حبق أسود، رواية عتاب شديد، تعتمد أسلوب التورية عند الخوض في موضوعها؛ وهو سورية وثورتها وتبعات ذلك في مدن وأماكن مختلفة، ذلك عبر سنوات من الحدث السوري الذي أخذ حضورا متنوعا، بدء من حراك الشعب السوري السلمي مطالبا بإسقاط النظام الاستبدادي، وتحقيق الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية والديمقراطية والحياة الأفضل، وعدم استجابة النظام للمطالب الشعبية واعتماده العنف المسلح ضد الشعب واستدعائه لروسيا وإيران و المرتزقة الطائفيين لحمايته، ولجوء بعض الشباب الثوري للعمل المسلح وتشكيل الجيش الحر بإمكانياته المتواضعة دفاعا عن الشعب وثورته، وكيف استثمرت كل القوى الدولية والإقليمية ما يحصل فيها لتزرع عملاءها ومصالحها في الأرض السورية، كما أصبحت سورية بلدا جاذبا لكل متطرفي الدنيا من بقايا القاعدة وخريجي سجون النظام وعملائه، وتشكيل الدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش)، وجبهة النصرة، اللتين سيطرتا على اغلب سوريا في زمن الرواية الذي امتد لسنين، وتم تحويل الصراع مع النظام على الحقوق المشروعة للشعب السوري، إلى حرب اهلية بتوصيف الغرب المتنصل مما يحصل في سورية، وأصبحت سورية مقتلة عبثية مجانية للشعب السوري، سمح للنظام بقتل مئات الآلاف واعاقة واصابة مثلهم، وهروب الملايين من سورية ودمرت مدن وأحياء فوق رؤوس الشعب الذي اريد ان يتحول لنموذج رادع لكل شعب خرج يطالب بحقوقه الإنسانية البسيطة. كل ذلك يعتبر خلفية تفهم من مسار الرواية المعتمدة التحدث عن بلد لا تذكره بالاسم، وعن سلطان وحاشيته يهيمن على البلاد والعباد، في هذا البلد يوجد مدينة يعيش فيها الأخوين التوأمين نوار ويامن، أحدهما يحلم أن يصبح صحفيا، يحلم دوما بالسلطان معلقا على مشنقة، يخفي حلمه عن كل من حوله، لأنه يعلم ثمن الاحلام من الاعتقال والسجن والتعذيب والقتل. أما الآخر فقد قرر أن يدخل في سلك الشرطة ويؤمّن له ولأهله ولأخيه دخلا يجعلهم يعيشون بكرامتهم، حيث الفقر يهيمن على اغلب الشعب، التحق الاخ الاخر في الخدمة الالزامية الجيش، في هذه البلاد كل الشباب يصرف سنتان من عمره في جيش النظام. وكانت خدمته العسكرية في مدينة نائية على حدود دولة أخرى (الرقة جوار تركيا). فشل الأخ الضابط في الشرطة بالقبض على بائع متجول يغيظ الوالي في المدينة، يعاقبه الوالي عبر نفيه إلى الرقة. يلتم شمل الأخوين مجددا. يتعرف يامن على “سيرين” تعمل في الإرشاد السياحي ويحبها وتحبه ويتزوجا، اما نوار فقد أحب فتاة ولم يتمكن من الزواج منها بعد.
حصل حراك الشعب ضد السلطان الظالم الذي بدأ سلميا ومن ثم تحول للعمل المسلح، وكانت نتيجة ذلك صراع على أغلب أرض الدولة، سرعان ما سيطر المتطرفين (داعش)على العمل المسلح وأخذوا المناطق المحررة من النظام، من ايدي الجيش الحر، وسيطروا على المدينة النائية (الرقة) حيث يعيش نوار ويامن بجوارها في معسكر تابع للسلطان. أعلن هؤلاء دولتهم وأعلنوا أحدهم خليفة، وحصل حصار للمعسكر التابع للسلطان من المتطرفين. الرواية تغوص عميقا بحياة من حوصر بالمعسكر عبر متابعة حياة نوار ويامن، كما ترصد حياة أهل مدينة الخلافة عبر زوجة يامن نسرين ومن حولها. عاش الأخوان يامن ونوار حياة اقرب للجحيم في معسكر محاصر من المتطرفين واستمر لسنوات، عاشوا الموت اليومي المجاني سواء عبر القصف عليهم او من خلال المواجهات بينهم وبين المتطرفين على تخوم المعسكر، وكانت قائمة الموتى تزيد ولا يعلم أحدهم على من سيكون دور الموت القادم. السلطان لم يستطع أن يقدم لهم أي دعم، فقط الأوامر بالصمود، وطائرات مروحية تحلق عاليا ترمي عليهم الخبز وبعض المعلبات، عاشوا رعب الموت والجوع وفقدان الأمل، استمر ذلك لسنين، وعندما يئسوا من أي مخرج لما هم فيه فكر البعض بالمغامرة و الهروب من المعسكر ومواجهة قدرهم بدل انتظار الموت حيث هم. قرر يامن أن يهرب مع الهاربين، رفض نوار ذلك. هربوا، واجههم كمين أصابهم كلهم، الأغلب مات واستطاع نوار إسعاف أخيه يامن واعادته للمعسكر وعلاجه ونجاته من الموت. استمر الحصار والموت اليومي حتى وصل كل من في المعسكر وقائده الضابط الكبير أن عليهم أن يهربوا من المعسكر على شكل مجموعات، وكل مسؤول عن نفسه. خرج نوار ويامن ومعهم مجموعة من العساكر والضباط في الليل، واجهتهم كمائن المتطرفين ودورياتها، بعثرتهم الملاحقة ضاع نوار عن يامن ولم نعرف ماذا كان مصير نوار، استمر يامن مع البعض بالتخفي والهروب، التحرك ليلا في الادغال والحقول، والتخفي نهارا، من قرية الى اخرى، يجدون من يساعدهم من الأهالي، ينظرون اليهم هم مظلومين دون أن يكونوا مع السلطان او أعوان المتطرفين، كانوا ضد الحرب التي حولت حياتهم لجحيم. استطاع يامن الوصول الى منطقة ليست تحت سيطرة السلطان أو المتطرفين، قرر أن يمسح ذاكرته ويصمت عن ماضيه، وأن يبدأ حياة جديدة، تزوج حيث وصل واعتبر نفسه خلق من جديد. كان يعلم عبر رسائل على الجوال سابقا ان زوجته حامل وان القرية التي عاشت بها تحت سيطرة المتطرفين، لا يعلم ما مصيرهم.
