ترتفع بين الفينة والأخرى أصوات بعض الفلسطينيين مؤيدة نظام سورية الحاكم..مما يشكل إستفزازًا معنويًا ونفسيًا وأخلاقيًا للشعب السوري الذي انتفض منذ عشر سنوات مقدمًا أغلى التضحيات للخلاص من نظام أمني مجرم فاسد مأجور ما يزال يوغل في دماء السوريين ويفتك بهم فتكًا تجاوز في كثير من الأحيان والأساليب ما يفعله العدو الصهيوني بأبناء شعبنا العربي في فلسطين..وإذا كان مفهومًا دونما استغراب موقف السلطة الفلسطينية الإيجابي من نظام آل الأسد نظرًا لارتباطهما معًا بذات المصدر الموجه الحامي والمرشد، فإن ما يثير الإستهجان والأسى معًا مواقف البعض ممن يمثلون قيمة نضالية أو كانت لهم مثلها ذات يوم في تاريخ قريب أو بعيد، كحالة السيدة ليلى خالد؛ أو بعض النخبة الفلسطينية ذات القيمة المعنوية كحالة الشاعر تميم برغوتي، أو بعض قادة حركة حماس التي تملك رصيدًا نضاليًا لا يستهان به في مسار النضال الوطني الفلسطيني.
الأمر إذن يحتاج إلى تفسير لفهم الدوافع والخلفيات حتى لا تبقى هذه المسألة شوكة في حلق أبناء سورية الأحرار الذين لا يرون في تحررهم من نظام القهر والطغيان إلا جزءً مكملًا لمعركة تحرير فلسطين وعودتها إلى العروبة الوحدوية.
لا شك بأن بعض الأطراف الفصائلية الفلسطينية باتت أشبه بالشلل ذات المصالح الفئوية أو الشخصية المرتبطة بالنظام السوري أو بالقوى الاجنبية ذات النفوذ والإمتدادات والتي تحمي النظام وتسخره لمصالحها كما إيران وروسيا مثلاً.
هذه الشلل الفصائلية لم تعد تمثل فعالية في المسألة الفلسطينية وتحجرت قياداتها أو تخشبت وباتت ذاتياتها أعلى وأرفع وأهم من القضية حتى صارت هي المعيار والحكم. فلا قيمة لهؤلاء ومواقفهم.
عدا ذلك فإن معظم الآخرين الذين اتخذوا مواقف مؤيدة للنظام السوري، واقعون تحت تأثير التزييف الإعلامي لحقيقة ما يجري في سورية من جهة، وتأثير الخلط بين جماعات ميليشيوية مسلحة مشبوهة لعبت دورًا تخريبيًا لا شك فيه وبين الشعب السوري الذي يعاني منها ويقف ضدها ويرفض ممارساتها وهو يدرك أنها إنما أنشئت خصيصًا من قبل أجهزة الدول الحامية للنظام والمتمسكة به واجهة وأداة لها لمنع الشعب السوري من نيل حريته وكرامته وحقوقه في الحياة الكريمة. كما أن مسخ ما يسمى المعارضة السورية واتخاذها نمطًا كريهًا نفعيًا غير مقبول ساهم في زيادة ذلك التزييف وأدى لتشوش الصورة في أذهان البعض سيما وأن ماكينات إعلامية عالمية ذات خبرات وإمكانيات كبيرة جدًا تدير معارك تجميل صورة النظام وتشويه تطلعات الشعب السوري، بحكم تبعيتها لقوى النفوذ الدولي الكثيرة التي تشترك في جملة أهداف معًا أهمها إبقاء النظام وتفشيل ثورة الشعب إذ لا مصلحة لأحد في نجاحها بما يشكل خطرًا كبيرًا على مصالح تلك القوى في المنطقة العربية برمتها.
هذه الأسباب مجتمعة تسببت في تشوش صورة الوضع في سورية ونجحت في تسويق فكرة إن سورية تتعرض لمؤامرة دولية وإن النظام هو الذي يردها على رغم مساوئه الكثيرة. وإذا أضيف إلى هذا كله افتقاد قوى الحركة الشعبية السورية إلى الإمكانيات وإلى الإعلام تمامًا، أدركنا حجم معاناة السوريين من إجرام النظام ووحشيته وأيضًا من تعتيم وتغييب وتشويش إعلامي خطير جدًا لقضيتهم.
