بوتين أقر بأن مستقبل العالم مرتبط بالقارة السمراء واجتماع “الأطلسي” نبه إلى الفراغ الأمني بعد خروج باريس.
أعلنت فرنسا إنهاء مهمة قوة “تاكوبا” العاملة في منطقة الساحل الأفريقي، حيث قال الجنرال باسكال ياني، المتحدث باسم هيئة أركان الجيوش الفرنسية إن “إعادة تنظيم انتشار القوات العسكرية الفرنسية في منطقة الساحل، التي تقررت بتعاون وثيق مع الشركاء الأوروبيين والأميركيين الشماليين، أفضت إلى إنهاء عمليات قوة تاكوبا في مالي اعتباراً من 30 يونيو (حزيران)”، وهو ما يتماشى مع توجه باريس خلال الأعوام الأخيرة، بالنظر إلى قرار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون العام الماضي، خفض عدد القوات العسكرية المحاربة للجماعات الإرهابية في منطقة الساحل الأفريقية، بالتالي إغلاق القواعد العسكرية التابعة لبلاده في شمال مالي.
وأشار ياني إلى ضرورة إنشاء الدول الأفريقية إدارات في المناطق التي تستردها عسكرياً، مضيفاً أن “الأمر يتعلق بطبيعة الحال بمنع منظمتين إرهابيتين من جعل منطقة الساحل وغرب أفريقيا أرضاً جديدة للتوسع وإرساء الجذور، لكن لا يمكن بأي حال أن نعوض مسؤولية وسيادة دول المنطقة وأداء دورها في توفير الأمن والخدمات للسكان”.
بدأت قوة “تاكوبا” عملها عام 2020 مكونة من قوات خاصة من عشر دول أوروبية، فاق عددها 800 جندي، وكانت مكلفة مساعدة القوات المالية في مواجهة الجماعات المسلحة، وإعادة المناطق التي أخلتها خلال صراعها مع تلك الجماعات التابعة لتنظيمي “القاعدة” أو”داعش”.
وكانت فرنسا أوقفت في وقت سابق كلاً من عمليتي “سرفال” و”برخان” أمام سخط شعوب المنطقة من فشل تدخلها العسكري في القضاء على الخطر الإرهابي، الذي حصد عدداً من أرواح المدنيين، ومن جهة أخرى نظراً إلى توالي أخطاء القوات الفرنسية في بعض هجماتها التي استهدفت مدنيين.
أسباب هيكلية واستراتيجية
يشير الباحث في العلاقات الدولية محمد عطيف إلى أن “قرار إنهاء مهمة عملية تاكوبا في منطقة الساحل الأفريقي يرجع إلى أسباب هيكلية داخلية لهذه القوة العسكرية، لغياب التفاهم بين الدول الأوروبية المشاركة في هذه المهمة، إضافة إلى أسباب استراتيجية متمثلة في التدخل الأجنبي من قبل روسيا، لا سيما من قوة فاغنر التي أصبحت تتمدد بشكل سريع في منطقة الساحل”، مضيفاً “في المقابل، قطعت دول الساحل صلتها مع فرنسا بعد أن أعلنت الأخيرة الانسحاب من مالي في مارس 2022، وذلك نتيجة إطاحة الحكومة المالية في انقلاب مزدوج عامي 2020 و2021، ما أدى إلى وصول المجلس العسكري إلى السلطة، الذي يرفض إجراء الانتخابات ويستفيد من المشاعر المعادية للفرنسيين المتزايدة في المنطقة”.
أما الباحث في القضايا الأفريقية والأمنية عبد الواحد أولاد ملود، فيرى أن “قرار إنهاء مهمة قوة تاكوبا تحصيل حاصل، نظراً إلى تراجع النفوذ الفرنسي الأوروبي في منطقة الساحل الأفريقي والصحراء الكبرى، والتسلسل الزمني للتدخل الفرنسي في منطقة الساحل، بخاصة منذ الدخول إلى شمال مالي عام 2013 تحت غطاء دولي وبتنسيق مع المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا، تم عبر مراحل”، موضحاً أن فرنسا أنشأت قوة “سرفال” ثم قوة “برخان”، وبعدها قوة “تاكوبا”، وذلك بعد أن أعلن ماكرون، في الولاية السابقة، أن بلاده تستعد للانسحاب من مالي، هذا من جهة، ومن جهة أخرى طالب المجلس العسكري الانتقالي المالي برحيل فرنسا، إضافة إلى النخب المالية، وكذا شعوب الساحل والصحراء، باعتبار أن التدخل العسكري الفرنسي كلف المجتمعات مزيداً من الهجمات التي تضاعفت بشكل كبير.
