أثار رجل الدين السوري المعارض، أسامة الرفاعي، جدلا واسعا في الأيام الماضية، بعد خطبة ألقاها في أحد مساجد مدينة اعزاز بريف مدينة حلب، وفيها هاجم منظمات المجتمع المدني ووصف نساء يعملن فيها بأنهن “مجندات من الأمم المتحدة والغرب”.
الخطبة هي الأولى للرفاعي في مناطق الشمال السوري، وتركز حديثه فيها على النساء العاملات في المنظمات التي تدعمها جهات غربية، سواء الإنسانية أم تلك المختصة بحقوق المرأة ومناهضة العنف ضد النساء.
وقال بحسب تسجيل مصور نشره “المجلس الإسلامي السوري” الذي يرأسه: “هناك نساء من أبناء جلدتنا ويتكلمون بلغتنا، بل هم من أبناء بلدنا ومدننا. يأتون مجندات من قبل الأمم المتحدة وغيرها”.
وأضاف الرفاعي، الذي يقيم في مدينة إسطنبول التركية بعد خروجه من العاصمة دمشق في بدايات الأزمة السورية، “يأتون من مراكز التضليل والتفكير. يأتون لينشروا بين فتياتنا خاصة بما يسمونه تحرير المرأة والجندر”.
وتابع: “يقولون لنسائنا أنكن مستعبدات لهذا الزوج أو الأب أو الأخ الكبير. إياك أن تسمعي الكلام وتطيعي أمره. خدي حريتك كاملة. وبعد ذلك يسربون لهم الأخلاق الضالة المضلة ويسربون لهم العري والتعري وكل ما يخرج عن دائرة الإسلام. هؤلاء مجندات من الدوائر الكبرى في الغرب لإفساد نسائنا”.
وتنشط في الشمال السوري بشقيه ريف حلب الشمالي ومحافظة إدلب منظمات تعنى بحقوق المرأة، لكن بشكل غير معلن وخوفا من أي مضايقات أمنية أو اجتماعية، بحسب ما قالت ناشطات سوريات تحدثن لموقع “الحرة”.
وهناك منظمات إنسانية وطبية وحقوقية، وتلعب فيها المرأة السورية دورا بارزا، وهو الأمر الذي تؤكده التجارب التي تم التسليط عليها، في السنوات العشر الماضية، سواء من قبل وسائل إعلام سورية محلية أو وسائل دولية كبرى.
لماذا الجدل؟
رغم أن الجدل الدائر على “خطبة الرفاعي” خرج من قبل المجتمع الأنثوي في سوريا، فإنه انسحب أيضا لفئات أخرى من المعارضين السوريين.
وانتقد هؤلاء الموضوع الذي ركزت عليه الخطبة (النساء العاملات في المنظمات)، بعيدا عن الصعوبات والعقبات والمآسي التي يعيشها ملايين السوريين في الشمال السوري الخارج عن سيطرة النظام السوري.
في المقابل، كان هناك مواقف أخرى داعمة للشيخ الرفاعي الذي عرف بمواقفه المناهضة لنظام الأسد في مطلع عام 2011، حين كان في العاصمة دمشق خطيبا لواحد من أهم مساجدها “جامع الرفاعي” في حي كفرسوسة.
وفي هذا السياق، قال مغرد، يدعى أحمد مصطفى العلوان، على تويتر “أما الشيخ أسامة الرفاعي فنعرفه ونعرف مواقفه ومكانته في أهل الشام. وأما الاختراقات الأمنية والأخلاقية لدى الكثير من المنظمات النسوية، فلا يخفى على أحد . وأما تطاول المغمورين المأجورين فنتيجة طبيعية لحجم الألم الذي وقع عليهم من حجم الحفاوة التي تلقاها الشيخ وإخوانه..”.
