أثبتت فاغنر أن الحرب في أوكرانيا تحمل مخاطر تفكك الدولة الروسية كما حصل مع الاتحاد السوفييتي.
يبدو واضحا اليوم أن الهجوم المضاد الأوكراني قد تحطم أمام الدفاعات الروسية العنيدة. ومن المعتاد أن الروس يجيدون الدفاع أكثر من الهجوم، لكن ذلك لا يعني انتصارا روسيا أيضا، فروسيا غير قادرة على ادعاء الانتصار طالما أن الأوكرانيين ما زالوا عازمين على القتال، وما زال الغرب يرمي بثقله وراءهم.
في المحصلة التكتيكية سيكون لدينا نوع من الاستنقاع في الفترة القادمة، فمع انتهاء الصيف وضرورة أن يعيد الجيش الأوكراني تنظيم صفوفه وترميم الخسائر الكبيرة التي تكبدها في هجومه المضاد، وتسلم أسلحة جديدة ربما تحتاج لعدة أشهر للاعتياد على استخدامها، لن يكون هناك متسع لهجوم واسع جديد.
لكن دعونا ننظر أبعد من ذلك قليلا، فحرب اوكرانيا تطرح اليوم معادلة صعبة الحل في ضوء ما آلت إليه عقب فشل الهجوم الأوكراني.
روسيا بوتين لا تستطيع الانسحاب، ويبدو أنها متمسكة بوضع الدفاع وغير متحمسة لشن هجوم واسع يقلب موازين الحرب حتى الآن على الأقل، فمثل ذلك الهجوم سيكون انتحارا للجيش الروسي حال فشله، والمراهنة هنا تبدو محفوفة بالمخاطر، ودرس الهجوم على كييف في بداية الحرب مازال ماثلا أمام القيادة الروسية.
والغرب لا يمكن أن يقبل بخروج بوتين منتصرا من الحرب. ببساطة ذلك سيقود إلى تغيير النظام العالمي الحالي وتشجيع الصين نحو الصعود بقوة لاقتحام السياسة العالمية كقطب منافس للولايات المتحدة.
صحيح أن الغرب لا يريد هزيمة نكراء مذلة لروسيا، لكنه لا يرضى بخروجها منتصرة أيضاً.
أما أوكرانيا ذاتها فلم تعد أمامها خيارات كثيرة، فهي ستظل تقاتل طالما وجدت السلاح والدعم من الغرب.
فإذا كانت الأشهر القادمة ستشهد على الغالب استقرارا نسبيا لجبهات القتال يتقطع بين الحين والآخر بالقصف أو خسارة موقع أو ربحه هنا او هناك فيبدو من الصعب تصور ما بعد ذلك إلى حد كبير.
وفي مثل تلك الحالات من الاستعصاء في الحرب قد يكون المخرج في توسيع نطاق الحرب خارج حدودها الحالية، إلى بيلاروسيا أو بولندا أو سوريا مثلا.
وقد يكون في حصول تغيير مفاجئ في موسكو، فمفاجأة فاغنر علمتنا أن نتوقع المفاجآت في بلد تتحكم فيه شبكات غير منظورة من مراكز القوى تعمل ضمن مؤسسات هشة وقابلة للتفكك والاختراق.
وربما يجد الاستعصاء حلا في تصعيد مفاجئ في استخدام أسلحة نوعية ظلت القيادة الروسية متحفظة حتى الآن على استخدامها، كما يمكن أن يمنح الغرب أوكرانيا مثل تلك الأسلحة الفتاكة التي قد تغير مجرى الحرب.
وعلى أية حال، لا يمكن تصور استمرار الحرب الأوكرانية لسنوات قادمة، فحالة الاستقطاب والتوتر تنتشر من البؤرة الأوكرانية نحو العالم كله، والاقتصاد العالمي ليس في حالة يقدر معها على تحمل ألأعباء المباشرة وغير المباشرة لتلك الحرب، كما أظهرت عملية فاغنر فيما أظهرته كيف أن الشعب الروسي التف في النهاية حول فاغنر في مدينة روستوف وأظهر الكثير من التعاطف غير المألوف، وليس من الصعب أن يفسر المرء ذلك التعاطف من خلال رغبة الشعب الروسي أو فريق منه على الأقل في التخلص من الحرب الأوكرانية وما تتركه من قتلى وجرحى ومعاقين دون أن يبدو في الأفق نهاية لها.
من السهل تصور مشاعر الفرد الروسي العادي الذي وقف مع بوتين في بداية الحرب، لكنه يشعر الآن أن بوتين لا يستطيع الانتصار ولا الهزيمة وبالتالي فهو عالق في هذه الحرب ومعه روسيا التي تسير نحو المجهول.
في المقابل يظل السؤال قائما حول مدى تحمل الغرب بصورة فعلية أعباء حرب طويلة الأمد، بعيدا عن التمظهر بالوحدة والتصميم، وهل هو مستعد لمجاراة موسكو إذا قرر بوتين فجأة قلب الطاولة بإدخال أسلحة نوعية شديدة التدمير مثل القنابل النووية التكتيكية؟
يبدو أن علينا أن ننتظر حتى الربيع القادم بعد أن يتضح مدى استعادة الجيش الأوكراني للأسلحة التي فقدها وتعويضه عن الخسائر البشرية، وتقبل الأسلحة الحديثة التي يفترض أن يزوده بها الغرب.
وفي حال لم يطور الجيش الأوكراني من قوته بحيث يصبح قادرا على الحاق هزيمة كبرى بالجيش الروسي تساهم في وضع حد للحرب، فربما ينتقل الجيش الروسي للمبادرة بالهجوم ويتحمل مخاطر المراهنة على ذلك مقابل مخاطر تفكك الدولة الروسية بعد أن أثبتت فاغنر أن الحرب الأوكرانية قد تحمل معها انهيار روسيا كما حصل مع الاتحاد السوفييتي.
المصدر: ميو