زياد الرحباني… المبدع المشاغب

أسامة الحويج العمر

بغض النظر عن موقفه المخزي وغير المشرف من الثورة السورية، الاهتمام الانفجاري العظيم في كل مكان بخبر وفاة الفنان زياد الرحباني يستدعي إلى الذاكرة فورا المأساة الخالدة الأزلية التي يعاني منها الغالبية العظمى من المبدعين : التقدير الحقيقي الذي لا يأتي الا بعد الرحيل.
عندما كنت أشاهد بعض حفلاته المسجلة كنت اتفاجأ بالألفاظ النابية الخارجة عن الحياء التي كان يتلفظ بها أمام جمهوره العريض الذي يعد بالآلاف ، لكنني كنت أغبطه فيما بعد على جرأته وشجاعته في أن يكون زياد الحقيقي تماما كما هو دون أية رتوش أو عمليات تجميل سلوكية ، وربما كان هذا الصدق والاخلاص في التعامل مع الذات ومع الآخرين هو مازاد من محبة الناس به وقربه إليهم أكثر ، ثم ما المانع من التلفظ بالكلمات النابية بين الحين والآخر في عالم قذر غارق بالبذاءة والانحطاط والدناءة عن آخره؟
في مقابلة أجراها الراحل الكبير مع إحدى القنوات التلفزيونية منذ سنوات قليلة صرح بأنه يحاول العثور على سيدة بقصد الزواج عن طريق مواقع التعارف على شبكة الإنترنت لكن جميع محاولاته باءت بالفشل.
معظم ماقاله هذا المبدع الكبير من تعليقات على الواقع العربي المفجع والفاضح يرقى لمستوى الحكم والأقوال البليغة ، كل أعماله الفنية والمسرحية كانت مكتوبة بمداد الكوميديا السوداء والمرارة التي لا ترحم والقرف من كل ماهو مزيف وفاسد… السياسة…. العلاقات الإجتماعية…. الظلم….الفقر…. نفاق الأصدقاء ، نظراته الحزينة وتعابير وجهه المحبطة في جميع لقاءاته كانت تشي بشيء واحد : ما الفائدة إذا كنت موهوبا ومشهورا لكنك مقهور مهزوم في حياتك الشخصية؟
لعل روح زياد تضحك الآن بصوت عال ضحكة شديدة المرارة وهي ترى فيضانات العشق والهيام والتقدير التي انتظرت رحيله لتنهمر عليه… ضحكة لن يتمكن أحد من سماعها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى