شبكة المرأة السورية منظمة من النساء السوريات المنتميات للثورة السورية، اللواتي يتابعن المتغيرات التي تحصل في سورية من الجانب الإنساني والنسوي والمجتمعي. ترصد وتتابع الانتهاكات وتوثق كل ذلك. هذا الكتاب سورية وطن لا سجن هو الكتاب الثاني للمنظمة الصادر عام ٢٠١٦م حيث كانت قد أصدرت الجزء الأول عام ٢٠١٣م .
- المقدمة:
وضعت المنظمة في مقدمة الكتاب نبذة عنها وبيانا يوضح أعمالها ونشاطاتها. حيث اوضحت انهم مجموعة من الناشطات السوريات اللواتي توافقن على مواقف سياسية واجتماعية ونسوية واحدة. فهم ضد النظام الاستبدادي المجرم المسيطر على سورية منذ عقود. وهم يؤمنون بالخيار الوطني المدني الديمقراطي لسورية المستقبل. ويؤمنون بالمساواة بين المرأة والرجل في الحقوق والواجبات. و يؤمنون بالمواطنة المتساوية للسوريين. دون اي تمييز ديني او طائفي او عرقي. وأنهم يسعون ليكون ذلك مثبتا بالدستور والقوانين التي ستكون في سورية المستقبل.
- قوننة الاستبداد في سورية.
تحدث الكتاب في هذا الفصل عن واقع الاستبداد السياسي في سورية وأنه حاصل منذ انقلاب آذار عام ١٩٦٣م. وهيمنة حزب البعث على سورية حيث تم تثبيت قانون الطوارئ الذي كان قد تم فرضه قبل الإنقلاب ولأسباب كثيرة واهية منذ الاستقلال السوري وخروج المستعمر الفرنسي في نيسان ١٩٤٦م. وأن مبرر ثبيت قانونوالطوارئ هو الصراع مع الصهاينة الذين أنشأوا دولتهم على أرض فلسطين. ومن ثم حصولوالانقلابات المتتالية، ولينتهي الأمر بعد ذلك بسيطرة حزب البعث على السلطة في سورية، وإقصاء الآخرين من الحكم، وليحصل صراع عسكري وسياسي داخل البعث والجناح العسكري فيه، ليصبح حافظ الأسد في عام ١٩٧٠م عبر انقلاب على رفاقه، ادى ليصبح الحاكم المطلق لسورية من خلال هيمنته على الجيش والأمن وحزب البعث والدولة والمجتمع. وليثبت هيمنة البعث على الدولة والمجتمع عبر المادة الثامنة في الدستور الذي كتب في عهده. التي تنص على أن حزب البعث قائد الدولة والمجتمع. والذي يعني عمليا هيمنة الأسد نفسه على الدولة. وكان قد خلق الجبهة الوطنية التقدمية، وهم مجرد أدوات حزبية هزيلة دون أي تمثيل مجتمعي لتكون تعبيرا شكليا على انها ديمقراطية شعبية ادّعاها النظام.
لقد كانت هيمنة النظام عبر الجيش والأمن بشرعية نظام الطوارئ، بحيث استباح النظام المجتمع السوري وقواه السياسية الحية وأي معارضة او حراك مطلبي كان يواجه باعلى درجات العنف والبطش والقمع، المعتقلات والسجون والتغييب، سوط مسلط على رقاب الناس. وكان للصراع بين النظام والطليعة المقاتلة والإخوان المسلمين في أواخر سبعينيات و ثمانينات القرن الماضي والرد العنيف للنظام الذي دمر بعض المدن خاصة حماة وقتل عشرات الآلاف واضطهد الحراك الوطني الديمقراطي ومنظمات المجتمع المدني والنقابات المهنية، وحول سورية الى جمهورية قمع وخوف وتقية.
لقد كان لهذا الاستبداد والبطش والقمع وتفعيل قانون الطوارئ وهيمنة الجيش والأمن دور أساسي في الانتقال السلس للسلطة من حافظ الأسد الى ابنه بشار، كلنا نعرف مهزلة تغيير الدستور من أجل تغيير عمر الرئيس وإعلان ترشيح بشار وتحويله في وقت قياسي لقائد الجيش وحزب البعث ومن ثم رئيس جمهورية. تابع الحكم بعد والده في توريث مقيت ليزيد حكمهما لسورية عن الخمسين عاما في هذه الأيام.
- أدب السجون.
ينتقل الكتاب ليتحدث عن توثيق الاعتقال السياسي والسجن في سورية عبر نماذج من الروايات والشهادات التي توثق معاناة المعارضين السوريين ايام حافظ الاسد وابنه بعده.
