بدأت الحرب الفيروسية مع مطلع 2020 وهي تتمدد ببطء، عبر وحش لا يُرى بالعين المجردة ينهش في رئة البشرية ويرسل كل يوم مجموعات إلى الموت وتصاب البشرية بالذعر، وتتصدر وزارات الصحة المشهد على وزارات الدفاع ووزارات الخارجية، فاليوم هي معركتهم وهم جنودها، و تتوالى الإصابات وتتضاعف بشكل متوالية هندسية سريعة وخطيرة، وسواء كانت الحرب مفتعلة من قبل الإنسان ثم فقد السيطرة عليها، أو أنها طبيعية كالكوارث التي تحصل كل عشرات السنوات بمناطق جغرافية محددة من العالم أو كل مئة إلى مئتين سنة وتعم العالم، وتكون النتائج كارثية في الخسائر بالأرواح والأعداد وتنعكس على كل نواحي الحياة، فهناك كوارث تطيح بدول لتجعلها أثراً بعد عين أو على الأقل بمنتهى الضعف والتراجع، وتهبط بأقوامٍ وترفع آخرين، فلا قوي دائم ولا ضعيف دائم، وهكذا حركة الحياة فالأيام دولٌ بين الناس تتداول عليهم علواً وهبوطاً، فبعد الحرب العالمية الأولى انتشر وباء بأوروبا (الانفلونزا الإسبانية)كانت نتائجها أخطر وأكبر من الحرب ذاتها وضحاياها أكبر عدداً وبسبب هذا المرض توفى بين شهري أبريل ونوفمبر من عام 1918، نحو 21 مليون و640 ألف نسمة.!
واليوم بهذه الحرب تنفصل عُرى العولمة الاقتصادية لتنكفئ الناس على دولها ومدنها وتتوقف الحركة المستمرة بين دول العالم، ويُفرض حظر التجوال في أغلب دول العالم سواء بشكل جزئي أو كامل للحد من انتقال العدوى التي ليس لها علاج لليوم سوى الطرق البدائية من التعقيم والعزل.!
العالم ما بعد كورونا ليس كما قبلها على الاطلاق والدول التي ستخرج من هذه الحرب بأقل الخسائر ستكون فُرَصها للبقاء على مسرح المؤثرين في العالم وستكتب التاريخ، وستكون أكبر بكثير من الدول التي ستنهار وستضعف بشكل كبير جداً.
وهذا يتوقف على التخطيط المقاس بالأداء pmsp فعندما تحصل كارثة تعصف بالمستوى الاقتصادي للدول فهناك أداء واستجابة عبر خطط يجعل بعض الدول تحافظ على الأقل ألا تهوي تحت الصفر لتكون بظل نفس الأزمة أقل خسارة من غيرها.
اليوم الدول هي التي ستنفق وتصرف وتدفع فلا ضرائب تجنيها، وكثير من الشركات ستفلس، بل الدولة نفسها هي التي ستدفع للشعب فخسارتها مرتين، وكلما عملت مؤسسات الدولة للحد من انتشار الوباء والتيّقظ المبكر والاستجابة المبكرة كلما كانت فرصها بالحفاظ على قوتها وبقاء فاعليتها أكبر لاسيما بظل تهاوي أسعار النفط بشكل غير مسبوق على الإطلاق ليقترب هبوطاً من 20 دولار.!
وماتزال أغلب الدول تخفي حقيقة خسائرها بالأرواح والاقتصاد وأولهم الصين التي أخفت الفيروس واعتقلت الطبيب الذي حذّر من الفايروس وحذّر أنه خطير ومعدي، ولم تحذّر وتنبه الصين دول العالم بهذا الوباء ربّما خشيتها من الخسائر لاسيما الصين تشكل 12.5% من صادرات العالم وتبلغ صادراتها 2.5 تريليون دولار وإنتاجها المحلي 14 تريليون دولار.
نعم فقد قصّرت الصين وأصبح الوباء جائحة عالمية تجتاح العالم ويتوقع خبراء فترة من ستة أشهر إلى سنة للانتهاء تماماً من الوباء ولا أحد يعلم بدقة، فقد تختلف من دولة لأخرى، لكن دول العالم فتحت الاحتياطات النقدية، وسيتجه العالم للكوارث الاقتصادية وحالات الإفلاس وستغير النظام العالمي الذي تأسس عقب الحرب العالمية الثانية ومعه المؤسسات الدولية وصندوق النقد الدولي والنظام النقدي وسلطة الدولار، فنحن أمام نظالم عالمي ينهار ليتأسس نظام عالمي جديد نأمل أن يكون أكثر إنسانية.