عن المنظمات والتمويل والدور المنوط

أحمد مظهر سعدو

تتعدد وتزداد اضطرادًا أدوار المنظمات المدعومة دوليًا، وتنبيء تحركاتها، أو الكثير منها، عن أدوار كثيرة باتت في بعض منها مشبوهة، حيث تقوم بممارسات لايبدو أنها تخدم السوريين وثورة السوريين / ثورة الحرية والكرامة، بل تخدم كما يتمظهر على السطح جهات خارجية لا علاقة لها بنصر الثورة السورية على الإطلاق.

ضمن هذه الأجواء، وفي هذه السياقات الملفته والمقلقة لكل السوريين كان لابد لإشراق من طرح السؤال التالي على بعض المختصين والمهتمين حيث قلنا: بنظركم هل بات دور هذه المنظمات أو في معظمها مشبوهًا؟ وهل لها الدور الأساس فيما آلت إليه أحوال ثورة الحرية والكرامة؟ وكيف ترى هذا الدور الذي قد لا يتوافق مطلقًا مع مسارات وآمال وأحلام السوريين وطموحاتهم وقيمهم أيضًا، كما جرى مؤخرًا عندما اشتغلت على ذلك (روزنا) بما يخص (المثليين) وما شابه، وهو غيض من فيض من أدوار كبيرة للكثير من المنظمات المدعومة دوليًا؟

الباحث والأكاديمي السوري د- محمد مروان الخطيب قال لاشراق:” نشأت منظمات المجتمع المدني غير الربحية بطلب من المنظمات الدولية وعلى رأسها الـــOCHA لتكون الجهة التنفيذية لبعض المشاريع الخدمية في الداخل، إضافة لتقديم الدراسات البحثية، ثم تطورت في عملها ونمت كالفطر في المناطق الحدودية لسورية ووصلت المنظمات المصرح بها في عنتاب إلى 280 منظمة، لا يمكننا حالياً الجزم بأن هذه المنظمات تقوم بدور مشبوه، إذ أن العديد منها يقوم بمشاريع خدمية وإغاثية للمناطق المحررة، ولكن بعضها وبطلب من الجهات الداعمة تنفذ مشاريع تحت شعارات الحوكمة والتوعية المجتمعية تدخل ضمن خطط الجهات الداعمة في تنمية المجتمعات المتخلفة والتي تقع سورية ضمنها، وإمعاناً في إنسجام هذه المنظمات مع الدور المطلوب من قبل الجهات الداعمة تصبح متطرفة في نقل الرسائل التي تطلبها الجهات الداعمة.”. وعن الدور الأساس لها فيما آلت إليه أحوال ثورة الحرية والكرامة، قال :”  إن تكاثر المنظمات التي هي بالأساس هيئات مجتمعية غير ربحية، وتحولها إلى باب إرتزاق للعديد من أصحاب المشاريع والمنافع، إنما جاء بعد التراجع الكبير في مؤسسات الثورة، وعدم إستطاعتها إكتساب الدور الشرعي لتكون الجهة الرسمية التي تدير الخدمات والتعليم والإغاثة في الداخل السوري، لتتحول هذه المنظمات بكوادرها وإمكانياتها وإنتشارها إلى تجاوز طاقة وإمكانيات مؤسسات الثورة، وتفرض إيقاع وطبيعة العمل المجتمعي في المناطق التي هي خارج سيطرة عصابات الأسد. ويمكننا التأكيد بأن الحاكم في بداية هذه العلاقة غير الصحية، كان تراجع دور مؤسسات الثورة وعدم إستطاعتها كسب مشروعية تمثيل الحاضنة الشعبية الثورية إضافة لإكتساب ثقة المجتمع الدولي والجهات الداعمة.”. أما كيف يرى هذا الدور الذي قد لا يتوافق مطلقاً مع مسارات السوريين وطموحاتهم وقيمهم أيضاً كما جرى مؤخرًا مع  (روزنا) حول المثليين وما شابه، وهو غيض من فيض من أدوار كبيرة للكثير من المنظمات المدعومة دولياً؟: فقد اكد:”  أن دور هذه المنظمات وطبيعة عملها والمشاريع التي تنفذها يجب أن تستند إلى خطة عامة تقوم بإعدادها مؤسسات الثورة، وبغياب هذه المؤسسات، سيبقى هذا الدور أداة بيد الجهات الداعمة لنشر ماتراه مناسباً لثقافة المجتمعات التي تنتمي إليها ولطبيعة ماتراه من خطط وإتجاهات تتناسب مع طوحاتها لنشر قيمها في المجتمع السوري، ولن يكون لدينا أي دور سوى ما نأمل أن يتمتع به القائمين على هذه المنظمات من قيم ثورية أو على الأقل قيم مجتمعية وأخلاقية لاتتعارض مع قيم مجتمعنا السوري، والذي أثبتت التجارب أن المراهنة عليه تعتبر خاسرة للأسف.”