لقد توقف الكتاب عند رواية القوقعة لمصطفى خليفة التي توثق لواقع الاعتقال والتعذيب والجحيم الذي عاشه الكاتب وآخرين في سجن تدمر لعقد ونصف من الزمن. وذلك في ثمانينات القرن الماضي أيام الصراع بين النظام والطليعة المقاتلة والاخوان المسلمين. وكيف كان هناك معتقلين في سجن تدمر من الأحزاب الوطنية الديمقراطية المصنفة من اليسار. كذلك ذكر شهادة محمد سليم حماد الشاب الاردني في سجن تدمر في كتابه “تدمر شاهد ومشهود”. التي وثق فيه أيضا. التعذيب والقتل وانتهاك إنسانية الإنسان بما لا يصدق. حيث التجويع واطعامهم الصراصير والقتل التعسفي والتعذيب حتى الموت. كذلك ما كتبه فرج بيرقدار وياسين الحاج صالح وحسيبة عبد الرحمن وما وثقته روزا ياسين حسن..الخ. وكلهم اعتقلوا سنوات طويلة في سجون النظام وبعضهم كان في تدمر ايضا.
لم يذكر الكتاب شهادات عن السجن والاعتقال في مرحلة بشار لكنا نحن وثقنا لعشرات الروايات والشهادات التي تناولت ما عاشه عشرات الآلاف من السوريين نساء ورجال في معتقلات النظام وسجونه يفوق قسوة وسوء ما كان في تدمر في زمن حافظ الأسد.
- شهادات معتقلين ومعتقلات.
يسرد الكتاب في هذا الفصل الكثير من الشهادات التي حصلت عليها المنظمة من خلال مواقع على وسائل التواصل الاجتماعي. والتي كانت كلها تتحدث عن مرحلة مابعد الثورة السورية التي انطلقت في آذار ٢٠١١م.
لقد وثّقت عينات بالعشرات تعبيرا عمّا يصل لعشرات الآلاف من وقائع الاعتقال والتعذيب والقتل والاساءة. المعتقلات التي غصت بالرجال والنساء والاطفال. الذين تعرضوا لكل أنواع التعذيب والإذلال. لقد كان الإنسان مستباحا. القتل والاغتصاب للنساء والرجال. تقطيع الأطراف والشبح، التعذيب بالدولاب وبساط الريح. القتل، التجويع والاذلال والابتزاز المالي .. الخ. لقد فعل النظام كل شيء حتى ينهي الثورة ويقمع الثوار. كان هدفه استئصال الثوار والناشطين بأي شكل. كان القتل والتعذيب داخل المعتقلات والسجون متكامل مع القصف بالبراميل المتفجرة والتشريد والقتل والحصار والتجويع وتدمير البلد. ذلك ما حصل مع الشعب السوري في كل سورية.
كما تحدث الكتاب عن داعش والنصرة. و قدم بعض الشهادات عن التعذيب والاعتقال والقتل والاساءة التي حصلت من قبل داعش والنصرة خاصة أيام سيطرة داعش وتوسعها على حساب المناطق التي حررها الجيش الحر. وان اساليبهم والتعذيب والاذلال لا تختلف عن النظام بل تزيد. هناك توثيق كبير لعمليات القتل والذبح والإذلال للناشطين وللناس. وتؤكد الشهادات على عدم حصول صراع بين النظام وداعش والنصرة. وأنهم ظهروا في الميدان يخدمون النظام حيث يقاتلون الثوار والجيش الحر ويسيطرون على المناطق المحررة. المبرر عندهم أن اولوية صراع المرتدين وهم الجيش الحر على صراع الكفار وهو النظام الذي يسمونه “النصيري”.؟ !.
كذلك تحدث الكتاب عن ال ب ي د، فرع ال ب ك ك حزب العمال الكردستاني. الذي يعمل لأجندة انفصالية في سورية. ويخدم النظام حيث حصل استلام وتسليم السلطة من قبل النظام لهم في مناطق التواجد الكردي في الشمال الشرقي السوري. وحيث وجدوا بالرعاية الامريكية ودعمهم لهم ليعلنوا اجندتهم في الادارة الذاتية ويعملوا لخلق كيان انفصالي في شرق الفرات والشمال الشرقي السوري.
الشهادات تتحدث عن التعذيب والقتل والملاحقة والسجن وخطف الأطفال ليكونوا مجندين في ميليشياتهم المسلحة. لم يسلم من اضطهادهم العرب ولا الاكراد المختلفين معهم سياسيا. كما عمدوا على تدمير القرى وخاصة العربية وتهجير اهلها. ضمن مشروعهم الانفصالي.