إزاء هذا الواقع ونظرًا إلى أننا كعروبيين سوريين وطنيين نقاوم الظلم والقهر والاستبداد في سورية؛ كما نقاوم العدوان الصهيوني المتصاعد على شعبنا في فلسطين وخارجها؛ وإنطلاقًا من إدراكنا التام لوحدة المصير وترابط القضية والأهداف وحرصًا منا على وضوح الصورة وصحة الموقف لدى أهلنا من الفلسطينيين؛ فإننا نستعرض لهم بإيجاز شديد مواقف النظام الأسدي من الشعب الفلسطيني وقضيته منذ خمسين عامًا أو يزيد. وهو تاريخ يعرفونه جيدًا وعانوا من ويلاته الكثير ولربما أنساهم الزمن بعضًا منه أو أنساهم ضغط التعمية الإعلامية ذلك.
تبدأ حكاية النظام السوري مع قضية فلسطين وشعبها منذ سنة ١٩٧٠ وأحداث الأردن الدامية حين اصطدم الجيش الأردني بقوات الثورة الفلسطينية محاولًا تصفيتها. حينها أرسلت القيادة السورية قوات برية إلى الأردن لفك الحصار عن القوى والمخيمات الفلسطينية إلا أن رفض وزير الدفاع وقتها (حافظ الأسد) السماح للطيران بحمايتها بل تهديده لها للانسحاب أدى إلى فشل مهمتها وانسحابها. وكانت النتيجة خروج الثورة من الأردن إلى لبنان. وفي أول فرصة أتيحت لنظام الأسد الأب بعد حرب تشرين أول/ أكتوبر وما تلاها من اتفاقية لفصل القوات على الجبهة برعاية كيسنجر الأميركي نتج عنها الهدوء التام على جبهة الجولان المحتل ما يزال ساريًا حتى اليوم، انقض نظام سورية الأسدي على لبنان والهدف الأساسي والأبرز المطلوب منه تنفيذه كان القضاء على الوجود العسكري والبشري والمؤسساتي والنضالي للثورة الفلسطينية في لبنان. فكانت باكورة إنجازاته سنة ١٩٧٦ تدمير مخيم تل الزعتر وتهجير من تبقى من أهله خارجًا بعد حصار طويل مرير امتد شهورًا كثيرة. وسقط معه عدة آلاف من الفلسطينيين شهداء ضحية إجرام ووحشية النظام السوري.
واستمر التنكيل والحصار على الوجود الفلسطيني في بيروت وكل لبنان من قبل قوات النظام السوري التي سيطرت على لبنان منذ دخولها إليه سنة ١٩٧٦.
وحينما لم يستطع النظام السوري استكمال مهمة القضاء على الوجود الفلسطيني نظرًا لصلابة الموقف الشعبي الوطني اللبناني الملتحم مع الثورة الفلسطينية؛ اجتاح جيش العدو الاسرائيلي لبنان سنة ١٩٨٢ واحتل بيروت فأخرج منها قوات الثورة وارتكب مجازر صبرا وشاتيلا التي ذهب ضحيتها آلاف الشهداء الفلسطينيين واللبنانيين على مرأى ومسمع النظام السوري ومباركته.
لم يكتف النظام بهذا، فلاحقت قواته سنة ١٩٨٣ ما تبقى من قوات فلسطينية ووطنية لبنانية معها إلى طرابلس فحاصرها ودك أحياءها وقتل من قتل وهجر من بقي حيا ثم استباحت أجهزته الأمنية المدينة وأمعنت فيها إذلالاً وإفسادًا. وفي سنة ١٩٨٥ حاصرت ميليشياته الطائفية المذهبية مخيمات الفلسطينيين في بيروت وضواحيها مدة زادت عن سنتين حصلت فيها مجاعات ومآس إنسانية مروعة.
بعد ذلك امتد عبث أجهزة النظام السوري إلى مخيمات الشمال اللبناني فكانت معارك مخيم نهر البارد أيضًا وما صاحبها من قتل وتهجير للفلسطينيين.
