لم يبلغ التوتر بين روسيا وتركيا ذروته بعد إغلاق أنقرة لمجالها الجوي أمام الطائرات الروسية التي تحمل جنوداً باتجاه موسكو، لكن الخطوة تفتح النقاش حول اتفاقات خفض التصعيد الهشّة، ومدى انعكاس ذلك ميدانياً على الشمال السوري.
وأعلن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو السبت، إن تركيا أغلقت مجالها الجوي بوجه الطائرات الروسية المدنية والعسكرية؛ التي تحمل جنوداً باتجاه سوريا بعد محادثات مع موسكو.
“وخزة للغرب”
وتعتبر الخطوة التركية هي الأكبر منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، بعد موقفها الذي وصفه بعض المحلّلين بالسلبي، تجاه ما يحدث في أوكرانيا، لكنه لا يعني ارتفاعاً بمستوى التوتر.
ورأى الأستاذ الجامعي يحيى العريضي أنه من المبكر الحديث عن توتر على مستوى العلاقات التي تجمع بين أنقرة وموسكو، واصفاً الخطوة بـ”الوخزة التركية لواشنطن والغرب”، بعد الموقف الحذر لها في الحرب الأوكرانية، ورفضها الانضمام للعقوبات الغربية التي فُرضت على موسكو.
وقال العريضي لـ”المدن” إن اتفاق خفض التصعيد الموقّع بين الجانبين “هو أساساً هشّ، وتنتهكه موسكو باستمرار وبشكل شبه يوميّ”، موضحاً أن “لا مصلحة روسية بانهيار الاتفاق نهائياً بسبب حربها ضد أوكرانيا”.
ولا يستبعد العريضي أن تشهد مناطق خفض التصعيد تصعيداً روسياً خلال الفترة القادمة يتمثل بغارات جوية تحمل بين طياتها رسائل سياسية، من دون محاولة تغيير واقع السيطرة على الأرض الذي من شأنه أن يقود إلى انهيار كلّي للاتفاقية.
مؤشرات التدهور
وجاء القرار التركي بعد تصعيد روسي على مناطق خفض التصعيد في الشمال السوري، تمثل بشنّ الطائرات الحربية غارات جوية بصواريخ جو-جو على الحدود بين ريفي حلب وإدلب وتركيا.
واعتبر الباحث السياسي محمد السكري أن لا مؤشرات كافية توحي بقرب انهيار الاتفاقيات الثنائية والملاحق البروتوكولية بين البلدين على ضوء التصعيد الأخير. وقال السكري لـ”المدن” إنه “ليس من مصلحتهما في هذا التوقيت الصدام المباشر، ولاسيما موسكو التي تعوّل بشكل كبير على أنقرة في ما يخصّ الملف الأوكراني، على الصعيد الدبلوماسي وفضلاً عن العسكري والاقتصادي”.
ورأى السكري أن التصعيد “له أسباب مختلفة وفي مقدمها الانتخابات التركية وملف اللاجئين”، لافتاً إلى أن موسكو تنظر إلى هذه الملفات على أنها “فرصة لتحجيم الدور التركي في سوريا من خلال دفع الأخيرة لفتح قنوات تواصل النظام”.
ويأتي التصعيد الروسي على منطقة خفض التصعيد، وفق السكري، على خلفية انزعاج موسكو من التقارب التركي – الأميركي بشأن ملف الإدارة الذاتية، مشيراً الى أنه بمثابة رسالة بضرورة عدم الابتعاد عن الملفات المشتركة.
ولفت إلى أن الرسالة التركية تعتبر تحذيراً بضرورة عدم المساس بالمنطقة الآمنة، معتبراً أن موقفها بات اليوم أكثر قوة بعد الحرب الأوكرانية، ومشدداً على أن مصلحة الطرفين تكمن في الحفاظ على خريطة طريق اتفاق سوتشي.
ليس موقفاً عدائياً
ولا يرى المحلل العسكري والسياسي العميد أحمد رحال في الخطوة، موقفاً عدائياً من تركيا باتجاه موسكو، مشيراً إلى أن روسيا اليوم “تنقل جنوداً من سوريا إلى أوكرانيا وليس العكس”، مضيفاً أن القرار التركي جاء بالتنسيق مع موسكو.
وقال رحال لـ”المدن” إن التقارب الغربي -الأميركي-التركي الأخير، تشوبه دائماً حالة من قلة الثقة، لافتاً إن الغرب لم يقدم لتركيا سابقاً سوى الخذلان بداية بإسقاط الطائرة الروسية وتركها وحيدة في مواجهة موسكو.
وأضاف أن الأخبار الأخيرة التي تفيد عن نيّة موسكو دفع النظام للتخلي عن بعض المناطق لصالح تركيا في الشمال؛ توحي بمدى حرص موسكو للحفاظ على العلاقة الودية التي تجمعها مع أنقرة، موضحاً أن الغارات الأخيرة على الحدود السورية معها لا تتعدى كونها تدريبية أو لتجريب نوع معين من الأسلحة، لأنها تمت بصواريخ جو-جو.
المصدر: المدن