كذلك ذكر الكتاب جيش الإسلام مع توثيق تعذيب واعتقال وسجن واساءة قام بها جيش الإسلام ايام كان مهيمنا في مدينة دوما. وحمّلتهم المنظمة مسؤولية تغييب واعتقال رزان زيتونة الناشطة في الثورة السورية ورفاقها. واحتمال قتلهم واخفائهم.
- القوى المهيمنة على الأرض في سورية.
اولا: النظام السوري في عهد الأب والابن.
لقد عاد الكتاب إلى التركيز على قوننة الاستبداد والهيمنة والسيطرة على الدولة والمجتمع منذ حافظ الأسد وابنه بعده.
حيث استولى حافظ الأسد على السلطة بانقلاب عام ١٩٧٠م. وثبّت سلطته بهيمنة الجيش والأمن عبر واجهة حزب البعث الذي أصبح مجرد اداة بيد حافظ الأسد. حيث أعطاه الدستور الذي وضعه في مادته الثامنة سلطة قيادة الدولة والمجتمع. زيادة على قانون الطوارئ الذي استمر لأكثر من خمسين عاما. بحيث أطلق يد حافظ الأسد في قمع الشعب واستغلاله عبر عقود.
ويتحدث الكتاب عن مرحلة بشار الأسد بعد عام ٢٠٠٠م. والطريقة الغير شرعية لانتقال الحكم له بالتوريث. وكيف ادعى أنه يقوم بإصلاحات ديمقراطية. تعامل معها المعارضون السوريون وصنعوا ربيع دمشق الذي سرعان ما انقلب بشار على وعوده واعتقل وسجن كثير من الناشطين الديمقراطيين السوريين. كما أشار الكتاب الى ظاهرة الشبيحة الذين يتغطون بدعم من احد رموز النظام. ولا يقعوا تحت مسؤولية الدولة. وهم ادوات يستخدمون لمصلحة هذا الطرف او ذاك من مسؤولي النظام. والذين سيكونون أحد أدوات النظام الاساسية بعد ذلك لقمع الشعب السوري وثورته بدء من عام ٢٠١١م وانطلاق الثورة السورية. كما يتحدث الكتاب عن إلغاء قانون الطوارئ من قبل بشار الأسد في نيسان ٢٠١١م. لكنه سنّ بدلا عنه قانون الإرهاب. استمر واقع القمع والتسلط وغياب القانون تماما وكأن قانون الطوارئ مستمر.وهذا مع تفعيل محكمة الإرهاب بدلا من محكمة أمن الدولة العليا. والمحاكم الميدانية والعسكرية. التي كانت وراء اعتقال ومقتل عشرات الآلاف من السوريين.
ويعود الكتاب ليؤكد على قضية المعتقلات والسجون السورية والتعذيب والتغييب والقتل والابتزاز والاغتصاب وتشريد الناس وتدمير البلاد التي حصلت على يد النظام وأمنه وجيشه وداعميه من الروس والايرانيين والمرتزقة الطائفيين حزب الله وغيره.
ثانيا: داعش والنصرة.
داعش التسمية المختصرة لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام. الذي أسسه أبو مصعب الزرقاوي من عناصر القاعدة الذين تواجدوا في العراق إبان الاحتلال الأمريكي للعراق وبعده. حيث كانت العراق موقعا تجمع به الكثير من العرب والأجانب ممن يحمل عقائد القاعدة ورؤيتها السياسية والعسكرية وعملها حتى تبني دولتها الإسلامية. وكيف كان الكثير من قياداتهم معتقلين في سجون النظام السوري. وكان ذلك ضمن توافقات وتبادل مصالح مع الامريكان. وكيف اطلق النظام سراحهم من السجون إبان الثورة السورية التي كانت سلمية وذات توجهات وطنية ديمقراطية. وادى خروجهم لتشكيل مجموعات مسلحة في أجندات اسلامية، بحيث يصدق ادعاء النظام أن الثورة مسلحة وإرهابية. وهكذا حصل النظام على مبرر لاستعمال العنف والقوة لمواجهة الثورة. و ليدعمه حلفائه وليصمت الغرب عنه ويسانده في حربه المدعاة على الإرهاب.
