لا يكاد يكون المراقبون والمحللون السياسيون بالنسبة لأردوغان بمثابة أصدقاء ومنهم غير ذلك، شديدي التقلب بين الصداقة والعداوة، ومثال ذلك علاقته مع روسيا وأميركا والاتحاد الأوروبي وصولا الى علاقات تركيا مع إسرائيل والإمارات ومصر والسعودية وإسرائيل، فهذه الدول تراوحت بين عدو وصديق بحسب مزاج اردوغان المتقلب بين العداوة والصداقة.
سمحت حرب روسيا على أوكرانيا لتركيا بالبدء في إعادة بناء علاقتها مع الغرب، وتحتاج كل من بروكسل وأنقرة إلى تقديم تضحيات لمواصلة هذه العملية وحماية مصالحهما الاستراتيجية.
تركيا المطلة على منطقة البحر الأسود تتمتع بعلاقات جيدة مع كل من أوكرانيا وروسيا، فمنذ بداية الحرب الروسية على أوكرانيا، أكد الرئيس رجب طيب أردوغان أن تركيا لا تريد الاختيار بين روسيا وأوكرانيا.
يدعم أردوغان أوكرانيا بسبب علاقة تتار القرم وشراكة أنقرة الثنائية مع كييف -ناهيك عن غريزة تركيا التقليدية لموازنة القوة الروسية في البحر الأسود. ومع ذلك، فقد طورت أنقرة شبكة معقدة من الاعتماد المتبادل مع موسكو، ويرجع ذلك أساسًا إلى أنها تريد الوصول الى النظر الى تركيا تتمتع باستقلالية كاملة عن الغرب وند قوي له، بل إن أحلام اردوغان تذهب الى وصول تركيا الى مصاف الدول العظمى في ظل اقتصاد يترنح وعملية في حالة انهيار وقمع لا نظير له للحريات وصراع بلا هوادة مع الأكراد.
وكان للطائرات من دون طيار التركية تأثير كبير على ساحة المعركة في أوكرانيا، ففي خطوة رمزية إلى حد كبير، أغلقت أنقرة مضيق البوسفور والدردنيل أمام السفن الحربية الروسية. واجهت العلاقة الشخصية القوية بين أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين العديد من التحديات في السنوات الأخيرة.
وتركيا هي العضو الوحيد في الناتو الذي لم يغلق مجاله الجوي في وجه روسيا أو يفرض عقوبات اقتصادية على البلاد. فقد أظهر غزو بوتين الشامل لأوكرانيا الأهمية الاستراتيجية لتركيا مرة أخرى. ستحتاج العواصم الغربية إلى العمل مع أنقرة بشأن الصراع بغض النظر عن رأيها في نظام أردوغان. وعلى الرغم من علاقة أردوغان الإشكالية مع العديد من الدول الأوروبية، فقد استفاد من الحرب في أوكرانيا بشكل جيد.
وبعد أيام قليلة من الغزو، كان القادة الغربيون على استعداد لنسيان تراجع تركيا الديمقراطي -وأصبح أردوغان زعيمًا يمكن للمرء أن يتعامل معه.
بادرت تركيا في وقت مبكر من الصراع بترتيب محادثات بين وزيري الخارجية الروسي والأوكراني في أنطاليا.
منذ ذلك الحين، استضاف أردوغان سلسلة من مفاوضات السلام في إسطنبول، وبذلك أسس نفسه كزعيم الناتو الوحيد الذي يمكنه تسهيل مثل هذه الأحداث.
رأى أردوغان على الفور الفرصة التي أتاحتها الحرب لنظامه، لقد ترجم جهود الوساطة التي يبذلها إلى مكاسب سياسية محلية. وبفضل وجود معارضة ليس لديها الثقل الكافي بالسياسة الخارجية، استفاد أردوغان من دوره كوسيط رئيسي.
وتحرص أنقرة أيضًا على التوسط بين الأطراف المتحاربة لأسباب تتجاوز السياسة الداخلية.
أولاً، ليس لدى تركيا مجال للمناورة عندما يتعلق الأمر بالعقوبات.
مع مرور أكثر من عام بقليل على الانتخابات الرئاسية الصعبة لأردوغان، يمر الاقتصاد التركي بضائقة شديدة.
أدى التضخم المفرط والبطالة على نطاق واسع إلى تآكل دعم أردوغان بين الطبقة الوسطى.
الحالة الكئيبة للاقتصاد هي التحدي الأكبر الذي يواجه حكم أردوغان الذي دام عقدين من الزمن.
لذلك ليس من المستغرب، أنه حريص على عدم زيادة الضغط على الاقتصاد من خلال إنهاء التجارة والسياحة الروسية التي يعتمد عليها.
ومن المفيد له إذن أن دور أنقرة كوسيط يمنعها من الانضمام إلى العقوبات الغربية -في الوقت الحالي على الأقل.
ثانيًا، يمثل الغزو الروسي فرصة لإصلاح علاقات تركيا مع الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي.
تصاعد العدوان الروسي يشكل مصدر قلق خطيرا لتركيا كما هو الحال بالنسبة للاتحاد الأوروبي.
وقد يكون لغزو أوكرانيا تداعيات كبيرة على السياسة الخارجية والأمنية لأنقرة -لا سيما إذا غزت روسيا المناطق الساحلية الأوكرانية، مما يقوض بشدة الأمن في منطقة البحر الأسود.
بعد ضم بوتين شبه جزيرة القرم في العام 2014، زادت موسكو من نفوذها في المنطقة على حساب أنقرة.
لن تؤدي السيطرة الروسية على الساحل الأوكراني بأكمله إلا إلى تسريع هذا الاتجاه -ربما السماح لروسيا المهيمنة بإجبار تركيا على تغيير اتفاقية مونترو، التي يعتبرها الدبلوماسيون الأتراك مقدسة لإضفاء الطابع الرسمي على سيطرة أنقرة على المضائق التي تربط البحر الأسود بالبحر الأبيض المتوسط.
علاوة على ذلك، قد يهدد بوتين الجريء بولندا ودول البلطيق، مما يجبر تركيا -كعضو في الناتو- على التخلي عن حيادها.
ومن ثم، فإن لدى أنقرة مصلحة حقيقية في تسهيل وقف إطلاق النار الذي قد يؤدي إلى اتفاق سلام بين روسيا وأوكرانيا.
في الواقع، يمكن لتركيا تحسين علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي من خلال الانخراط في التعاون الدفاعي مع بولندا ودول البلطيق وأوكرانيا.
لكن سيكون من الحكمة من الناحية الإستراتيجية أن يسمح الغرب للعلاقات بين تركيا والناتو بالتحسن أولاً، وتحتاج أنقرة وواشنطن إلى التركيز على إعادة بناء الثقة في بعضهما بعضا.
في هذا السياق، ساعدت موافقة الولايات المتحدة على بيع مقاتلات F-16 لتركيا وتصريحات الناتو بشأن الدعم التركي لأوكرانيا (على الرغم من شريان الحياة الذي تمدّه أنقرة إلى موسكو) في الحفاظ على التضامن داخل الحلف.
بالإشارة الى مقال موقع يوربين كونسل
المصدر: (أحوال تركية)/الغد الأردنية