في مسار آخر تابعناه في الرواية على شكل فصل عن حياة سيرين زوجة يامن يتبعه فصل عن المعسكر ويامن ونوار. سيرين ستفتقد زوجها يامن تعيش في القرية حيث سيطر المتطرفين، التحق أخويها بهم ، الأكبر أصبح قياديا بينهم، هي احست بحملها تعلم ان يامن ونوار محاصرين بالمعسكر، وان اخوتها يقاتلون زوجها واخوه، تنتظر دون امل، انجبت طفلة اسمتها حلم، كانت جوارها امرأة “سميحة” وأسرتها، كانوا لها ولابنتها عونا دائما، يعود اخوتها لزيارتها كثيرا، يقدمون لها المال والغذاء، علمت أن زوجها وأخوه قتلا في صراع مع المتمردين، قطعت املها بزوجها وعودته اليها. وفي احدى المرات تم قصفهم بوجود اخوتها، مات اخوها الاصغر، وقتلت سميحة واسرتها كاملة، أُنقذت هي وابنتها واصغر طفل عند صديقتها سميحة. علمت بعد حين أن أخاها هو من قتل سميحة وعائلتها لانهم من طائفة اخرى، حزنت كثيرا، وقررت الطلب من اخيها ان يخرجها من البلدة إلى أي مكان آمن خارج هذا الجحيم الذي تعيشه يوميا، بجوار اخ أصبح بنظرها قاتل عشوائي ومجرم. ساعدها اخوها باللجوء إلى دولة مجاورة مع مال وجوازات سفر وهوية جديدة وتذاكر الى دولة اوروبية ورصيد بنكي. اخرجها اخوها الى تلك البلدة ذهبت مع طفلتها والطفل ابن جارتها، وسافرت الى اوربا بهوية جديدة، صمتت عن ماضيها وبدأت حياة جديدة.
هنا تنتهي الرواية، وفي تحليلها نقول:
.الرواية مهمة من حيث أنها توثق لما عاشه الناس في مدينة الرقة وجوارها تحت حكم داعش، كما معاناة العساكر المحاصرين من داعش وفضح النظام الذي تركهم لقدرهم و للاستثمار الإعلامي لموتهم قتلا وجوعا.
. فشلت الرواية فنيا بالربط بين صناعة حدث روائي عام وواقع معاش، السلطان كرمز النظام، والمتمردين عن الثوار، والمتطرفين عن داعش، مدينة الرقة دون ذكرها بالاسم، أحداث حقيقية مغطاة بتورية لا معنى لها.
.الرواية لم تقدم حقيقة موقف الكاتبة هل هي مع السلطان (السلطة المستبدة) ؟. ام مع المتمردين (الثوار) ؟. ام مع المتطرفين (داعش) ؟. وليس المهم موقفها بحد ذاته فهذا حقها كصاحبة للنص، لكن القارئ ينتظر موقفا يبرره الكاتب من وجهة نظره للحدث الروائي والمجتمعي.
.اوضحت الرواية ان الواقع السوري الحالي قد اصبح ملوثا بالطائفية وغيبت اللحمة الوطنية أهل البلد يقتلون بعضهم.
.ظهرت في الرواية نزعة نسوية، انتصار للمرأة وأنها ضحية الحرب المجنونة للذكور، رغم ان الحالة أكثر تعقيدا من ذلك. هي ثورة الحرية والحقوق لكل الشعب المظلوم بذكوره واناثه، كما هو ضحية النظام القمعي المجرم بكل المستفيدين من مكتسباته ومغانمه بذكوره واناثه. وما داعش بجبروتها يوم كانت تحتل أغلب سورية وما انحسارها الان الا تفصيل صغير في معركة الشعب السوري من أجل الحرية وتبعاتها، بمواجهة عالم ظالم و متعامي عن مأساة سورية وشعبها.
.بكل الأحوال نحن أمام عمل روائي، يتكامل مع غيره من الأعمال الادبية والتوثيقية التي تعاين واقع الثورة السورية من جوانبها المتعددة والمتنوعة. وبهذا المعنى تصبح الرواية مهمة في تأريخ الحدث السوري في سنواته الاخيرة.