تشكلت داعش في العراق وامتدادها في سورية لم يقبل الانضواء تحت رايتها. وأسسوا جبهة النصرة التي أخذت شرعيتها من زعيم القاعدة وقتها أيمن الظواهري. وهكذا حصل تمدد في سورية من قبل داعش والنصرة على حساب المناطق التي حررها الجيش الحر من سيطرة النظام. وكانت أولوية حربهما معا ضد الجيش الحر. ولم يحاربوا النظام. وهكذا كان لداعش والنصرة الهيمنة على الميدان في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام. كان ذلك في عام ٢٠١٥م. أما ما بعد ذلك وعندما تدخلت روسيا لصالح النظام. والتحالف الدولي ضد داعش. فقد انحصر تواجد داعش وسيطرتها لتصبح الآن في عام ٢٠٢١م. مجموعات تعمل كخلايا نائمة في مناطق متفرقة خاصة في الصحراء بين سورية والعراق. اما جبهة النصرة فقد استطاعت ان تكون المسيطرة على ادلب وبعض ريف حلب وريف حماة. وتم الزام النظام والزامها في وقف اطلاق نار برعاية تركية روسية.
كما تحدث الكتاب عن جيش الإسلام الذي سيطر في دوما في فترة ثم حصل الحصار والتدمير والتجويع لينتهي جيش الاسلام خارج الغوطة مستقرا الى الشمال السوري في المناطق المحررة.
وذكر جيش الفتح التشكيل الموسع من الجيش الحر الذي قاد عمليات تحرير معمل القرميد وغيره…
ثالثا: ال ب ي د فرع حزب العمال الكردستاني في سورية.
ال ب ي د وهو حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي وهو الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني. الحزب ذي الاجندة الانفصالية. والذي نشأ منذ ثمانينات القرن الماضي وعمل ضد الدولة التركية. كان تحت رعاية النظام السوري. حيث اعاد النظام دعمه وتسليمه مناطق التواجد الكردي في الشمال الشرقي لسورية. ليكونوا ضد حراك الثورة السورية التي شارك بها كل مكونات الشعب السوري. والدور القمعي الذي قاموا به ضد الكرد والعرب المنتمين للثورة. وكيف كانوا اداة بيد التحالف الدولي في حربه ضد داعش. وتطور الدور المناط بهم من قبل أمريكا حيث يسيطرون الآن على ما يقارب ثلث سورية شرق الفرات والشمال الشرقي لسورية. وشكلوا ما اسموه الإدارة الذاتية روج آفا كردستان الغربية ، يقصدون اقليما كرديا لهم في سورية. ويعملون للتغيير الديمغرافي بطرد العرب من بلداتهم وجرف قراهم وترحيلهم. كما يضطهدوا الأكراد المختلفين معهم. إنهم يتصرفون بمنطق الدولة فيصنعون دستورا كرديا وبرلمان كردي. وحكومة تنفيذية منهم. مع العلم انهم يستثمرون النفط السوري المتواجد شرق الفرات وفي مناطقهم. اضافة للاستثمار الزراعي في أخصب مناطق سورية التي تقع تحت سيطرتهم. كل ذلك تحت الرعاية والدعم الأمريكي الكامل.
- الخاتمة.
يختم الكتاب بالعودة إلى قضية المعتقلين والمشردين والمسجونين وحقوق الانسان المهدورة والظروف الحياتية القاسية التي يعيش بها الشعب السوري.
في تعقيبنا على الكتاب نقول:
إن الكتاب وثيقة مهمة من منظمة معتبرة ولها حضورها وصدقيّتها. ونحن حاولنا في قراءة الكتاب ان نغطي النقص في المعلومات للمرحلة الفاصلة بين طباعة الكتاب ٢٠١٦م والآن ونحن في عام ٢٠٢١م .
كما أن هناك نقطة استوقفتنا في توصيف النظام. وهي عدم الاشارة الى اعتماد النظام منذ عهد حافظ الأسد على استثمار الطائفة العلوية في بنية الجيش والأمن وشبكات الهيمنة في الدولة والمجتمع. شبكات الفساد والمحسوبية والاستغلال… لأنه لا يكفي أن يقال إن حافظ الأسد وابنه بعده كانوا مهيمنين عبر قانون الطوارئ والمادة الثامنة من الدستور، الذي يجعل السلطة مطلقة لحزب البعث، الذي هو مجرد واجهة جوفاء لا تملك أي قوة وسلطة. بل الحق ان يقال إن بنية السلطة؛ الجيش الذي يصل الى مليون شخص مثلهم أمن وشرطة، حيث الاغلبية العظمى من قادتهم من الطائفة العلوية المرتبطة مع حافظ الأسد وابنه وعائلته بشبكة عائلية مصلحية ممتدة لكل مناحي الحياة السورية.
نعم ان الكتاب وثيقة مهمة تضاف الى غيرها من الكتب والروايات والشهادات التي توثق لثورة الشعب السوري وما عاناه من مظلومية وما قدمه من تضحيات للحصول على حقوقه الانسانية بالحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية والحياة الأفضل.