أثار الإعلان الروسي عن إمكانية القبول بإجراء انتخابات مبكرة في سورية، وذلك بالتزامن مع إعلان فوز بشار الأسد في الانتخابات الأخيرة المطعون بشرعيتها ونزاهتها من قبل السوريين والمجتمع الدولي، تساؤلات عدة حول الهدف من ذلك، وما إذا كان هذا الإعلان بمثابة تحول في موقف موسكو، بما تمثله من فاعل رئيسي في الأزمة السورية الممتدة منذ عشرة أعوام.
وبينما يُنظر من قبل محللين إلى هذا التصريح على أنه تحول إيجابي في الموقف الروسي حيال الأزمة السورية، ويراه آخرون على أنه وسيلة ضغط على الأسد بعد مساعدته على تمرير الانتخابات بسلام، وقبل ذلك دعمه بقوة طوال السنوات الماضية من عمر الحرب، يتوقف البعض عند الشروط التي تحدثت عنها موسكو، للتوصل إلى خلاصة أن ما يجرى قد لا يكون أكثر من مناورة في الوقت الضائع.
وقال نائب وزير الخارجية الروسي، المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط وأفريقيا ميخائيل بوغدانوف، أمس الأول، إن هناك إمكانية لـ”إجراء انتخابات رئاسية مبكرة” في سورية في حال اتفاق حكومة النظام والمعارضة على دستور جديد أو إجراء إصلاح دستوري. وأضاف، على هامش مشاركته في منتدى بطرسبورغ الاقتصادي الدولي في موسكو، “إذا اتفقت الأطراف السورية، وتم التأكيد على نتائج العمل، فستجرى الانتخابات وفقاً للدستور الجديد أو الإصلاح الدستوري. قد يتم ذلك مبكراً وليس بعد سبع سنوات، مثلما يتطلبه الدستور الحالي. ولكن يجب أن يكون هناك توافق سوري – سوري على ذلك”. وأكد أن هناك خططاً لعقد اجتماع جديد بصيغة أستانة في العاصمة الكازاخستانية نور سلطان حتى نهاية يونيو/ حزيران الحالي، مُشيراً إلى أن موسكو ستجري الأسبوع المقبل اتصالات مع تركيا وإيران بهذا الصدد. وأعرب عن أمل موسكو في أن يتمكن المبعوث الأممي الخاص إلى سورية غير بيدرسن من تنظيم اجتماع جديد للجنة الدستورية السورية في المستقبل القريب، مذكراً بأن الفكرة طرحت أصلاً لعقد هذا الاجتماع قبل الانتخابات الرئاسية التي جرت في أخيراً.
وقال المتحدث باسم “هيئة التفاوض السورية” يحيى العريضي إن تصريح بوغدانوف موجه إلى العالم وليس إلى سورية ولا إلى السوريين، بعد فشل الانتخابات الرئاسية التي أجراها النظام وثبوت عدم شرعيتها، وعدم الاعتراف بها من مختلف دول العالم، مؤكداً أن روسيا تحاول بأي شكل من الأشكال أن تشرعن نظام الأسد. وأوضح العريضي، لـ “العربي الجديد”، أن “الحديث عن اجتماعات اللجنة الدستورية وإعادة إطلاق دفعة حياة لهذه اللجنة هدفه إيصال رسالة بأن النظام منخرط في العملية السياسية، وانخراطه في العملية السياسية معروف أنه بشكل أو بآخر يرفع عنه العقوبات، ويجعل عمليات التطبيع أكثر قبولاً”.
ورأى العريضي أن موسكو تحاول ذر الرماد في العيون. وقال إن “كان هذا الطرح سيرى النور فإنه لن يكون من قبل الهيئة السورية للتفاوض إلا ضمن شروط واضحة للعالم، وتحديد زمني، بالإضافة إلى آلية عمل دقيقة ومنهجية، تضع أهدافاً محددة ضمن برنامج زمني تُنجز خلال فترة قياسية. وفعلياً، أن يخرج عن هكذا اجتماعات تطبيق حرفي ودقيق للقرار الدولي 2254”.