من جهته فقد قال محمد سبسبي  صحافي وناشط في العمل المدني:”  برأيي، هناك تضخيم لأثر المنظمات في الواقع السوري الحالي، ومعظم ما يشاع ناتج عن وهم المؤامرة على الشعب السوري، لا أنفي أن تقوم بضعة منظمات بأدوار “مشبوهة” بالنسبة للثورة.. لكن حتما لا أحملها مسؤولية ما آلت إليه أحوال الثورة. وباعتقادي فإن من يسعى إلى تحميل المنظمات مسؤولية الإخفاقات والخيبات التي نعيشها فهو يحرف الأنظار عن الأسباب الرئيسية، كالسياسيين والعسكر والظروف والمتغيرات الدولية وعبث الدول الاقليمية، وقبل كل ذلك بطبيعة الحال إجرام النظام . شاركت في تأسيس عدة منظمات وعملت معها عن قرب إلى جانب عملي الصحفي، وأعتقد أن نسبة المنظمات التي تعمل على تشويه قيم السوريين وحرفهم عن مبادئ ثورتهم ربما لا تتعدى أصابع اليد الواحدة، أما إن تحدثنا عن تنفيذ هذه المنظمات لأجندات الداعمين والمانحين، فحدث ولا حرج، ومتى كان المانح يقدم المال ويصرف نظره عن الأهداف والغايات أصلاً؟! المانح الأممي يهتم بالمساءلة والشفافية. والمانح الدولي يهتم بملفات قريبة من ذلك وربما يركز على دعم قطاعات على حساب أخرى. لكن الداعم الإقليمي، والعربي بشكل خاص، صاحب يفرض أجندات إما دينية أو غير ذلك بشكل فج “.

أما الفنان ورسام الكاريكتير السوري خالد قطاع فقال :” منذ بداية الثورة عمد النظام إلى حرف مسارها من خلال ضرب شباب الثورة ونشطائها بشتى الوسائل، منها التصفية والاعتقالات لكن العمل الأكثر تأثيراً فهو إشغال النشطاء عن تنظيم الحراك الثوري إلى العمل في الإغاثة والطبابة بسبب الضرب الوحشي للمناطق الثائرة والتي تستهدف المدنيين والذي سبب كارثة إنسانية كانت نتيجتها تحول الحركي الثوري إلى إغاثي أو مسعف، مما قلل بشكل كبير من كوادر العمل الثوري، من جهة أخرى دخلت المنظمات الإنسانية والإغاثية والإعلامية الدولية واستقطبت هؤلاء النشطاء ليكونوا ضمن كوادرها وقدموا لهم أجورًا مرتفعة لم يكونوا ليحلموا بها، من هؤلاء “النشطاء” من تعلم اللعبة باكراً واستطاع أن يستجر تمويل من جهات مانحة وهذه الجهات لديها توجهات بعيدة عن أهداف الثورة، بالتالي تحولت هذه المنظمات الناشئة إلى مؤسسات سورية تلبي توجهات هذه الجهات المانحة وغردت خارج سرب الثورة حفاظاً على الاستجرار المالي. وبهذه العملية تم تفريغ الثورة من نشطاء لم يستطع النظام أن يستهدفهم، بل خُلقت من خلالهم طبقة اجتماعية اقتصادية تتصف بالثراء مقارنة مع مجتمعهم وهي متمايزة عن مجتمعهم الذي يعيش في حالة فقر وعوز مدقع، وهذه الفئة مكونة من موظفي ومدراء المنظمات تمتاز بالدخل العالي أدى إلى تكوين ثروة حقيقية لدى بعض المدراء دون معرفة كيف تم ذلك .” وأضاف :” هذا الموضوع أثر على المجتمع السوري في الداخل المحرر وبلدان اللجوء، وأصبحت المنظمات مضرب مثل في الفساد المالي والإداري بل والتعامل الفوقي مع باقي أبناء مجتمعهم، لتزيد بذلك حالة الشرخ وعدم الثقة بين الجهات التي من المفترض ان تكون فاعلة في المجتمع، فلديهم حياة بذخ ورفاهية مترفة خاصة ربما شابها من الفساد الأخلاقي والجنسي بحكم تعاطيهم مع الجهات المانحة والتي تفرض عليهم تصورات لا تتوافق في كثير من الأحيان مع قيم وأعراف المجتمع السوري. إلى درجة أصبحت متبناة لتطرحها على العموم، مثل فكرة ” الشذوذ الجنسي” يتم طرحه للتقبل الاجتماعي تحت مسمى “المثلية” ، وما شهدناه مؤخراً من وسيلة إعلامية مثل ” راديو روزنا” من المفترض أنها ثورية وتهتم بقضايا المجتمع السوري الرئيسية ومستقبله نجد أنها تنشر مواضيع تدعو المجتمع العربي والحكومات العربية إلى إيجاد قوانين وتشريعات تحمي ” حقوق المثليين” على حد قولهم في ممارسة رغباتهم دون الشعور بالإدانة الذاتية وإدانة المجتمع لهم؟!!و الحقيقة فإن حالة التردي المذهل الذي وصلنا إليه ضمن هذه البيئة لم تكن وليدة الصدفة والعشوائية بل هي ممنهجة لتخريب ما تبقى من ثورة.  من المهم وعي وإدراك الواقع المؤلم بعمقه للعمل على تغييره تغييرًا حقيقياً دون يأس أو إحباط أو ركون للأمر”. وانتهى إلى القول :”  الواقع أن الثورة السورية ثورة إنسان من أجل تحقيق إنسانيته وحريته وكرامته، وليس من أجل الإنتقال من حالة عبودية إلى حالة عبودية أخرى ضمن مسميات دولية رنانة”.

المصدر” إشراق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى