كلما يؤول الوضع الميداني إلى الهدوء في إدلب ومحيطها، أي “منطقة خفض التصعيد الرابعة”، شمال غربي سورية، يسعى النظام وحلفاؤه لكسر هذا الهدوء؛ سواء من خلال القصف أو محاولات التقدم المتكررة على خطوط التماس. بيد أن عودة قوات النظام لقصف مدينة أريحا، جنوب غربي إدلب، أول من أمس الخميس، باستهداف الأحياء السكنية فيها، تشير إلى إبقاء النظام على نيته في الوصول إلى المدينة للسيطرة على طريق حلب – اللاذقية الدولي “أم 4” المار بالقرب منها. كما أنّ محاولات تقدم قوات النظام وحلفائها، أول من أمس، على محورين بالريف الغربي من حماة، التابع لـ”منطقة خفض التصعيد”، باتت تزيد المخاوف من احتمال شنّ هذه القوات لهجوم، قد يكون محدوداً مبدئياً، للسيطرة على الجزء المتبقي تحت سيطرة المعارضة من ريف حماة الغربي، بمحاذاة الريف الجنوبي من إدلب. وهنا تبرز مخاوف مشروعة، من استغلال النظام لانشغال واشنطن بتداول السلطة، وقضم مزيدٍ من المساحات في إدلب ومحيطها. إذ كان مسؤولون في الإدارة الأميركية السابقة حذروا النظام من تجديد عملياته العسكرية في إدلب، بعد إبرام اتفاق وقف إطلاق النار في المحافظة بين روسيا وتركيا في مارس/آذار من العام الماضي، ملوحين بدعم خيارات أنقرة لمواجهة قوات الأسد هناك.
وقتل مدنيان وجرح آخر، أول من أمس الخميس، بقصف طاول الأحياء السكنية في مدينة أريحا، ومصدره مدفعية قوات النظام في مواقع قريبة من المدينة. ويأتي ذلك بعد أشهر لم تتعرض خلالها المدينة المكتظة بالسكان، من أهلها أو النازحين والمهجرين إليها، للاستهداف، بعدما كانت قبل ذلك تحت قصف قوات النظام بشكل مستمر. ويأتي ذلك بالتزامن مع تلويح مسؤولين من النظام بنية الأخير الوصول إلى أريحا، سلماً أو حرباً، وذلك للوقوف على طريق “أم 4” بالقرب منها. إذ يشدد النظام وحلفاؤه الروس في مفاوضاتهم مع الجانب التركي، على الوصول إلى الطريق الدولي بغية فتحه أمام الحركة التجارية، وتخفيف الأعباء الاقتصادية التي يعانيها النظام.
وأشار مسؤولون من النظام في مناسبات عدة، إلى أن الاتفاقات بين موسكو وأنقرة حول إدلب، تقضي بتسليم كامل المنطقة المتبقية من المحافظة جنوب طريق حلب-اللاذقية للنظام وروسيا. بيد أنّ تركيا لم تؤكد ذلك بشكل رسمي، كما أنها عززت وجودها جنوب الطريق إلى حد كبير خلال الأشهر الماضية، ولا سيما عند محاور جبل الزاوية، وأنشأت حزاماً دفاعياً كبيراً، من خلال العديد من نقاط التمركز العسكرية، المواجهة لقوات النظام وحلفائها من المليشيات المدعومة من روسيا وإيران، على خطوط التماس.
في السياق ذاته، تصدت قوات المعارضة لمحاولتي تقدم في الريف الغربي من حماة، ليل الخميس- الجمعة، تحديداً عند محوري العنكاوي وحلوبة بالقرب من سهل الغاب. إذ أشارت المعارضة إلى أنّ قوات النظام وحلفاءها، خسرت خمسة من عناصرها خلال محاولة تقدم فاشلة على محور العنكاوي، تصدت لها فصائل المعارضة السورية بالأسلحة الثقيلة والرشاشات. ولفتت مصادر عسكرية من المعارضة على الأرض، إلى أنّ القوات المهاجمة عاودت التقدم على محور الحلوبة القريب من العنكاوي، لسحب جثث القتلى، بالتزامن مع غطاء ناري كثيف اتجاه نقاط المعارضة على خطوط التماس، ما أدى لإصابة 3 من عناصر الفصائل.
وأكد النقيب ناجي مصطفى، المتحدث باسم “الجبهة الوطنية للتحرير”، أبرز تشكيلات المعارضة المقاتلة في إدلب والمدعومة من تركيا، أنّ “محاولتي قوات النظام وحلفائها للتقدم بريف حماة الغربي، لم تسفرا عن أي سيطرة ميدانية لصالح القوات المهاجمة”، مشيراً إلى “تكبيد الأخيرة خسائر في الأرواح والعتاد”. وأشار مصطفى في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أنّ “عمليات القصف ومحاولات التسلل والتقدم، لم تتوقف منذ إبرام إتفاق وقف إطلاق النار بين روسيا وتركيا حول إدلب في مارس الماضي”، منوهاً إلى “تصدي المعارضة لكل تلك المحاولات والرد على عمليات القصف”.
