثري جداً، رامي، وفرع أسرة مخلوف يسيطرون على الأمور المالية”.
وتفصل “بيرلنغسكا” أكثر بالقول إن “رامي مخلوف ليس فقط أغنى رجل سوري، بل هو الركيزة الرئيسة للاقتصاد الرسمي والأسود (الموازي)، حيث كان يسيطر قبل الحرب على 60 في المائة من الناتج المحلي، وهيمن على كل شيء، من قطاع البناء إلى الصناعة إلى استيراد السيارات وبقية ما يستورده البلد، حتى قطاع الاتصالات”.
وأضافت الصحيفة الدنماركية أنه “خلال 10 سنوات موّل مخلوف حرب النظام التي خطفت أرواح أكثر من 400 ألف من السوريين، وأرسلت بقية السكان نحو التهجير أو الفقر”، مشيرة إلى أنه “خلال الأسابيع القليلة الماضية ظهر فجأة رامي مخلوف في محيط غير معروف لينشر ابن الخال على صفحته على فيسبوك شكواه من الفساد وانعدام الضمير لدى أجهزة أمن مشهورة بتعذيب وقتل آلاف السوريين، بل ويقدم مخلوف عرضاً عن أنه الآن وموظفيه ضحية بطريقة غير إنسانية، بعد أن كان يعتبر نفسه المموّل الأهم للأجهزة نفسها”.
وقبل أيام ظهر رامي مخلوف في تسجيل مصور أكد فيه بدء الأجهزة الأمنية باعتقال مديرين في شركاته، التي يظل أبرزها “سيريتل” للاتصالات، وشكا تعرضه لمعاملة غير إنسانية.
وبعد عرض تفصيلي لقارئ دنماركي لا يدرك خبايا دقيقة عما يدور في “نظام المافيا في سلطة الديكتاتور بشار الأسد”، عن الصراع على شركة “سيريتل”، باعتبارها “جوهرة ثراء الرجل” وأن بشار الذي وجه إليه مخلوف نداءً مباشراً هو من أصدر الأوامر باستهداف ابن خاله، ترى “بيرلنغسكا” أن السوريين أمام “دراما عائلية مذهلة بنشر استثنائي للغسيل الوسخ للنظام، وهو ما لم يحدث مطلقاً في سورية في السابق”.
وأضافت الصحيفة: “يأمل ملايين اللاجئين الذين رمي بهم في عرض البحر وكذلك المعارضة السورية أن يكون ذلك الخلاف بداية نهاية سلطة سلالة الأسد، في أوقات يواجه فيها ضغوطاً خارجية هائلة”.
هل بوتين وراء الصراع؟
في الواقع، لم يغب عن الصحيفة البحث عن نظريات كثيرة عن أسباب هذا النزاع الأخير بين رأس النظام بشار وابن خاله مخلوف، حيث طرحت فرضية بصيغة سؤال فرعي عما إذا كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يقف خلف الصراع.
واستحضرت في هذا الاتجاه عدداً من الفرضيات التي تعتبر بوتين مسؤولاً عن الشقاق بين الطرفين. وأشارت في سبيل ذلك إلى ما بات معروفاً بحملة إعلامية روسية منظمة ضد الأسد، مثلما أشارت إلى إجراء مؤسسة روسية مملوكة لأصدقاء بوتين “استطلاع رأي” حديث بين سكان المناطق التي يسيطر عليها النظام، حيث كان لـ71 في المائة من المستجوبين رأي بأن الفساد يعتبر مشكلة عميقة، فيما عبّر 54 في المائة عن عدم رغبتهم في التصويت للأسد في الانتخابات القادمة في 2021، رغم أنه عادة يحصل رئيس النظام على 99 في المائة.
واعتبرت أن التصرف الروسي كان مفاجئاً للجميع ممن يعرفون مواقف موسكو التي بفضلها لا يزال الأسد في السلطة، وفقاً للصحيفة الدنماركية، التي نقلت رأياً للخبير بالشأن السوري، شارلز ليستر، اعتبر فيه الاستطلاع من ضمن “حملة منسقة لإرسال رسالة واضحة من الكرملين إلى دمشق”.
وعرجت الصحيفة على ما سمته “خيبة أمل” الكرملين ببشار الأسد وعدم تجاوبه مع خطوات موسكو لحل يضمن تدفق الاستثمارات لإعادة إعمار ما دمرته الحرب. وقالت في هذا الصدد: “يبدو أن بوتين بنفسه بات يفقد الصبر بعد 5 سنوات من الاستثمار في الحرب السورية، ويبدو أن الاقتصاد السوري يعيش كارثة كبيرة منذ 6 أشهر دون أفق لحل سياسي لضمان تدفق المال”.
واعتبرت الصحيفة الدنماركية أن من يملك القوة الحقيقية في سورية “هو روسيا من خلال مجموعة مكونة من 5 جنرالات قادرين حين تتاح الظروف على تشكيل مجلس انتقالي”، بحسب ما تنقل عن المعارض السوري، فراس طلاس، الذي يرفض فكرة أنه لا يوجد بديل في سورية لبشار الأسد، مشيرة إلى أن “قلة يؤمنون بأن بوتين يريد حقيقة استبدال الأسد، على الأقل في الوقت الراهن”.
ورأت الصحيفة ختاماً أنه وفقاً لما يذكر المحلل في “ميدل ايسترن آي”، كمال العلم، فإن “تضخيماً يجري في اعتبار مخلوف تهديداً للأسد، فمن المهم التذكير بأن الجيش والأجهزة الأمنية، بدعم روسي، هي التي حسمت الصراع المسلح، ومخلوف بانتقاده لهؤلاء يطلق النار على قدمه”.
لكنها تشير أيضاً إلى أن ما يجري يعتبر هزة في النظام السوري، وتستعين لتأكيد ذلك بـ”محلل يعرف تركيبة النظام ولديه مصادره من داخله، مثل داني مكي”، مضيفة أن أبناء رامي مخلوف اضطروا إلى إخفاء استعراضاتهم للثراء الفاحش في دبي مع صورة الأسد.
وترى أيضاً أن مشكلة حقيقية تصيب “مؤيدي النظام بالصراع الذي يستعيد ذكريات صراع آخر هزّ السلطة الحاكمة سابقاً في الخلاف العائلي بين الأسد الأب وأخيه رفعت في 1984، حيث اتُّهم الأخير بأنه كان يخطط لانقلاب على حافظ الأسد، فانتهى في المنفى الفرنسي، وسيبقى السؤال عن عمق الهزة التي تصيب النظام هذه المرة والتصرفات القادمة ومصير مخلوف فيها”.
المصدر: العربي الجديد