خلافاً للشعارات السياسية المنددة بالعقوبات الغربية المفروضة على نظام الأسد، تجمع أغلب المواقع الإيرانية الموالية للنظام الحاكم في طهران على أن قانون قيصر الذي فرضته الإدارة الأميركية السابقة على النظام السوري ودخل حيزه التنفيذي منذ منتصف عام 2020، هو فرصة اقتصادية كبيرة يجب “اغتنامها” وتحويلها إلى “نعمة” في سوق بدا للوهلة الأولى خالياً من أي منافسين اقتصاديين خطيرين.
ورغم ذلك، تشير التصريحات التي رصدها موقع “تلفزيون سوريا” من مواقع إيرانية رسمية وشبه رسمية إلى أن هذه “النعمة” تحولت إلى “نقمة” بالنسبة للعديد من الشركات الإيرانية الخاصة التي سال لعابها منذ سنتين للسيطرة على هذا السوق الواعد، وترى نفسها الآن تخسر استثماراتها.
لا إنجازات اقتصادية إيرانية في سوريا منذ مجيء رئيسي
وتأتي هذه الأنباء بالتزامن مع مضي أكثر من عام على تشكيل حكومة “المتشدد” إبراهيم رئيسي، الذي وضع على رأس جدول أعماله تطوير وتحسين العلاقات مع دول الجوار، وتنمية العلاقات الاقتصادية مع ما يطلق عليه “دول المقاومة”، وفي مقدمتها سوريا.
لكن خلافاً لهذه السياسة المعلنة، لم تنجز حكومة رئيسي أي خطوات اقتصادية واضحة المعالم على الساحة السورية منذ توليها، وعلى العكس تماماً، أشارت تقارير أعدها موقع “تلفزيون سوريا” مؤخراً إلى تراجع معدلات التبادل التجاري بين البلدين في النصف الأول من العام الجاري.
وفي هذا الصدد، يلقي ، حسن شمشادي أمين غرفة التجارة الإيرانية السورية المشتركة، في مقابلة مطولة مع موقع (الاستراتيجية المعاصر) الإيراني، باللوم على حكومة الإصلاحي حسن روحاني فيما يتعلق بتراجع معدلات التبادل التجاري مع سوريا، ويقول: “لم يكن للحكومة السابقة توجهات لتوسيع العلاقات بين إيران وسوريا. وكانت الحكومة بأكملها، من الرئيس إلى بقية المسؤولين، يعبرون عن مطالب في الظاهر والعلن، ولا يفعلون شيئاً خاصاً في الباطن”.
القطاع الخاص الإيراني في سوريا يتلقى خسائر فادحة
وبخصوص حضور القطاع الخاص الإيراني في سوريا، يرى شمشادي أن هذا القطاع مهتم جداً بالوجود في السوق السورية وهي سوق جذابة بالنسبة له، إلا أن هذا الاهتمام والجاذبية خاطئ عند البعض، لأنهم لا يعرفون عن السوق السورية.
ويؤكد شمشادي على أنه يجب معرفة السوق السورية، مشيراً إلى أن بعض التجار والمصدرين الإيرانيين يقارنون السوق السورية بالسوق العراقية، في حين أن الموضوع غير قابل للمقارنة، لا من حيث عدد السكان، والدخل، والنقل، ومستوى الدخل، وما إلى ذلك، بحسب شمشادي.
ويتابع شمشادي حديثه قائلاً: “لسوريا سوقها الخاص الذي يجب دراسته ودراسة إمكانية تصدير بضائع مختلفة إليه والوجود في السوق بعيون مفتوحة”.
ويشدد شمشادي على أن السوق السوري يختلف عن باقي دول المنطقة، وأن على التجار معرفة ذلك، مشيراً إلى أن “البعض” يدخله بشكل أعمى.
كم عدد الشركات الإيرانية في سوريا؟
وفي خضم حديثه عن خسارة الشركات الإيرانية في سوريا، يقول شمشادي: “تم تسجيل أكثر من 1390 شركة إيرانية هناك بعد انتهاء الأزمة في سوريا وإحلال السلام النسبي، كما تظهر الإحصائيات، لكن لا توجد أكثر من 10 أو من 20 شركة نشطة فعلياً في سوريا”.
وعن الأسباب التي أدت إلى هذه الخسائر، التي تبدو أنها فادحة من خلال الإحصائيات التي عرضها، يقول شمشادي: “بسبب قلة المعرفة بالسوق السورية والسعي وراء المكاسب والمصلحة المباشرة فقط، قاموا بتسجيل شركة في سوريا، لكن في المجموعات الموجودة في سوريا، تعرض بعض الشركات نفسها لبيع الامتيازات، لأنهم ذهبوا دون علم وسجلوا شركة هناك ولم يكن ذلك مفيداً لهم”.