وكتب مغرد آخر قائلا إن الشيخ عالم مناصر للحق “ومن أوائل علماء الشام تأييداً للثورة السورية ومنبره في جامع الرفاعي بكفرسوسة في دمشق يشهد. الشيخ بشر يخطأ و يصيب وهو ليس على إطلاع في مواقع التواصل بل يسمع من البيئة المحيطة به، النقد حق لكل شخص بعيداً عن التطاول..”.
وتواصل موقع “الحرة” مع ثلاث ناشطات سوريات فاعلات في مجال الدفاع عن حقوق المرأة، وعبرن عن تخوفهن على النساء في الداخل السوري، بعد الخطبة الجدلية، الأمر الذي يحول إلى عدم تقديم أي تصريحات، بحسب تعبيرهن.
وفضلت ناشطتان عدم الكشف عن هوايتهن خوفا على زميلاتهن اللواتي يعملن في الداخل السوري.
وتقول إحدى الناشطات، مفضلة عدم ذكر اسمها: “الموضوع حساس جدا، بسبب الهجمة التي بدأت على الناشطات السوريات في الداخل السوري”.
وتضيف: “نحن حذرات في الوقت الحالي بشأن تلك القضية وتبعاتها”.
من جانبها، قالت ناشطة نسوية تهتم بمجال الدفاع عن المرأة في سوريا: “هناك ضغوط وتجاوزات بحق المجتمع المدني والناشطات السوريات في الداخل. لذلك لا يمكننا التصريح خوفا على سلامتهن. نحن في الخارج في مأمن وتطالنا الشتائم فقط”.
ولم يصدر أي تعليق أو توضيح من جانب الشيخ الرفاعي حتى اللحظة، كما لم يتسن لموقع “الحرة” الحصول على رد بشأن الجدل الدائر حول الخطبة التي ألقاها في مدينة أعزاز السورية.
“ضحايا انتهاكات متنوعة”
في تقرير لها في مارس العام الحالي، قالت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” إن نحو تسعة آلاف و264 امرأة لا تزلن قيد الاعتقال والاختفاء القسري.
وذكرت الشبكة أن هناك استهدافا للنساء على خلفية عملهن، وأن ما لا يقل عن 67 امرأة استُهدفهن في الشمال الغربي، والشمال الشرقي من سوريا، في الفترة الممتدة بين مارس 2020، ومارس 2021، وذلك على خلفية عملهن.
ولفت التقرير إلى استمرار الانتهاكات “الفظيعة” بحق المرأة السورية، بالإضافة إلى انتهاك حقها في العمل، والتمييز على أساس الجنس.
ولم تحظ الانتهاكات التي تتعرض لها المرأة السورية منذ مطلع الثورة السورية في مارس 2011، بالقدر الكافي من الاهتمام الدولي والأممي، مقارنة بما وصفته الشبكة الحقوقية بـ”كثافة وتنوع أنماط تلك الانتهاكات”، بما فيها الانتهاكات الجسيمة والتي بلغ بعضها مستوى الجرائم ضد الإنسانية.
رهف الدغلي دكتورة في العلوم السياسية في جامعة لانكستر ببريطانيا، ترى أنه “من المهم وضع خطبة الرفاعي ضمن المشهد السوري العام، بما فيه خطاب النظام السوري وخطاب المشيخة السنية المعارضة”.
وتقول الدغلي في تصريحات لموقع “الحرة”: “من خلال بحثين أكاديميين نشرتهما عن خطاب النظام يتجه الأسد أيضا الى اختزال مفهوم الحرب والأزمة السياسية في سوريا إلى طرحها على أنها أزمة أخلاقية قد أصابت المجتمع السوري”.
وبصورة أوضح وعلى عكس ما يتم تداوله على أن الصراع في سوريا، في ما يخص الهوية، صراع علوي/سني، تشير المتحدثة إلى أن “النظام يتجه إلى الاستقواء بالهوية السنية وادعاء تمثيلها. الصراع اليوم هو على الهوية السنية ومن يحق له تمثيلها، ولذلك النظام يدعي فكرة تصويب الدين وتوجيه الخطاب الديني على أنه قد أخطأ في الماضي، وأن من واجبه تقويم الأخلاق”.