وحول القصف الذي أوقع ضحايا بين المدنيين في أريحا، أكد مصطفى أنّ “الفصائل ردّت على هذا القصف باستهداف مصادر النيران والنقاط التي خرجت منها القذائف”، مشيراً إلى “تكبيد القوات في تلك النقاط خسائر فادحة”.
وعن الاحتمالات الواردة بعد محاولتي التقدم بريف حماة، قال المتحدث نفسه، إنّ “الاحتمالات كلها واردة، من بينها عودة العمليات العسكرية بشكل أوسع، لا سيما في ظل غياب الثقة بالتزامات الجانب الروسي، الضامن للنظام بالاتفاقات مع تركيا”، مشيراً إلى “استعداد فصائل المعارضة للاحتمالات كلها عبر رفع الجاهزية بشكل دائم، وتحسين قدرات المقاتلين من خلال معسكرات التدريب الدائمة، والتدريب على صد الهجمات؛ سواء الليلية أو النهارية وفي الأحوال الجوية المختلفة على كل محاور القتال”.
ويبدو أنّ تركيا باتت تتحسس خطر تعجيل النظام وحلفائه بشن عمل عسكري؛ محدود أو واسع، جنوبي إدلب وغرب حماة. إذ كانت قوة من الجيش التركي استطلعت قبل حوالي أسبوع، موقعاً في بلدة قسطون غربي حماة. وأشارت مصادر مقربة من المعارضة المتحالفة مع الجيش التركي، حينها لـ”العربي الجديد”، إلى أن الهدف من الاستطلاع إنشاء نقطة أو نقاط للجيش التركي بريف حماة الغربي المتبقي مع المعارضة. لكن إلى الآن، لم تثبّت القوات التركية أي نقاط جديدة بريف حماة، في حين ركز الجيش التركي في الفترة الماضية على إنشاء حزام دفاعي من خلال نقاط تمركز أمام مواقع ونقاط قوات النظام وحلفائها، جنوبي وشرق إدلب، استعداداً لصد هجمات محتملة. وأشارت مصادر عسكرية، إلى أنّ هذا الحزام قد تكون له مهام هجومية في الفترة المقبلة.
من جهته، قال القيادي في المعارضة السورية، العقيد مصطفى بكور، إنه “لا شك في أن النظام وحلفاءه يسعون إلى السيطرة على ما تبقى من المساحات التي تسيطر عليها المعارضة، وبالتالي يحاولون خلق حالة من عدم الاستقرار في مناطق ريف إدلب وريف حماة المستهدفة، لمنع عودة الأهالي المهجرين إليها، وبالتالي استمرار الضغط على الحاضنة الشعبية للثورة من خلال مواصلة التهجير”. وعبّر بكور عن اعتقاده، في حديث مع “العربي الجديد”، بأنّ “عملية التسلل على ريف حماة الغربي، تأتي في إطار محاولة النظام اكتشاف نقاط الضعف في رباط الثوار، وإضعاف الروح المعنوية لهم وخلق شعور لديهم بأنه قادر على الوصول إليهم وقتلهم في الوقت والمكان اللذين يختارهما هو، وهذا يأتي في إطار الحرب النفسية والمعنوية التي يديرها الروس بحرفية عالية”.
وتابع البكور “أما القصف على أريحا، فأعتقد أنه يأتي مع بداية المنخفض الجوي، إذ إنّ الأوضاع الجوية ستصبح صعبة، وذلك للضغط على سكان أريحا، أكبر المدن في ريف إدلب الجنوبي التي لا تزال مسكونة، وخلق حالة إنسانية سيئة تشكل ضغطاً على الفصائل والأتراك، وتحرّض المدنيين ضدهم”. وأشار إلى أنّ “خيارات المواجهة في أي وقت لا تزال مفتوحة، خصوصاً أن المواجهة العسكرية وتحقيق تقدم على الأرض، يمثلان الحل الوحيد الذي يمكن أن يستخدمه النظام لكبت تذمر الموالين من الحالة المعيشية الصعبة في مناطق سيطرته”.
وحول الفرضية التي تشير إلى استغلال النظام وحلفائه الروس والإيرانيين، انشغال الولايات المتحدة عن دعم خيارات تركيا في إدلب، بتداول السلطة في واشنطن، وشن عمل عسكري في المحافظة وقضم مزيد من المساحات، أشار البكور إلى أنّ “النظام والروس يحاولون استغلال أي عامل لتحقيق مكاسب على الأرض، وأرى أن الأتراك لم يعد لديهم خيار إلا المواجهة، وما زال لدي اعتقاد بأنّ منطقة جنوب طريق أم 4، خاضعة للمفاوضات، ويمكن للأتراك التنازل عنها مقابل مكسب كبير في ملف آخر”.
المصدر: العربي الجديد