تصعيد مصري ضدّ “حكومة الدبيبة” في الجامعة العربية.. || كيف ينعكس على جهود الحلّ؟

أحمد علي حسن

دخل الملف الليبي مجدداً في دائرة الاستقطاب الإقليمي وسط خلافات في شأن التعاطي مع الحكومتين، وظهر التجاذب هذه المرة خلال اجتماع مجلس وزراء الخارجية العرب باحتجاج مصري، ما ينعكس على الجهود الرامية لحل المشكلات ويفاقم احتدام المشهد في بلد يعاني جموداً سياسياً وصراعات مسلحة على السلطة منذ شباط (فبراير) عام 2011.

وإذ مثّل مشهد خروج وزير الخارجية المصري سامح شكري من قاعة الجامعة العربية لدى صعود وزيرة الخارجية في “حكومة الوحدة الوطنية” الليبية نجلاء المنقوش، لتولي رئاسة اجتماع مجلس وزراء الخارجية العرب، الذي عقد في مقر الجامعة، الثلاثاء، رسالة شديدة اللهجة تتضمن عدم اعتراف القاهرة بحكومة “الوحدة الوطنية” برئاسة عبدالحميد الدبيبة ووزيرة خارجيته، فإنه في المقابل قد يزيد من تعقيدات الأزمة ويقلل فرص نجاح الوساطة المصرية في الملفين: السياسي لإنهاء الخلافات حول المواد الدستورية المنظمة للاستحقاقات الانتخابية بين رئيسي مجلسي النواب عقيلة صالح والأعلى للدولة خالد المشري، والأمني، لتفكيك الميليشيات وتوحيد المؤسسة العسكرية.

ووفقاً لمصادر ليبية مطلعة تحدثت لـ”النهار العربي” فإن الوفد المصري حاول تأجيل استحقاق رئاسة ليبيا للاجتماع الدوري لوزراء الخارجية العرب إلى دورة لاحقة، إلى حين تبلور حلول للأزمة السياسية، الأمر الذي رفضته دول عربية أخرى على رأسها الجزائر وقطر. ودافعت مصر على لسان الناطق باسم وزارة خارجيتها أحمد حافظ، عن الخطوة، موضحاً أن الوفد المصري غادر اجتماع مجلس وزراء خارجية الدول العربية مع تولي نجلاء المنقوش تحفظاً من مصر على تولي الرئاسة من ممثل حكومة منتهية ولايتها.

وكانت القاهرة من أولى العواصم التي أعلنت دعمها لخطوة مجلس النواب سحب الثقة من حكومة “الوحدة الوطنية”، وتكليف فتحي باشاغا رئاسة حكومة جديدة. في المقابل يبدو أن تركيا ستؤدي الدور الرئيسي خلال الأيام المقبلة في محاولة التوسط لحل الأزمة بين حكومتي الدبيبة وباشاغا بعدما تطور الصراع إلى أعنف اشتباك مسلح منذ سنوات بين الميليشيات منقسمة الولاء.

وتأتي الخطوة الاحتجاجية المصرية بعد أيام من استضافة أنقرة وساطة بين الدبيبة وباشاغا في محاولة لوقف الصدامات المسلحة في العاصمة طرابلس، كما جاءت بعد إعلان الأمم المتحدة تعيين الدبلوماسي السنغالي عبدالله باثيلي موفداً خاصاً للأمين العام للأمم المتحدة ورئيساً للبعثة الأممية في ليبيا.

المنقوش تردّ

بدورها ردت المنقوش على انسحاب الوفد المصري، معتبرة أن “الحديث عن وجود حكومة شرعية وغير شرعية ومنتهية الولاية، غير دقيق، وهو يساهم في توسع الأزمة والانقسام”. وقالت في المؤتمر الصحافي الختامي لمجلس وزراء الخارجية العرب إن “استخدام لفظ حكومة منتهية وأخرى شرعية استخدام غير دقيق للواقع”. وأكدت المنقوش “احترام” موقف وزير الخارجية المصري بالانسحاب من الجلسة، لكن احترام موقف شكري “لا يعني بالضرورة التوافق معه”، معتبرة أنه مخالف لـ”ميثاق الجامعة العربية، وتحديداً المادة 8، ومخالف لقرارات مجلس الأمن”. وأضافت: “حضوري الاجتماع مدعوم دولياً بمواثيق اتفاق جنيف والصخيرات وبرلين 1 و2، التي تقول إن حكومة الوحدة هي الحكومة الانتقالية وصولاً إلى الانتخابات”، قبل أن تدافع عن حكومتها التي “حاولت جاهدة من أول يوم لها أن تكون توافقية تمثل كل اطياف الدولة الليبية”. وقالت: “أتمنى الوصول لاتفاق قريباً وسيكون هناك حوار حول هذه المسألة”.

