تنتشر في الشمال السوري ظاهرة زواج النساء من مقاتلين أجانب، وتكمن مخاطر هذا الزواج بكثرة حالات الطلاق أو اختفاء الزوج نتيجة انتقاله إلى بلد آخر للقتال، أو عودته إلى بلاده، لتكون الزوجة الخاسر الأكبر مع أولادها الذين يجدون أنفسهم دون نسب أو حقوق.
في خيمة بالية تعيش أسماء الزيدان (30 عاماً) مع ابنتها البالغة من العمر ثلاث سنوات، وأكثر ما يؤلمها هو عدم قدرتها على إثبات نسب ابنتها بعد اختفاء زوجها منذ أكثر من عام ونصف، وعن معاناتها تقول لإشراق: “تزوجت من رجل مصري الجنسية يدعى ” أبو حذيفة المهاجر” وبعد ستة أشهر من زواجنا اختفى فجأة، دون أن أعلم شيئاً عن أخباره أو مصيره حتى الآن .”وتؤكد الزيدان أنها تزوجت بعقد خارج إطار المحاكم الشرعية، وبعد اختفاء زوجها حاولت تسجيل زواجها لتتمكن من تسجيل ابنتها، لكنها تفاجأت أن القاضي لم يعترف بعقد الزواج لأنه لا يحمل اسم زوجها الحقيقي، والمشكلة الأكبر كونها لا تعرف اسمه الحقيقي أو اسم عائلته، لتكون مع ابنتها ضحايا لهذا الزواج .
أسباب كثيرة تدفع النساء في إدلب للزواج من المقاتلين الغرباء منها الجهل والفقر وتوقف معظم الفتيات عن التعليم، فضلاً عن الخوف من العنوسة والطمع المادي. كريمة الحسون (29 عاماً) من مدينة إدلب، تزوجت من رجل باكستاني الجنسية بموجب عقد زواج نظمه أحد الشيوخ في المدينة خارج إطار المحكمة الشرعية، ولكنها ما لبثت أن عادت إلى أهلها بعد فترة وجيزة وعن ذلك تتحدث لإشراق بقولها: ” الفتاة التي تبلغ سن الخامسة والعشرين دون أن تتزوّج تُعدّ في نظر المجتمع عانساً وتصبح فرصتها في الزواج شبه مستحيلة، الأمر الذي دفعني للموافقة على الزواج، ولاسيما أن الخاطب يمتلك المال، ويستطيع أن يخلصني من حياة الفقر التي كنت أعيشها .”تتابع الحسون: “بعد ستة أشهر من زواجنا اختفى زوجي فجأة، ولم أستطع السؤال عنه لأنني لا أعرف اسمه الصريح، فقد كان يلقب نفسه ” أبو البراء” دون أن يخبرني أي تفاصيل أخرى عن حياته ونسبه.
كما يدفع النزوح الكثير من الآباء لتزويج بناتهم من مقاتلين أجانب بهدف التخلص من مسؤوليتهن، والرغبة بالستر عليهن في ظل حالة الفوضى والفلتان الأمني التي تسيطر على المنطقة.
عفراء الحايك (25 عاماً) من مدينة سراقب، تزوجت من رجل سعودي، يقاتل في صفوف إحدى الفصائل، وعن معاناتها تتحدث لإشراق بقولها: “كنت في العشرين من عمري حين أجبرني والدي على الزواج من مقاتل، باعتباره صاحب خلق ودين، وزميل لوالدي في الفصيل ذاته .”
تتابع الحايك: “بعد مضي ثلاث سنوات على زواجنا رزقنا خلالها بطفلين، قرر زوجي الذهاب للقتال في العراق، وانقطعت أخباره بعد ذلك، وانتشر خبر غير مؤكد عن وفاته في تلك المعارك.” وتبين الحايك أن هذا الزواج دمر حياتها، حيث لم يكتب له الاستمرار، لكن الهاجس الأكبر في حياتها هم أطفالها، باعتبارهم الضحية الأكبر لزواجها، حيث فقدوا والدهم منذ نعومة أظفارهم، وسيعيشون حياتهم دون سند أو معيل.
المرشدة الاجتماعية رانية التيزري (44 عاماً) من مدينة سرمدا، تتحدث عن مخاطر زواج القاصرات بقولها: “توافد مع بداية الحرب السورية المقاتلين الأجانب بأعداد كبيرة إلى سورية للمشاركة في القتال، وعند شعورهم أن بقاءهم في سورية سيمتد لسنوات طويلة، بدؤوا بالسعي وراء الحياة الاجتماعية والبحث عن الزواج، الأمر الذي أدى لانتشار ظاهرة زواج المقاتلين الأجانب من الفتيات السوريات .”
وتؤكد التيزري أن زواج السوريات من مقاتلين أجانب يؤدي إلى مشاكل عديدة تنعكس على الزوجة والطفل والمجتمع، نتيجة صعوبة التحقق من هوية المقاتل، على اعتبار أنه لا يفصح عن اسمه الحقيقي غالباً لأسباب أمنية، إلى جانب صعوبة تأقلم النساء مع أزواجهن الغرباء، فأغلب هؤلاء المقاتلين لا يتحدثون العربية، ما يجعل التواصل بين الزوجين شبه معدوم. وتضيف التيزري: “الخطر الأكبر من هذا الزواج يكون على الأطفال بسبب ضياع نسبهم، وعدم القدرة على معرفة هوية الأب الحقيقية، وهو ما يجردهم حكماً وقانوناً من حقوقهم بالتعليم والحماية والرعاية الصحية والهوية.”وتشدد على ضرورة عدم الزواج من المقاتلين الأجانب، وتوعية النساء بخطورة ما يترتّب على الأمر من عواقب سلبية ليس على مستقبلهن فحسب، وإنما على مستقبل أبنائهن أيضاً.
تجدر الإشارة أن حملة “مين زوجك” التي انطلقت عام 2018 في الشمال السوري، رصدت عدد السوريات المتزوجات من مقاتلين أجانب في محافظة إدلب، فسجّلت 1735 زيجة منذ عام 2013، منهنّ 1124 امرأة أنجبت أطفالًا، وصل عددهم إلى 1826 طفلاً .
المصدر: اشراق