وأكد رئيس مكتب العلاقات الخارجية في “هيئة التفاوض” بدر جاموس أن قرار مجلس الأمن 2254 واضح بهذا الموضوع. وقال، لـ”العربي الجديد”، إن “الروس يشيرون نحو القرار 2254، أي دستور جديد، وبعدها انتخابات تحت إشراف الأمم المتحدة”. لكنه عبّر عن أسفه من عدم القدرة على التأثير على النظام، قائلاً “إلى اليوم النظام سلبي ولا يريد حلاً سياسياً، والروس لم يستطيعوا حتى الآن تغيير سياسة النظام”. وأعرب جاموس عن اعتقاده أن الهدف من هذا التصريح هو بعث رسائل لواشنطن قبيل انعقاد اجتماعات جنيف، في 16 يونيو/ حزيران الحالي، بين الرئيسين الأميركي جو بايدن والروسي فلاديمير بوتين.
من جهته، رأى الباحث والخبير في الشأن الروسي، محمود الحمزة، أن تصريح نائب وزير الخارجية بعد الانتخابات الرئاسية في سورية، من أن اتفاق حكومة النظام والمعارضة على دستور جديد أو إجراء إصلاح دستوري، يهدف للإظهار إلى العالم أن النظام والمعارضة اتفقا والحل السياسي بدأ في سورية، مُشيراً إلى أن روسيا لم تلتفت كثيراً لقرار مجلس الأمن 2254، وتريد حل الموضوع بطريقتها الخاصة.
وأضاف الحمزة، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن “موسكو تطرح رؤيتها الخاصة لآلية الحل في سورية، وليس لديها أفكار وحلول، إنما عندها مقاربات للوضع في سورية، وتريد الالتفاف على القرارات الدولية، وفرض حالة سياسية معينة، وتقول للعالم ساهموا في تمويل إعادة الإعمار في سورية”. وبعد أن اعتبر أن هذا التصريح لافت ومهم، مؤكداً أنه من الممكن أن تجرى انتخابات رئاسية مبكرة، فقد أوضح أن “هذا الطرح يحتاج إلى دراسة ومتابعة، ولا نعلم بالفعل مدى جدية روسيا لهذا الكلام، لأننا اعتدنا على التصريحات الروسية التي تقول شيء وتفعل شيئاً آخر، مثل التصريحات التي انتقدت رأس النظام بشار الأسد، في الوقت الذي ما زالت متمسكة به”. ولفت الحمزة إلى أنه “يجب ألا يكون لدينا أوهام حول التصريحات الروسية، وبأن هناك حلاً قريباً، لأن الحل في النهاية بيد أميركا. لكن موسكو تتمنّى أن يكون الحل الآن، حتى تبدأ بإعادة الإعمار لتعويض ما خسرته في الحرب وتدخلها العسكري ضد الشعب السوري”.
وبما أن الروس دعموا الأسد طوال السنوات الماضية، وفي خضم مراوغته للجلوس حول طاولة الحل السياسي التي كانت دائمة الانعقاد بإشراف الأمم المتحدة، ما بين عامي 2012 و2017، قبل تراجع حضورها، بعد إثباتها عدم جدواها في دفع النظام للرضوخ للحل، والتعنت والتملص من الاستحقاقات، بغطاء من موسكو بطبيعة الحال، فإن جديتهم في التوصل إلى حل يتم بموجبه إجراء انتخابات جديدة في البلاد وفقاً لدستور جديد، تبقى محط شكوك. وبرأي محللين أن هذا الإعلان الروسي الأخير ليس سوى إعادة تذكير للأسد بأنهم قادرون على قلب الطاولة عليه في أي وقت، وذلك بعد مساعدته بتمرير الانتخابات، وتثبيته، حسب اعتقادهم، لسبع سنوات مقبلة في الحكم.
المصدر: العربي الجديد