تصاعدت وتيرة الاغتيالات والهجمات في مدينة درعا جنوبي سورية في الأسابيع الأخيرة على نحو لافت، حتى باتت شبه يومية، تزامناً مع محاولة قوات النظام بمؤازرة روسية إحكام سيطرتها على كامل مناطق المحافظة، وسط اتهامات ومؤشرات تفيد بضلوع أجهزة النظام الأمنية بدور كبير في الفوضى الأمنية التي تعيشها المحافظة. وفي آخر هذه الحوادث، اغتال مجهولون عنصراً من فصائل المصالحات بدرعا أول من أمس الخميس، بعد ساعات على مقتل اثنين آخرين برصاص مجهولين. واغتيل أيضاً مسؤول تسليح فصائل المعارضة في غرفة عمليات “الموك” السابقة بعد عودته من الأردن إلى محافظة درعا، إثر وعود تلقاها من قبل قوات النظام ولجان المصالحات والتسويات بعدم التعرض له من قبل أجهزة النظام الأمنية. وحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، فإن عدد الهجمات ومحاولات الاغتيال عبر تفجير عبوات وألغام وآليات مفخخة وإطلاق نار خلال الفترة الممتدة منذ يونيو/حزيران الماضي وحتى شهر مارس/آذار الحالي، زاد عن 353 عملية، قُتل فيها 213 شخصاً، بينهم 45 مدنياً، و113 من قوات النظام والمسلحين الموالين لها والمتعاونين مع قوات الأمن، و39 من مقاتلي الفصائل ممن أجروا “تسويات ومصالحات”، وباتوا في صفوف أجهزة النظام الأمنية من بينهم قادة سابقون، و16 من المليشيات السورية التابعة لحزب الله اللبناني والقوات الإيرانية.
من جهته، وثّق “تجمّع أحرار حوران” خلال شهر فبراير/شباط الماضي 37 عملية ومحاولة اغتيال في محافظة درعا، أسفرت عن مقتل 26 شخصاً وإصابة 12 آخرين، فيما نجا 8 أشخاص من محاولات الاغتيال. وترافقت عمليات الاغتيال، التي تسجل عادة ضد مجهولين، مع هجمات ومواجهات بين الأهالي ومقاتلي المعارضة السابقين من جهة، وقوات النظام وأجهزته الأمنية من جهة أخرى، أدت في بعض الحالات، كما حصل في مدينة الصنمين شمالي درعا في 5 مارس الحالي، إلى تهجير دفعة جديدة من المقاتلين الرافضين للتسوية باتجاه الشمال السوري. ومع هذا التصعيد في التوتر، دخل الروس مجدداً على الخط في محاولة لتهدئة الوضع ومساعدة النظام على فرض سيطرته في المحافظة. ووصل لهذا الغرض وفد روسي، يوم الأربعاء الماضي، إلى مدينة طفس في ريف درعا الغربي، وعقد اجتماعاً مع الأشخاص المعنيين بمتابعة أوضاع المدينة من مدنيين وعسكريين، والخاضعين لاتفاق التسوية والمصالحة، وذلك بعد هجمات متكررة في الأيام الأخيرة على حاجز التابلين والمنطقة المحيطة بمدينة طفس، وسط اتهامات من جانب الأهالي لمخابرات النظام بأنها هي من تقوم بهذه الهجمات على الحواجز بغية تطبيق اتفاق تسوية وسحب ما تبقى من السلاح مع عناصر الفصائل المعارضة السابقين.
وذكرت وسائل إعلام مقرّبة من النظام، أن مسؤول الملف الأمني في درعا التابع لقوات النظام اللواء، حسام لوقا، عقد اجتماعاً مع الوفد الروسي، قدّم خلاله طرحاً للسيطرة على المناطق التي وصفها بـ”المتمردة” من أجل إنهاء الوجود المسلّح في الجنوب. وهو ما وافق عليه الجانب الروسي.
وفي إطار هذه الجهود التي تقوم بها قوات النظام لإحكام سيطرتها على المحافظة، استقدمت تلك القوات في العاشر من الشهر الحالي تعزيزات عسكرية إلى محيط مدينة جاسم بريف درعا. ونصبت مدافع ثقيلة على تل مطوق وتل أم حوران، فيما تم استدعاء عشرات الوجهاء من مدينة جاسم وريفها، وأنذرتهم بوجوب تسليم السلاح الموجود في المنطقة، ومنحتهم مهلة عشرة أيام حتى يتم تسليم السلاح أو اقتحام المدينة، رغم توقيعهم على “تسويات” سابقة تنصّ على احتفاظهم بالسلاح الخفيف.
ويعد ذلك محاولة من قوات النظام لتكرار ما حدث في مدينة الصنمين المجاورة قبل أيام، حين تم اقتحام المدينة والسيطرة عليها بالكامل، وترحيل 21 مسلحاً من المعارضين للتسوية إلى الشمال السوري، إضافة إلى تسوية أوضاع الراغبين بالبقاء في محافظة درعا. ولم تدخل مدينة الصنمين في المصالحات وتسوية الأوضاع للمقاتلين فيها قبل ذلك، لأن قوات النظام سيطرت عليها قبل أن تتم صفقة المصالحات برعاية روسية.
وفي الإطار ذاته، شنّ مجهولون هجوماً على مراكز لقوات النظام السوري في مدينة داعل شمالي درعا، استخدموا فيه الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، واستهدف الهجوم حواجز تابعة للمخابرات الجوية غربي المدينة، ما ينذر بتكرار سيناريو الصنمين وجاسم. وكانت قوات النظام دخلت داعل في 30 يونيو 2018، بعد سيطرتها على المناطق الشرقية من دون مفاوضات أو عمليات عسكرية، ما أدى إلى فرض النظام شروطه على أهاليها، خلافاً للمناطق التي دخلت بنطاق “التسوية” من خلال الضامن الروسي. وأعاد النظام فتح الدوائر الأمنية والعسكرية وقطاع الشرطة والأمن الجنائي في المدينة، وقطع أوصال المدينة عبر حواجزه الأمنية.
