كتب المحرر الدبلوماسي في صحيفة “الغارديان” باتريك وينتور، قائلا إن موقف الغرب من الانتخابات الرئاسية التركية، وقع في شَرَك الخوف والأمل.
وقال إن العواصم الغربية ظلت صامتة طوال الحملة الرئاسية التركية، مع أنها أملت أن تنتهي الانتخابات بهزيمة أردوغان بعد عشرين عاما في الحكم، ولكن الناخبين الأتراك منحوه تفويضا حاسما لكي يحكم في السنوات الخمس المقبلة.
ومن هنا، وجد الغرب نفسه في شرك الخوف والأمل. فالغرب يخشى من أن يقود أردوغان تركيا بعيدا عن القيم الغربية العلمانية، أما الأمل فهو أن أردوغان الذين لن يستطيع الترشح لولاية أخرى، قد يغير من مواقفه، فهو ليس بحاجة لإرضاء القوميين المتطرفين وقواعدهم الانتخابية، ويبني سياسته الخارجية على شيء أكثر من محاولة الحفاظ على النفس.
ومهما يكن، فالخيارات التي لا تقيّد أردوغان تهم تركيا والناتو والنظام الذي سيظهر بعد نهاية حرب أوكرانيا. وأضاف الكاتب أن أهم شيء يقلق الغرب، هو منع أردوغان من الارتماء أكثر في أحضان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
إلا أن قلة من الدبلوماسيين يشعرون بالتفاؤل في هذا الشأن. وقال أحدهم: “في الماضي، حوّل أردوغان العلاقة التعاقدية إلى فن ثم أيديولوجية، لكنها تحوّلت في الفترة القريبة إلى كراهية تجاه الغرب وغرور”.
وقال سليمان صويلو وزير الداخلية التركي، إن أي شخص يظهر ميولا غربية فهو خائن. وربما كان هذا مجرد كلام حملات انتخابية، لكن كلامه يعكس العقلية في تركيا ودول أخرى. وسيكون أول امتحان لأردوغان هو قمة الناتو في العاصمة الليتوانية فيلنيوس، حيث سيُطلب منه رفع الحظر عن انضمام السويد للناتو. وفي الفترة الماضية، رفع أردوغان الحظر عن انضمام فنلندا للحلف، لكنه ترك السويد في منطقة رمادية خطيرة.
وتقول السويد التي تعيش فيها أقلية كردية كبيرة، إنها تكافح للتعامل بمنطقية مع بعض مطالب أردوغان، بما في ذلك ترحيل 140 كرديا، والذين لم ترسل تركيا أسماءهم إلى السويد من قبل. وتقوم السويد بتشديد قانونها لمكافحة الإرهاب من أجل إرضاء أنقرة، وهي مستعدة لدراسة الأدلة التي تقول إن المجتمع الكردي في السويد أصبح المركز الرئيسي لتمويل حزب العمال الكردستاني (بي بي كي) والمصنف كمنظمة إرهابية في تركيا ودول الاتحاد الأوروبي.
إلا أن الحكومة السويدية المتطرفة لا تستطيع أن تأمر قضاتها لكي يصدروا أوامر لترحيل الأكراد. ويحاول المسؤولون التظاهر بأن عرقلة انضمام السويد للناتو هي قضية قائمة بذاتها، إلا أنها من الناحية العملية مرتبطة بعرقلة الولايات المتحدة بيع الأسلحة لتركيا، علاوة على مستقبل نظام الدفاع الجوي الروسي “أس- 400” الذي اشترته تركيا من روسيا.
ورغم وصف الرئيس الأمريكي جو بايدن، لأردوغان بالمستبد، إلا أنه مستعد لرفع الحظر عن صفقة طائرات أف-16 بقيمة 20 مليار دولار وفتح صفحة جديدة مع تركيا. لكن بايدن يحتاج قبل هذا لإقناع أعضاء لجنتي الشؤون الخارجية في مجلسيْ النواب والشيوخ.
وأشار مايكل ماكول، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب إلى إمكانية المرونة، قائلا إنه مستعد للمصادقة على الصفقة طالما تم حل موضوع عضوية الناتو في السويد. وأضاف: “لقد تم التأكيد لنا بعد الانتخابات، أيا كان الفائز، أنه سيتم الاعتراف بالسويد كعضو في الناتو”، إلا أن مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الديمقراطيون يحتاج لتطمينات أوسع بشأن تركيا، ووقف تهديد اليونان. ولهذا، فوقف التهديدات العسكرية في بحر إيجة تطور إيجابي.
لكن حجم الأسلحة لن ينهي مقاومة أردوغان للجهود الغربية لإبعاده عن بوتين. ففي الحملة الانتخابية، قال إن تركيا وروسيا بينهما علاقة خاصة، وتحدث عن علاقته مع الرئيس الروسي، قائلا إنها تضعه في موقع جيد للتوسط في الحرب الأوكرانية.
وفي نيسان/ أبريل، أعلن أردوغان عن افتتاح أول مفاعل نووي تركي، والذي سيبنى بدعم مالي وتكنولوجي روسي. وأهم من ذلك، فقد تحدث بوتين عن تحويل تركيا إلى مركز للغاز الروسي.
كل هذا جعل وضع صعوبات أمام الدبلوماسيين الأمريكيين الذين سافروا إلى أنقرة لحثّ أردوغان على تخفيف تعاملاته مع روسيا، وتحويل بلاده كممر لتجنب العقوبات المفروضة على روسيا.
وتتعامل تركيا مع شركات فُرضت عليها عقوبات أمريكية وتُوفر لروسيا المنتجات الغربية، أو ما يطلق عليها المعدات ذات الاستخدام المزدوج مثل البلاستيك والمطاط والإلكترونيات، وكلها أمور تم طرحها أمام الأتراك بدون جدوى.
ببساطة، لا تريد تركيا فرض عقوبات، وواشنطن ليست مستعدة لفرض عقوبات ثانوية خشية أن تدفع أردوغان أكثر إلى ذراعي بوتين.
بشكل عام، دعم الغرب خطوات أردوغان لتخفيف التوتر مع جيرانه بمن فيهم السعودية وسوريا ومصر وأرمينيا. وبمعنى آخر، فانتصار أردوغان السابع يجب أن يكون في مصلحة الغرب.
كان الأمر سيكون أقل سهولة لو فاز معارض أردوغان، كمال كليتشدار أوغلو، الذي كان متحمساً لطرد السوريين من تركيا. وبالمقارنة، فأردوغان يبدو واضحا عندما يقول إن لديه خطة لإسكان اللاجئين السوريين في شمال سوريا قريبا من الحدود. وعلاقته مع الرئيس بوتين وربما بشار الأسد، تجعل من تحقيق الخطة أكثر احتمالا.
المصدر: “القدس العربي”