يواصل النظام السوري نقل قوات من جبهات القتال مع فصائل المعارضة في الشمال الغربي من البلاد، إلى البادية السورية ما يعزز الاعتقاد بأنّ محافظة إدلب لن تكون في المدى المنظور مسرحاً لعمليات عسكرية واسعة النطاق، وأنّ النظام بصدد مواجهة التهديد المتزايد من تنظيم “داعش” في البادية، خصوصاً على الطرق الرئيسية. وفي أحدث هجمات داعش في البادية، ذكر “المرصد السوري لحقوق الإنسان” أمس، أنّ التنظيم شن هجوماً مباغتاً على ناحية السعن في ريف حماة الشرقي، واشتبك مع قوات النظام واختطف 19 شخصاً غالبيتهم من المدنيين. وأوضح المرصد أن مسلحين من التنظيم هاجموا مناطق سيطرة النظام في منطقة الزوينة ومناطق أخرى بناحية عقيربات ضمن ريف حماة الشرقي، واشتبكوا مع عناصر قوات النظام والمليشيات الموالية لها، الأمر الذي أدى لسقوط قتلى وجرحى، فيما عمد التنظيم إلى خطف 8 عناصر من الشرطة، بالإضافة إلى 11 شخصاً من أبناء ناحية السعن، ولا يزال هناك 40 شخصاً مفقوداً”. وأفادت وكالة أنباء النظام “سانا” أيضاً بـ”اختطاف عدد من أهالي قرية السعن من قبل تنظيم داعش الإرهابي”.
في غضون ذلك، ذكرت مصادر في المعارضة السورية لـ “العربي الجديد”، أن النظام يواصل سحب مجموعات كبيرة من قواته من جبهات الشمال الغربي من سورية مع فصائل المعارضة إلى قلب البادية، مشيرة إلى أن الفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد، شقيق رئيس النظام بشار الأسد، أرسلت أخيراً أرتالاً عسكرية من بلدة قلعة المضيق بريف حماة الشمالي الغربي، إلى تدمر وباديتها في ريف حمص الشرقي. وبيّنت المصادر المواكبة عن كثب لكل تحركات قوات النظام في محافظة إدلب ومحيطها، أن الفرقة “25 مهام خاصة” المدعومة من روسيا، أرسلت ثلاثة أرتال عسكرية من مناطق معرة النعمان، وخان شيخون، وكفرنبل في ريف إدلب الجنوبي، إلى طريق أثريا – خناصر، في أقصى ريف حلب الجنوبي، وإلى محيط منطقة كباجب وجبل البشري بريف دير الزور الجنوبي.
ووفق المصادر ذاتها، سحب الفيلق الخامس المدعوم من روسيا، ستة أرتال عسكرية من منطقة معرة النعمان وبلدة خان السبل وقرية بابيلا ومدينة سراقب جنوب شرق إدلب، وأرسلها إلى بادية أثريا – خناصر، والرصافة بريف الرقة الجنوبي الغربي، وبادية الرهجان والسعن بريف حماة الشرقي، وبادية السخنة بريف حمص الشرقي. كما أكدت المصادر أن “لواء القدس” الذي يضم مسلحين فلسطينيين، أرسل رتلين عسكريين من ريفي حلب الجنوبي والغربي، إلى بادية إثريا – خناصر، وبادية دير الزور، بالتزامن مع إرسال رتلين آخرين من مليشيا الدفاع الوطني من سقيلبية بريف حماة الغربي، إلى بادية تدمر والسعن. كما أرسل “الحرس الجمهوري” رتلاً من منطقة العيس بريف حلب الجنوبي، إلى بادية السخنة بريف حمص الشرقي. وأوضحت المصادر أنّ قوام كل رتل من هذه الأرتال نحو 150 عنصراً وما بين 30 و40 آلية، مشيرة إلى أنها ضمت دبابات ومدافع ثقيلة، وسيارات دفع رباعي مزودة برشاشات.
وتأتي هذه التعزيزات في ظلّ معطيات ميدانية عدة في سورية، حيث هدأت الاشتباكات على جبهات محافظة إدلب التي مدد الثلاثي الضامن لتفاهمات أستانة (تركيا، إيران، روسيا) في الجولة الأخيرة من هذا المسار في فبراير/شباط الماضي، وقف إطلاق النار فيها، ما يعزز الاعتقاد بأنّ الجانبين الروسي والتركي حريصان على استمرار الهدوء النسبي في الشمال الغربي من سورية. كما تأتي هذه التعزيزات غير المسبوقة إلى البادية السورية في خضم نشاط متزايد لتنظيم “داعش”، الذي يتحرك على طول البادية وعرضها، موقعاً خسائر جسيمة بقوات النظام والمليشيات الإيرانية التي فشلت في التصدي لخلايا هذا التنظيم.
وتشير تمركزات الأرتال الجديدة إلى أنّ النظام يضع في مقدمة أولوياته حماية الطرق في البادية السورية، وخصوصاً الطريق الآتي من محافظة الرقة إلى مدينة سلمية على تخوم البادية، والذي يتفرع منها إلى مدينتي حمص وحماة. والطريق الثاني -وهو الأهم- هو الذي يربط العاصمة السورية دمشق بمدينة تدمر في قلب البادية السورية، ومنها يتجه إلى الشمال الشرقي باتجاه محافظة دير الزور. ووفق مصادر محلية، فإنّ التنظيم يفرض سيطرة جزئية على هذا الطريق ليلاً، وينصب كمائن لقوات النظام والمليشيات الإيرانية عليه، وهو ما يدفع النظام إلى تعزيز قبضته في البادية السورية، وخصوصاً في محيطي تدمر وبلدة السخنة المجاورة التي باتت مركزاً لمليشيات تابعة للحرس الثوري الإيراني في ريف حمص الشرقي. وتشكل الطرق في البادية السورية أهمية كبيرة للنظام، وخصوصاً لجهة نقل المحروقات والحبوب من الشمال الشرقي للبلاد، إلى مناطقه.
في السياق، اعتبر المحلل العسكري، العميد أسعد الزعبي، في حديث مع “العربي الجديد”، أن محافظة إدلب “هي الهدف الأهم للنظام”، مضيفاً أنّ “نقل قوات من جبهاتها إلى البادية، ربما يعني أن النظام فشل في تحقيق شيء في الشمال الغربي من سورية”. وأشار الزعبي إلى أنّ تنظيم “داعش” في البادية السورية “ليس بهذه القوة لنقل قوات بهذا الحجم لمواجهته في ظلّ وجود للمليشيات الإيرانية والطيران الروسي”، معتبراً أنه “ربما يخشى النظام من سيطرة إيرانية كاملة على البادية السورية، ولهذا يعزز وجوده هناك”.
من جانبه، رأى العقيد أحمد رجب، وهو قيادي في فصيل “حركة وطن” التابع للمعارضة السورية، أنّ الهدف الرئيسي للنظام من وراء نقل القوات إلى البادية السورية “إيهام العالم أنه يقاتل الإرهاب المتمثل بتنظيم داعش”. وأوضح رجب في حديث مع “العربي الجديد”، أنّ النظام “يزج العناصر التي كانت في فصائل المعارضة السورية وأجرت تسويات معه، في المعارك ضد داعش، بهدف التخلص من هذه العناصر، لأنه لا يضمن ولاءها له”.
المصدر: العربي الجديد