وفي هذا الإطار، عقد وزير الشؤون الخارجية القطري سلطان المريخي، جلسة محادثات في القاهرة مع المنقوش، اعتبرت رسالة دعم لحكومة الوحدة الوطنية. وبحث الاجتماع “العلاقات الثنائية بين البلدين وسُبل تنميتها وتعزيزها، وتطرق إلى مستجدات الأوضاع في المنطقة العربية وتبادل وجهات النظر حول مختلف القضايا؛ بما يعزز المصالح المشتركة لدعم مسيرة العمل العربي المشترك”، وفق البيان الليبي.

وقدم وزير خارجية قطر تهانيه للمنقوش كونها أول وزيرة خارجية عربية (امرأة) تتولى رئاسة مجلس الجامعة الوزاري، مؤكداً دعمه الكامل لرئاسة ليبيا لمجلس جامعة الدول العربية.

وأثار الاحتجاج المصري ردود فعل ليبية متباينة. وقال الدبيبة إنه يتشرف بترؤس ليبيا الدورة الـ 158 لمجلس وزراء الخارجية العرب، بعد غياب تسع سنوات عن الرئاسة. وعبّر في تغريدة له على “تويتر” عن تطلعه إلى أن تبذل وزيرة خارجيته جهودها “لحشد الدعم العربي لإنجاح الانتخابات، وتعطي للمرأة العربية الريادة باعتبارها أول سيدة تتولى الرئاسة”.

واعتبر نائب رئيس المجلس الرئاسي عبد الله اللافي أن ترؤس ليبيا اجتماعات مجلس جامعة الدول العربية، يبعث برسالة إيجابية عن دور ليبيا في المنطقة. وقال في تغريدة على “تويتر” إن ترؤس المنقوش اجتماعات الجامعة العربية كأول امرأة لدورة عادية “أمر يبعث برسالة إيجابية حول دور ليبيا في المنطقة، ودعمها للمرأة”.

حكومة باشاغا تشيد

في المقابل، أشادت وزارة الخارجية في حكومة باشاغا بموقف الخارجية المصرية خلال اجتماع جامعة الدول العربية. واعتبرت في بيان نشره الوزير حافظ قدور، أن “موقف مصر أظهر احتراماً للشرعية الوطنية والتزاماً بخيارات المؤسسات المنتخبة ومناصرة لحق الليبيين في استرداد وامتلاك العملية السياسية”. ودعت الوزارة كل الدول العربية إلى اتخاذ “موقف مماثل، تتجسد فيه روح الأخوة ووحدة المصير، وذلك من خلال احترام إرادة الليبيين وأجسامهم المنتخبة في اختيار حكومتهم الشرعية”. كما دعت في الوقت نفسه جامعة الدول العربية وأمانتها إلى “فك الارتباط نهائياً بالحكومة السابقة المسماة حكومة الوحدة الوطنية، كونها منتهية الولاية ومسحوباً منها ثقة مجلس النواب، وأن يُحصر التعامل مع الحكومة الليبية الشرعية”.

مجاملة؟

رئيس مؤسسة سلفيوم للأبحاث والدراسات جمال شلوف، أكد من جهته أن الخارجية المصرية “مارست ضغوطاً حقيقية لمنع المنقوش وحكومتها منتهية الولاية من شغل كرسي ممثل الدولة الليبية في الجامعة العربية، وليس فقط منعها من ترؤس الاجتماع الوزاري”.

وأضاف: “لكن الخارجية المصرية اختارت أن تمسك العصا من المنتصف، وأن تجامل المنتهية الولاية بالسماح للمنقوش بترؤس الاجتماع الوزاري، وتجامل البرلمان وحكومته بالانسحاب اعتراضاً على ترؤس المنقوش للاجتماع”.

المصدر: النهار العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى