القمة السعودية التركية التي التأمت مؤخرًا في شبه الجزيرة العربية، كانت من الضرورة بمكان، كي تترك الأثر الإيجابي والموضوعي، ليس فقط على واقع القضية السورية، بل على مجمل الحالة الاقليمية، ومجمل الواقع في المنطقة، بما تمتلكه الدولتين من امكانيات ووجود فاعل في الملفات الإقليمية والدولية، وبما يمكن أن ينعكس تحريكًا على الكثير من المسائل، وأولها تحريك الوضع السوري المركون على الرف منذ فترة ليست بالقصيرة، نتيجة الخلافات البينية التي حصلت وتركت الآثار السلبية في ذلك، ليس آخرها حال هيئة التفاوض السورية المعطلة منذ مايزيد عن سنتين.
تتطلع شعوب المنطقة العربية والإسلامية إلى مزيد من التعاون والاتفاقات بين الطرفين التي سترخي سدولها بالفعل لا بالقول على الكثير من المسائل ذات المصلحة المشتركة، والتي يمكن لها أن تفعل موضوعيًا في العديد من المفاصل السياسية والاقتصادية، التي أضحت الدول بأمس الحاجة إليها. ويبدو أن اللقاء المهم في السعودية سيفضي إلى الكثير من الإيجابيات التي لم تكن ممكنة في السابق، نتيجة الاختلافات الكبرى التي تمظهرت بشكل أدى إلى لجم وشل الكثير من المشاريع التي يفترض أن تتواجد في مواجهة مشاريع أخرى إقليمية، منها تلك الأطماع الإيرانية التي تهدد جل المنطقة، وليس فقط دول الخليج العربي.
في السياسات بين الدول يمكن أن تحصل خلافات، ويمكن أن تتجذر هذه الخلافات لتصل إلى اختلافات، لكنها بين الدول العربية والإسلامية التي لها عبر التاريخ مصالح منجدلة فيما بينها فإن هذه الاختلافات إن حصلت فسوف تؤثر على الآن والمستقبل، دون أن تعي توافقات التاريخ التي لايجب أن تغيب عن معطيات الجغرافيا والحاضر والمستقبل. وهنا يمكن القول أن المنطقة برمتها قد عانت كثيرًا وخاصة الشعوب من آثار هذه الخلافات البينية، وكانت قد تركت أثارًا سلبية على مجمل الواقع الاقتصادي والجيوسياسي، والكثير من المسائل الأخرى التي كان من الأسلم والأبقى مصلحيًا على الأقل أن لا تحصل تلك الخلافات.
اليوم وبعد هذه الاستدارة التركية السعودية بل والخليجية عامة، والتي تمظهرت مؤخرًا عبر لقاءات للقمم، لم يكن من الممكن حصولها فيما سبق، قبل أشهر مضت، يتساءل الشارع العربي كيف يمكن لهذه الانفتاحات أن تكون أكثر ديناميكية في إعادة وصل ما انقطع، ليس بين السعودية وتركيا، أو بين تركيا والأمارات العربية، بل كذلك (وهذا مايتوقعه المراقبون) في إعادة العلاقة بين تركيا ومصر، إلى سابق عهدها، بغض النظر عن وجود الرئيس عبد الفتاح السيسي أو سواه، فموقع مصر في الإقليم العربي والمنطقة مهم بكل تأكيد، ولايمكن الحديث عن تغيرات ما في المنطقة دون الدور المصري، الذي لابد أن يكون فاعلًا، بغض النظر عن ماهية النظام المصري، وهو لم يعد نظام عبد الناصر، ولا موقعه ولا قوته، لكن الأفضل لشعوب المنطقة وللدول خاصة أن تكون العلاقات السياسية والاقتصادية بين كل هذه الدول ذات الأهمية، فاعلة وناجزة وأكثر قدرة على مواجهة الصعاب المحتملة والواقعة.
يتابع السوريون بقضهم وقضيضهم هذه التغيرات الإقليمية في العلاقات، وكلهم أمل في أن تترك هذه التحركات الأثر الإيجابي على مسارات الحل السياسي في سورية، الذي مازال يراوح بالمكان، وقد تتحمل بعضًا من مسؤولية هذه المراوحة تلك الخلافات الكبرى بن الدول الصديقة لقضية الشعب السوري، ومنها بالتأكيد السعودية ومصر وتركيا. هذا التشوف الشعبي السوري لمجمل هذه التحركات يُبنى على أساس أن القادم من الزمن لابد أن يكون ملتحمًا مع عذابات السوريين وهم يدخلون عيد الفطر الحادي عشر دون أية تغيرات حقيقية في الوصول إلى مبتغاهم في الحرية والكرامة وكنس الطغاة، وتتكشف للعالم يومًا إثر يوم طبيعة تكوين نظام القتل الأسدي الطغياني، حيث تعيد إلى الإعلام ماهيته بعد انكشاف مجازره القديمة /الجديدة ومنها بالتأكيد مجزرة حي التضامن، التي أظهرت للعالم أجمع، ولكل من لم يكن يراه على حقيقته حجم العنف والعسف والقهر الذي كان ومايزال يوقعه فوق رؤوس البلاد والعباد، أمام صمت العالم ( الحضاري) حيث بات يترتب على الدول الإقليمية العربية والإسلامية، وكذلك دول العالم التي مازالت تؤمن بشرعة حقوق الإنسان والديمقراطية، كي تكف عن صمتها، وتوقف مهازل إعادة تعويم الأسد بعد كل هذه المجازر، التي ترتقي إلى أن تكون جرائم حرب، لنظام عصابات استبدادي طاغوتي لم ولن يكون له أي مثيل في العالم حتى أنه تفوق على النازية والفاشيست.
العلاقات التركية السعودية الجديدة تعطينا الأمل كسوريين في أوضاع إقليمية وسورية أكثر فائدة لصالح شعوب المنطقة ومنها الشعب السوري المكلوم، وتعيد إلى السكة القطار الذي كان قد انطلق عربيًا وإسلاميًا وعالميًا، مع بدء ثورة السوريين أواسط آذار/ مارس 2011. فهل تسير الأمور على مثل ماتأمله الشعوب؟ سؤال يبقى ماثلًا في مخيال السوريين وكل شعوب ودول المنطقة.
أرى في هذا المقال نضوجاً سياسيًا ونظرة استراتيجية مستقبلية بل ومتفائلة ارجو ان تتحقق