أما بالنسبة للرفاعي فاعتبرت الدغلي أنه “يعود إلى الفكرة ذاتها بأن الحرب الأمثل هي حرب لنشر الفضيلة وترسيخ الأخلاق ضمن المفهوم التقليدي والأبوي (الباترياركي)”.
ووصفت ذلك بأنه “ما يمكن تسميته بتزاوج السلطة السياسية بالأبوية وتشابكهما بغرض بسط السلطة والشرعية. هذا الخطاب يقوم على شيطنة الآخر تحت مسميات كثيرة منها الانفلات الأخلاقي”.
“صدمة وتحريض”
خلال حديثهن لموقع “الحرة” اتفقت الناشطات السوريات على أن “الخطبة الجدلية” للشيخ الرفاعي تدفع إلى التحريض ضد الناشطات في الداخل السوري، الأمر الذي يشكل خطرا على حياتهن.
الناشطة السورية، بيان ريحان، كانت إحدى طالبات الشيخ الرفاعي في مسجد “زيد بن ثابت” في العاصمة دمشق سابقا، تقول لموقع “الحرة”: “صُدمت بحديث الشيخ الرفاعي، وتوقعت أن تكون الخطبة متناسبة مع الواقع الحالي، وخاصة في الشمال السوري الذي يعيش ألف مشكلة”.
وتضيف ريحان، التي عملت في منظمات مجتمع مدني خلال فترة تواجدها في مدينة دوما بالغوطة الشرقية سابقا، أن “حديث الشيخ الرفاعي كان بعيدا عن الواقع السيء بالأساس. هناك عنف كبير ضد النساء وهناك جرائم قتل بحقهن، مع انتشار السلاح”.
وترى الناشطة السورية أن الخطبة كان الأجدر أن تتطرق إلى وضع العنف ضد النساء وجرائم القتل ضدهن التي تحصل بشكل متواتر.
وتتابع: “إذا كان الشيخ الرفاعي سيتحدث عن وضع النساء فيجب التركيز على هذه النقاط كما قال النبي محمد صلي الله عليه وسلم استوصوا بالنساء خيرا”.
من جانبها اعتبرت الدكتورة في العلوم السياسية رهف الدغلي أن “خطاب الرفاعي يشرعن العنف ضد المرأة ويضعها في سياق الآخر، والذي يتم شيطنته لمجرد خروجه عما هو متعارف عليه عرفيا واجتماعيا”.
“حملات تشويه وملاحقة”
في غضون ذلك، نشرت منظمة “اللوبي النسوي السوري” بيانا، الجمعة، قالت فيه إن “الخطابات التحريضية المرتبطة بأي إيديولوجيا والّتي تحرّض شريحة من هذا الشّعب على أيّ مكوّن أو فرد أو مجموعة بسبب الاختلاف الديني، أو الفكري عموما أو بسبب توجّهاتهم أو نشاطاتهم الحقوقية هي أمر مدان وغير مقبول”.
وجاء في البيان الذي حصل موقع “الحرة” على نسخة منه: “لم تكن يوما الحركة النسوية ولا النشطاء والناشطات الحقوقيّون والحقوقيّات والساعون والساعيات لتمكين النساء وتحصيل حقوقهن بالمساواة ولا مناهضة العنف القائم على النّوع الاجتماعي تابعة أو مجندة، بل كانت دوماً منبثقة من عذابات النساء ومعاناتهنّ التاريخية من الظلم الاجتماعي والقانوني والسياسي”.
بدورها، أدانت منظمة “مساواة” التي تنشط بمجال الدفاع عن حقوق المرأة السورية الهجمات التي تتعرض لها الناشطات في الشمال الغربي من سوريا، والتي تجلت بمنع بعض نشاطاتهن.