في السياق، قال الناشط عمر الحوراني لـ”العربي الجديد” إن قوات النظام تضع داعل على أجندتها للسيطرة عليها، خصوصاً بعد أن شارك أبناء المدينة وعناصر من فصائل المعارضة السورية سابقاً بالتحركات ضد قوات النظام، رداً على اقتحام الأخيرة مدينة الصنمين، فاستولى عناصر الفصائل على حاجز التابلين التابع للمخابرات الجوية الواقع بين مدينتي داعل وطفس. واعتبر الحوراني أن بقية المناطق لن تكون في متناول النظام بالسهولة نفسها التي سيطر فيها على الصنمين، لأن المقاتلين هناك كانوا في الأساس في منطقة محاصرة من كل الاتجاهات، كما أن المدينة لم تشهد سابقاً أية معارك ضد النظام، بينما بقية المناطق مثل درعا البلد وطفس والمزيريب وحوض اليرموك كانت سابقاً تحت سيطرة الفصائل وهي مناطق غير محاصرة، وحركة المقاتلين فيها حرة إلى حد بعيد، والدليل على ذلك سيطرتهم بسهولة نسبياً على حواجز النظام بين القرى وأسر عناصره، في التطورات الأخيرة.
وإضافة إلى خطط النظام للسيطرة على مجمل مناطق المحافظة خلافاً لاتفاقات التسوية مع كل منطقة التي سمحت باحتفاظ المقاتلين بالسلاح الخفيف، وعدم دخول قوات النظام وأجهزته الأمنية إلى داخل المدن، تتصارع العديد من القوى في درعا، بعضها محسوب على المعارضة، مع مهاجمة عناصر الفصائل في بعض الأحيان مواقع للنظام رداً على الاعتقالات وعمليات الخطف. في المقابل، اتبع النظام سياسة الاغتيالات والخطف في المناطق التي لا يستطيع تنفيذ مداهمات مباشرة، والقبض على المطلوبين، معتمداً أحياناً على بعض عناصر “داعش” ممن انضموا له لاحقاً.
بدوره، أشار الصحافي المقيم في درعا، محمد الشلبي في حديث لـ”العربي الجديد”، إلى احتدام الصراع بين الفروع الأمنية التابعة للنظام، في ظلّ عمل الأمن العسكري لصالح روسيا، والمخابرات الجوية لصالح إيران. لكنه أضاف أن نفوذ إيران أوسع من ذلك، مع انتشار مليشياتها في المنطقة، إضافة إلى عمل “الفرقة الرابعة” في درعا تحت رعاية غياث دلا المقرّب من إيران. ولفت الشلبي إلى أن الريف الشرقي في درعا واقع تحت سيطرة الفيلق الخامس الذي يحظى برعاية روسية وتتمتع مناطقه بخدمات أفضل وحالة أمنية مستقرة مقارنة مع بقية المناطق، أما في أحياء درعا البلد، طريق السد، مخيم درعا، ونصيب التي لم تدخلها قوات النظام حتى الآن، فتقوم لجنة المفاوضات المركزية بدور الوساطة لكن فعاليتها ضعيفة، والنظام لا يستجيب عادة لمطالبها والخدمات سيئة في هذه المناطق، لذلك تكثر فيها الاحتجاجات الشعبية والمبادرات المدنية للتعويض عن تقصير النظام. أما النموذج الثالث فيتمثل في المنطقة الغربية التي تشهد غياب أي وسطاء بين السكان والنظام، وتعد أكثر المناطق توتراً وتنافساً بين قوات النظام وحلفائه والأسوأ على صعيد الخدمات.
وكان الضابط المنشق جميل أبو عبدو رأى في تصريح لـ”العربي الجديد”، أن كل جهاز أمني في الجنوب السوري يعمل لحسابه الخاص، وليس لحساب النظام، معتبراً أن النظام أُرغم على المصالحة في الجنوب من جانب روسيا. وأضاف أن النظام بشكل عام لا يريد استقرار الجنوب على الطريقة الروسية، بل يريد أن تطلق يده هناك، كما كانت قبل الثورة، لاعتقال من يشاء وفعل ما يريد من دون مساءلة من أحد، مشيراً إلى أن روسيا تسعى إلى تأهيل الفيلق الخامس شرق درعا ليكون قوة عسكرية وأمنية منظمة، وليس ثورية.
واعتبر الضابط المنشق أن “الأمن العسكري في الجنوب بقيادة العقيد لؤي العلي، المدعوم من إيران، هو المسؤول الأول عن معظم عمليات الاغتيال وحالة عدم الاستقرار، وهو في شراكة مع تجار المخدرات والعقارات والأسلحة، والكثير من أنشطته هدفها تحقيق مكاسب شخصية لرئيس وضباط الفرع، وشركائهم في دمشق. ويضاف إلى الأمن العسكري الفرقة الرابعة المدعومة من إيران أيضاً، والمخابرات الجوية، فضلاً عن الحرس الثوري الإيراني وحزب الله”. وأوضح أن هذه هي الجهات التي تخطط للاغتيالات، والمنفذون غالباً ما تكون من عناصر فصائل التسويات الذين يعملون لصالح هذه الجهات، منوّهاً إلى أنه أحياناً تتداخل أنشطة هذه الجهات وتعمل ضد بعضها البعض، نتيجة حالة التنافس فيما بينها.
المصدر: العربي الجديد