وفي سياق متصل، يقول أمين جمعية مصدري الخدمات الفنية والهندسية إن إيران “لم تشارك في المشاريع السورية بقدر ما كان لديها استثمارات مالية وهندسية وبشرية وعسكرية في سوريا”.
وفي إشارة إلى “خسارة شركات المقاولات الإيرانية في سوريا”، أعلن بهمن صالحي جاويد، يوم الأحد 11 أيلول الماضي، أن “طلب 800 مليون دولار من قبل الشركات الإيرانية في العراق لا يزال قائماً”.
وانتشرت خلال العامين الماضيين تقارير عديدة حول استمرار خسائر إيران ومديونيتها في سوريا والعراق، ووصف ناشطون اقتصاديون السبب الرئيسي وراء ذلك بـ “العقوبات الاقتصادية والمالية” و “سوء إدارة المسؤولين الإيرانيين”.
وتتوارد هذه الأنباء في وقت أشارت فيه تقديرات سابقة صادرة عن أحد البرلمانيين الإيرانيين إلى أن مشاركة فيلق القدس لحماية حكومة رئيس النظام بشار الأسد، من السقوط الحتمي “كلف إيران ما بين 20 و 30 مليار دولار”.
يجب استغلال قانون قيصر قبل فوات الأوان
وتشير التقديرات إلى أن الخطوات التي حققتها إيران حتى الآن في المجال الاقتصادي السوري لم تكن ميسرة لولا وجود قانون قيصر، الذي فرض مجموعة قاسية من الظروف الاقتصادية، التي لا يمكن إلا لدولة مثل إيران التأقلم معها من خلال خبرتها في التحايل على العقوبات وتحديها. لكن هذه الفرصة التي منحها قانون قيصر للإيرانيين تبدو كفرصة وتهديد في آن معاً، فهي فرصة لأن لدى طهران مهلة محدودة في هذا السوق الذي لا مثيل له، والذي لا يدخله أحد في ظل شروط العقوبات، بحسب شمشادي.
ويرى شمشادي أنه لن تكون هناك فرصة للإيرانيين عملياً في سوريا إذا تم رفع العقوبات. ويدلل على ذلك بقوله: “الآن علينا التنافس مع المصنع المحلي والشركات الأجنبية التي تعمل هناك بشكل مباشر وغير مباشر، والبضائع التركية المهربة، لكن إذا تم رفع الحظر، فإن هذه الفرصة تصبح تهديداً لأن لا أحد يهتم بك. العالم هو عالم التبادل”.
ووفقاً لشمشادي، فإن دمشق تفكر في أرباحها وخسائرها من الناحية الاقتصادية، حتى لو كنا حلفاء وأصدقاء لها. وإذا أعطت الصين بضائعها أرخص من إيران، فسوف ترحب بها دمشق. ويحذر شمشادي من أنه إذا لم تستفد طهران من الفرصة الحالية، فينبغي علينا أن نأسف على فقداننا السوق السورية، بعد رفع العقوبات عن دمشق.
الكعكة السورية أكبر من حلق طهران
على الجانب الآخر، يرى بعض المحللين الاقتصاديين الإيرانيين أن الفراغ الذي خلقه قانون قيصر في السوق السورية لصالح الشركات الإيرانية أكبر من قدرات الإيرانيين على ملئه، وأن الكعكة السورية أكبر حجماً من المقدار الذي يمكن أن تبتلعه طهران بنفسها. وفي هذا الصدد، يتساءل حسن شمشادي في مقابلة مع موقع إيران دبلوماسي، إلى متى يمكن لسوريا أن تنتظر إيران؟
ويضيف: “هل تعتقدون أن هذه السنوات الخمس أو الست كانت فرصة قصيرة لإيران لتطوير وتوسيع علاقاتها الاقتصادية والتجارية والمالية مع سوريا والاستثمار في الأسواق المربحة مثل البناء في هذا البلد؟”.
وفي إشارة إلى المبالغ المالية الضخمة التي تحتاجها سوريا لإعادة الإعمار، يشدد شمشادي على أنه لا ينبغي إغفال أن إيران وحدها لا تملك القدرة والإمكانات لتقديم ائتمان بمئات المليارات من الدولارات لإعادة إعمار سوريا.
ومن وجهة نظر شمشادي، فإن من حق سوريا الطبيعي البحث عن مستثمرين آخرين لتقديم هذه القروض، مدللاً بذلك للاستثمارات الخليجية التي تقودها دولة الإمارات في مناطق سيطرة نظام الأسد.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا