يأتي ملفا الأمن والطاقة في أولويات الملفات التي خرجت بها قمة بغداد الثلاثية بين العراق ومصر والأردن التي عُقدت أول من أمس، واتفق قادة الدول الثلاث بحسب البيان الختامي للقمة على “التنسيق الأمني وضرورة تعزيز مشروع الربط وتبادل الطاقة الكهربائية بينها وربط شبكات نقل الغاز وإتاحة منفذ لتصدير النفط العراقي عبر الأردن ومصر من خلال المضي باستكمال خط الغاز العربي وإنشاء خط نقل النفط الخام (البصرة-العقبة)”، وأكدوا “ضرورة التعاون في مختلف مجالات مشاريع الطاقة الكهربائية والطاقة المتجددة والبتروكيماويات وبناء القدرات وتبادل الخبرات، والعمل على تهيئة مناخ الاستثمار لدعم شركات القطاع الخاص لتنفيذ المشاريع في الدول الثلاث”. ويُعدّ إنشاء أنبوب نفطي لنقله من العراق إلى ميناء العقبة ومن ثم إلى الأراضي المصرية من المواضيع الأساسية في الملف الاقتصادي للقمة كونه يمثل تعزيزاً للاقتصادين الأردني والمصري ويفتح منفذاً جديداً لتصدير النفط العراقي.
واتُّفق عام 2019 على مشروع إنشاء أنبوب للنفط، تبلغ الطاقة التصميمية له مليون برميل يومياً (منها 150 ألف برميل لتشغيل مصفاة الزرقاء في الأردن)، ومن ثم نقل النفط العراقي عبر أراضي المملكة إلى مرافئ التصدير على ساحل البحر الأحمر (العقبة)، ويتضمن المشروع أيضاً تنفيذ خط بطاقة تصميمية 358 مليون متر مكعب يومياً لنقل الغاز الطبيعي.
خطوات جادة
وأكد مستشار رئيس الوزراء والمدير التنفيذي لخطة الإصلاح الاقتصادي علاء عبد الحسين أن “القمة الثلاثية تُعدّ خطوة مهمة في مجال التكامل الاقتصادي بين الدول الثلاث”، لافتاً إلى أن هذا التعاون سيوفر فرص عمل وينقل التجارب الناجحة في ما بينها”.
وأضاف في تصريح لوكالة الأنباء العراقية الرسمية أن “التكامل الاقتصادي سيعود بالمنفعة على جميع الأطراف”، مشيراً إلى وجود تجارب ناجحة للأردن ومصر في بعض الملفات الاقتصادية. واعتبر أن عقد القمة في بغداد جاء للبدء بتنفيذ المشاريع بين الدول الثلاث.
ويمثل الملف الاقتصادي ملفاً رئيساً في مقررات قمة بغداد لما تتمتع به الدول الثلاث من ثقل سكاني كبير يصل إلى أكثر من 150 مليون نسمة، يشكّلون 41 في المئة من عدد سكان الوطن العربي، مما يجعل منها سوقاً واسعة وكبيرة فضلاً عن أن الناتج الإجمالي لهذه الدول مجتمعة يزيد على 550 مليار دولار، يمثل 20 في المئة من الناتج الإجمالي العربي.
تعاون اقتصادي متنوع
ويشير المتخصص في الشأن الاقتصادي صفوان قصي إلى إمكانية إحداث تعاون اقتصادي في عدد من المجالات، لافتاً إلى أن هذا التعاون سيعمل على أن يكون بوابة للسلع من القارة الآسيوية إلى الأفريقية عبر الأردن والعراق.
يضيف أن “العراق يتطلع أن تكون له نافذة على البحر الأحمر ومن ثم البحر الأبيض المتوسط لتصدير النفط ليكون قريباً من الأسواق الأوروبية، فضلاً عن إمكانية أن يكون هناك تعاون مع مصر في قطاع الإسكان لتخفيض كُلف الوحدات السكنية من خلال نقل الخبرات المصرية في التعامل مع العشوائيات وتطوير المدن وإنشاء مدن جديدة”. ويوضح أنه “من الممكن للقاهرة أن تلعب دوراً يتمثّل في تحوّلها إلى بوابة السلع من القارة الأفريقية إلى آسيا عبر منظومة الأردن والعراق، لا سيما أن طريق الحرير سيكون هو النافذة لربط آسيا بأوروبا بحكم الموقع الجغرافي الذي تلعبه كل من بغداد وعمان، مما سيؤدي إلى تحويل مسار التجارة العالمية باتجاه العراق من خلال بوابة الأردن”.
انضمام دول جديدة
ويرجح قصي أن تنضم دول أخرى إلى هذه المنظومة إذا ما حققت النجاح، بالتالي تكون قوة اقتصادية لمواجهة دول إقليمية مثل تركيا وإيران ودول كبرى مثل الصين، مبيّناً “أن هذا الأمر يتم من خلال إزالة القيود الجمركية وتكوين المدن الصناعية الجديدة ونقل الطاقة الكهربائية إلى العراق من خلال القارة الأفريقية، مما سيؤدي إلى إحياء القطاعات الإنتاجية فيه”.
ويوضح أن “التكامل الجمركي بين بغداد وعمان سيفضي إلى أن تُباع السلع المنتجة في العراق داخل الأردن وبالعكس، مما سيعمل على جلب الاستثمارات للأول من خلال طمأنة المستثمرين إلى أنه ضمن منظومة الاستقرار العالمية وبذلك تتحرك بوصلة الاستثمارات نحوه”.
في طريقها للتنفيذ
ويرى رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري أن “مخرجات قمة بغداد ستأخذ طريقها باتجاه التطبيق في جميع المسارات، لا سيما الاقتصادية منها والأمنية”، لافتاً إلى وجود مصلحة مشتركة للأطراف الثلاثة. وقال، “انعقاد القمة الثلاثية في بغداد يؤشر إلى أن كل ما اتُّفق عليه في القمّتين الأولى والثانية سيمضي بنجاح التطبيق، لا سيما أن البيان الختامي تحدث عن مسارات للتفاهم سواء كانت السياسية أو اقتصادية، بخاصة مع وجود مصلحة مشتركة تدفع الدول الثلاث باتجاه تطبيق الاتفاقات لأنها ستعود بالفائدة عليها”. ويؤكد أن “العراق بحاجة إلى رافعة لأزماته في مجال الطاقة أو الخدمات والكهرباء والاستثمار”.
الأمن المشترك
ويوضح أن أحد أهداف القمة الثلاثية هو “الأمن المشترك، لا سيما أن تنظيم داعش يمثّل تحدياً لكل من العراق ومصر على حد سواء، فضلاً عن وجود جماعات متشددة ومتطرفة إلى حد ما في الأردن، مما يتطلب تنسيقاً أمنياً بين الدول الثلاث. وأتوقع أن يتصاعد هذا التعاون خلال الفترة المقبلة، خصوصاً أن القاهرة وعمان تستضيفان على مستوى التدريب قوات عراقية رسمية”، مرجحاً أن يكون هناك تبادل معلومات بين البلدان الثلاثة، مما سينعكس إيجاباً على أمنها وأمن المنطقة عموماً.
ليست أولولية شعبية
وعلى الرغم من أهمية القمة الثلاثية للبلاد، إلا أن توقيتها لم يجعلها محط اهتمام الشارع العراقي أو تفاعله، مع أنه رحّب بزيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني.
ويقول الصحافي باسم الشرع إن “القمة ذات أهمية كبيرة للعراق تمثّلت في استعادة الدولة الثقة بقدرتها على تنظيم المؤتمرات والقمم سواء كانت عربية أو إقليمية أو دولية ونقلت مشاهد إيجابية عن البلاد وعن وضعها الأمني”.
ويضيف أن “هذه الأهمية لم تلفت نظر الشارع العراقي، الذي اكتوى بارتفاع درجات الحرارة التي بلغت خمسين درجة مئوية. كما أن الانهيار المفاجئ للمنظومة الكهربائية، جعل الشارع منشغلاً بهذه الأزمة المستمرة منذ أعوام”، مبيّناً “أن توقيت القمة قلّل من أهميتها شعبياً، على الرغم من أهميتها القصوى للدولة العراقية في استعادة ثقة المجتمع الدولي بها كطرف قادر على التأثير الإيجابي في المنطقة”.
ويشير إلى أن “القصف الجوي الأميركي على مواقع عسكرية تابعة لفصائل من الحشد الشعبي بعد ساعات من انتهاء القمة، أثّر أيضاً في متابعة الشارع العراقي لها، وبدا متخوفاً من صراع جديد بين القوات الأميركية والفصائل الشيعية المسلحة”.
ويذكر الشرع أن الشارع العراقي اهتم بوصول السيسي وعبدالله الثاني أكثر من القمة نفسها لكونه يشعر بعزلة كبيرة عن محيطه العربي الذي تكون زيارته إلى العراق نادرة منذ عام 2003″، لافتاً إلى أن “تنفيذ بعض الاتفاقات مثل تنقل الأشخاص بين هذه الدول من دون قيود وتخفيف القيود المفروضة على المواطنين العراقيين لدخولها، ربما تكون له رسالة مهمة لهؤلاء تؤكد جدية القمة في إيجاد روابط إيجابية مهمة بين الدول الثلاث”.
المصدر: اندبندنت عربية