هذا في لبنان أما في سورية فلم تكن الأمور أفضل. إبتدأ العبث بقوات الثورة بتشكيل النظام السوري لمنظمة الصاعقة الفلسطينية فكان غطاءً لكل تخريب وعبث وفساد وإفساد في الوسط الشعبي والنضالي الفلسطيني. ثم كان تشكيل جيش التحرير الفلسطيني لامتصاص طاقات العمل الفلسطيني وإبقائها رهينة قبضة النظام يتلاعب بالقضية من خلال الإمساك بعدد كبير من أبنائها. وبقي جيش التحرير الفلسطيني بدون أي دور وطني يخدم القضية.
هذا عدا عن استقطاب بعض قادة الفصائل المقيمين في سورية وربطهم بالأجهزة، فباتوا ملحقين بها متخلين عن أي دور نضالي لصالح القضية.
وقد كان للحصار والتنكيل الذي مارسه النظام السوري ضد القوى الفلسطينية وقواها البشرية النضالية أحد أهم الأسباب التي دفعت ياسر عرفات للذهاب إلى أوسلو يائسًا مرغمًا.
مع الأسد الابن استمر نهج التعاطي مع القضية الفلسطينية شعارًا للمتاجرة وإخفاء إرتباطاته الدولية وممارساته القمعية الوحشية بحق الوطنيين السوريين كما بحق كل ناشط فلسطيني يرفض الإرتباط بالأجهزة الأمنية. وقد بلغ عدد النشطاء الفلسطينيين المغيبين المقتولين بالتعذيب في سجون النظام عدة مئات. كانت ذروة المأساة الحصار الطويل المريع لمخيم اليرموك في دمشق ثم تدميره وتعفيشه وتهجير أهله وتشريدهم. ثم العبث حتى بمقابر الشهداء فيه إرضاء لأسياده الروس وأسيادهم الصهاينة بحثًا عن جثة جندي صهيوني. إن تدمير مخيم اليرموك ضربة قاصمة للنشاط الوطني الفلسطيني وهو أهم وأكبر تجمع لفسطينيي الشتات في العالم. وكان بمثابة مرتكز نضالي شعبي وطني جامع لهم. وهاهم يخططون لبناء مراكز ترفيهية مكانه لمستثمرين أفاقين.
وإذا تحدثنا عن منع أية مقاومة على جبهة الجولان كما على جبهة لبنان الجنوبية مع فلسطين المحتلة؛ ندرك أية خطورة يمثلها النظام السوري على القضية الفلسطينة وعلى قواها البشرية التي تشكل عماد أي تقدم وكل أمل في التحرير والعودة.
أبعد من هذا، هل يحق لأي فلسطيني غيور على أرضه وعرضه وكرامته وقضيته أن يتفوه بكلام مؤيد للنظام السوري المجرم أيًا تكن المبررات والخلفيات ؟؟
إننا نطالب كل أخ فلسطيني لم يكن يعرف تمامًا مدى الخطورة التي يشكلها النظام الأسدي على فلسطين وقضيتها وشعبها كما على سورية وشعبها أن يعي حقيقة هذا النظام وحقيقة ارتباطاته بالنظام العالمي الفاسد الذي يشغله ويبقيه في مكان رغم كل الجهود الجبارة التي قدمها الشعب السوري للخلاص منه.
نهيب بكل أخ عربي أن يتمعن في معرفة حقيقة النظام وما يرتكبه من جرائم وفظائع مرعبة بحق شعب سورية قبل اتخاذ أي موقف مؤيد له ناجم عن تشوه الصورة وضياع الحقيقة بين يديه.
إننا في ملتقى العروبيين السوريين على أتم الجاهزية لتزويد أي عربي في أي مكان بالوثائق والصور والأرقام عما يرتكبه النظام من مجازر مرعبة بحق شعبنا وبحق فلسطين أيضًا وشعبها.
لم يعد يليق بأحد ألا يتخذ موقفًا مبنيًا على صورة واضحة موثقة للحقيقة.
لا يهمنا ونسقط من حسابنا أي إنسان تفرض عليه مصالح خاصة أو ارتباطات مشبوهة أو ولاء لنفوذ أجنبي أو لأجهزة أمنية هنا أو هناك؛ نداؤنا فقط للأحرار الذين لم يستكملوا صورة الحقيقة واضحة أمامهم بسبب التضليل الإعلامي الكثيف الذي نعاني منه جميعًا.
فلنعمل معًا على تنزيه قضية فلسطين من أية متاجرة أو إستغلال مشبوه يسيء إليها ولا يخدم إلا أصحاب غايات لا تمت للقضية السامية بصلة.
895 5 دقائق