ومن بين النشاطات “إغلاق بعض مكاتب المنظمات، أو الهجوم الشخصي على بعضهن، والذي وصل إلى حد تحريض رموز السلطات الدينية بمهاجمتهن من على منابر الجوامع، لإضفاء شرعية مقدسة على منعهن من ممارسة نشاطهن، وشرعنة إيذائهن”.
واعتبرت الناشطة السورية بيان ريحان أن حديث الشيخ الرفاعي “تحريضي ضد النساء العاملات. أي شخص جاهل سيبرر أي تصرف يقدم عليه ضدهن”.
وتقول الناشطة إن النساء يتعرضن لحملات “تشويه وملاحقة”، مشيرة: “لدينا الكثير من الانتقادات لعمل المنظمات النسائية، لكن الانتقاد يكون بغرض التوجيه والتصحيح وليس القضاء عليها بشكل كامل”.
وتحدثت ريحان عن الدور الكبير الذي لعبته الناشطات السوريات خلال سنوات الحرب الماضية، أولا من خلال تأمين فرص العمل، حيث أصبحت المرأة السورية في الشمال السوري المعيل لمئات العائلات التي تصمد في وجه الحرب.
وعلى الناحية الفكرية كان للناشطات “دور في التوعية ورفع الوعي اتجاه الظلم الذي تتعرض له النساء، المكرس بالنظام الاستبدادي القائم على الاستغلال الاجتماعي والفساد السياسي”، بحسب ذات المتحدثة.
“خطاب متخوف”
ويتكون “المجلس الإسلامي السوري” الذي يرأسه الرفاعي من 128 عالم دين وداعية إسلاميا.
وفي التعريف المتاح عبر حساباته الرسمية فإن أولئك الدعاة يدعمون “الثورة ويسعون لتوحيد الموقف الصادر عن العلماء في الفتاوى والقضايا ذات الشأن السوري العام وأمام الدول والمنظمات والهيئات الإقليمية والدولية”.
وسبق وأن أثار المجلس المذكور جدلا في أكتوبر عام 2018، حين أصدر فتوى بمنع زواج الشخص المسلم من النساء الأجنبيات في دول اللجوء، مبررا تلك الخطوة بأنها “تؤدي لفقدان الولاية على الزوجة، والخشية على ذرية المسلم، والعزوف عن الزواج من المسلمات”.
وفي تعليقه على “الخطبة الجدلية” اعتبر الطبيب السوري، محمد كتوب، الذي عمل سابقا في مناطق الغوطة الشرقية، أن “ما قاله الرفاعي في أول خطبة له في سوريا بعد غياب سنوات تنم عن فكر عدائي متخوف من الآخر؛ من الإنترنت، من الأمم المتحدة، من المجتمع المدني، من النضال النسوي”.
وتابع عبر “فيسبوك”: “فكر يخلق للمجتمع المنهك في الشمال السوري أعداء من أمامه ومن خلفه ومن بين أيديه دون أن يدري”.
من جانبه، قال الباحث السوري، سقراط العلو: “أنا لست مع نقد كلامه لأنه لم يأت بجديد، وإنما مع نقد تناول شيخ تقليدي لظواهر اجتماعية وفلسفية، وعلى منبر مسجد”.
وأضاف العلو في منشور له عبر “فيسبوك”: “لابد أن يبقى المشايخ التقليديون ضمن نطاق موضوعاتهم المتعلقة بالتعليم الابتدائي لأصول الدين، أما القضايا الفلسفية والظواهر الاجتماعية فليتركوها لأهلها من المفكرين ذوي المرجعية الإسلامية ممن يستطيعون إعطاء تلك القضايا بعدا معرفيا، ويقاربوها بلغة العلوم الإنسانية”.
وتابع الباحث السوري في تعليقه على القضية الجدلية: “لدينا من المفكرين ذوي المرجعية الدينية الكثير، من أمثال عبد الوهاب المسيري، فضل عبد الرحمن، عبد الرحمن بدوي، حسن حنفي، محمد شحرور، هبة رؤوف عزت وغيرهم. نحتاج لتغيير الخطاب والخطيب”.
المصدر: الحرة. نت