تداعيات الانسحاب
يشير باحثون إلى أن القرار الفرنسي سيخلف تنامياً للخطر الإرهابي في منطقة الساحل، وسيؤدي الأمر من جهة أخرى إلى زيادة التغلغل الروسي. يقول الباحث محمد عطيف إن “قرار إنهاء مهمة قوة تاكوبا من شأنه المساهمة في تنامي الخلايا الإرهابية في منطقة الساحل، علماً أن هذه الأخيرة تعتبر من البؤر الرئيسة التي ترتكز فيها المنظمات الإرهابية، ما سيؤدي إلى تهديد الأمن والاستقرار”، موضحاً أن المباحثات من أجل إعادة تشكيل القوة العسكرية في المنطقة لم تخرج إلى حد الآن بقرار موحد في شأن محاربة الإرهاب، وهذا قد يكون خطأ استراتيجياً أمنياً ستستغله الجماعات المتطرفة لتهديد دول الساحل.
ويشير الباحث أولاد ملود إلى أن الإعلان الفرنسي سيخلق فراغاً على مستوى الساحل والصحراء، ستستغله القوات الدولية الأخرى على غرار روسيا، بالتالي من تداعياته على الأمن بالمنطقة، إتاحة المجال لتغلغل الجماعات الجهادية وإعادة ترتيب أوراقها في المنطقة، متوقعاً أن تشهد الأيام المقبلة استهداف مصالح دولية في المنطقة، بخاصة المصالح الفرنسية ومضيفاً أنه “من جانب آخر، نلاحظ أن جل الاهتمامات الروسية ستكون في منطقة الساحل، باعتبار أن الرئيس الروسي أقر بأن مستقبل العالم مرتبط بمستقبل أفريقيا، وأن منطقة الساحل هي المحرك الأساسي للقارة السمراء”.
تراجع النفوذ
ويوضح الباحث محمد عطيف أن هناك مؤشرات إلى تراجع دور فرنسا في منطقة الساحل والصحراء الأفريقية بسبب التنافس الدولي، فضلاً عن الأزمة الأوكرانية التي أضحت من الاهتمامات الأساسية في السياسة الخارجية الفرنسية.
ويشير الباحث أولاد ملود إلى “زيادة التوغل الروسي في المنطقة عبر القوات غير الرسمية فاغنر، وربما ستكون هناك كذلك زيادة في التوغل الصيني بشكل أو بآخر ولو بالدعم، بخاصة لقاعدة جيبوتي”، لافتاً إلى أن الجديد في الأمر هو البيان الختامي لاجتماع “حلف شمال الأطلسي” (ناتو) الذي عُقد أخيراً في إسبانيا والذي وسع من اهتماماته ولم يقتصر على القطب الأوروبي، وإنما انتبه إلى الفراغ الأمني الذي سيخلقه الانسحاب الفرنسي، ما يشير إلى احتمالية توجه الحلف إلى منطقة الساحل والصحراء بذريعة استتباب الأمن في المنطقة، لكن الهدف الحقيقي هو قطع الطريق على النفوذ الروسي. وأردف أن من تداعيات الحرب الروسية مغادرة نسبة كبيرة من قوات “فاغنر” في أفريقيا متجهة إلى روسيا لدعم الجيش في حربه.
ويعتقد الباحث في القضايا الأفريقية والأمنية أن “التعامل مع الأوضاع الأمنية في منطقة الساحل والصحراء هو بمنطق العسكرة بالعسكرة”، مذكراً بفشل التجربة الفرنسية التي اعتمدت المقاربة العسكرية الصرفة في المنطقة، إضافة إلى فشل المقاربة التنموية، ولو بإعطاء عدد من المشاريع إلى المجموعة الخماسية كي تتماهى مع التدخل العسكري.
المصدر: اندبندنت عربية