
كشفت اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب في سوريا تفاصيل النظام الانتخابي المؤقت، والآلية التي ستعتمدها البلاد في أول استحقاق نيابي بعد سقوط نظام الأسد، مشيرة إلى أن الانتخابات ستجري بين 15 و20 من أيلول المقبل، وسط إجراءات استثنائية تراعي ظروف المرحلة الانتقالية وتعقيدات الواقع السكاني والإداري. ووفقاً لمحمد طه الأحمد، رئيس اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب، فإن عدد المقاعد في مجلس الشعب قد ارتفع من 150 مقعداً إلى 210 مقاعد.
وفي لقاء خاص عبر برنامج “سوريا اليوم” على شاشة تلفزيون سوريا، استعرض ثلاثة من مسؤولي اللجنة—الدكتور نوار نجمة، المتحدث باسم اللجنة، والدكتور محمد ياسين، نائب رئيس اللجنة، وحسن دغيم، مسؤول التواصل الجماهيري—أبرز ملامح العملية الانتخابية، وأهدافها، والتحديات المرتبطة بها.
فلسفة النظام الانتخابي المؤقت وآليته:
أوضح الدكتور نوار نجمة، المتحدث باسم لجنة انتخابات مجلس الشعب، أن النظام الانتخابي المعتمد ليس انتخابات مباشرة لجميع المواطنين، بل يمثل “حالة من المشاركة بين الاختيار والانتخاب”. وأشار إلى أن الظروف اللوجستية الراهنة في سوريا، كغياب الأوراق الثبوتية وتغييرات ديموغرافية كبيرة ووجود عدد كبير من اللاجئين، تجعل من شبه المستحيل إجراء انتخابات مباشرة بطريقة صحيحة. لذلك، تم اللجوء إلى آلية “متبعة في جزء من دول العالم” تقوم على تشكيل لجان فرعية تُشكل هيئات ناخبة، وتُجرى ضمنها العملية الانتخابية.
معايير اختيار اللجان والهيئات الناخبة:
تحدث الدكتور محمد ياسين، نائب رئيس لجنة انتخابات مجلس الشعب، عن معايير واضحة لاختيار أعضاء اللجان الفرعية، التي ستتولى اختيار الهيئات الناخبة على مستوى كل منطقة من مناطق سوريا. وأشار إلى أن الدوائر الانتخابية في سوريا ستكون على عدد المناطق السورية، مع دمج أربع مناطق أخرى، ليصبح الإجمالي 60 دائرة انتخابية في عموم الأراضي السورية. وقد تم تقسيم المقاعد البالغ عددها 140 مقعداً (المخصصة للانتخاب) على هذه الدوائر بناءً على التعداد السكاني والتركيبة السكانية.
الهيئات الناخبة ستتألف من كل شخص سوري قيده في تلك المنطقة أو أثبت إقامته فيها لمدة خمس سنوات متوالية قبل عام 2011، حتى لو كان مقيماً حالياً خارج سوريا أو في محافظة أخرى. يبلغ عدد أعضاء الهيئات الناخبة نحو 7000 عضو على امتداد الأراضي السورية.
دور مجلس الشعب وصلاحياته:
فيما يتعلق بصلاحيات مجلس الشعب، أكد الدكتور نوار نجمة أنه سيكون “السلطة التشريعية لسوريا” التي يقع على عاتقها وضع القوانين والتشريعات ومراقبة عمل الحكومة والاستماع إلى هموم المواطنين. وشدد على أن أي قانون يصدر عن السلطة التنفيذية “لابد أن يقر في مجلس الشعب، وإذا لم يوافق مجلس الشعب على إقرار هذا التشريع أو القانون لا يصبح نافذاً”.
وأضاف الأستاذ حسن دغيم، مسؤول التواصل الجماهيري في لجنة انتخابات مجلس الشعب، أن مجلس الشعب يملك صلاحية إصدار القوانين، وعلى رئيس الجمهورية إصدارها بمرسوم. وإذا لم يصدر الرئيس القانون، فعليه أن يقدم تعليلاً لعدم إصداره، ثم يُرد إلى مجلس الشعب. وإذا أجمع عليه ثلثا أعضاء مجلس الشعب، يُنفذ قانوناً “ولو مع اعتراض رئيس الجمهورية”، وهذا ما يميزه عن مجالس الشورى أو الهيئات الاستشارية.
ضمانات الاستقلالية والتمثيل:
لضمان استقلالية مجلس الشعب، أوضح الدكتور نوار نجمة أن الرئيس الشرع، ورغم تعيينه لثلث الأعضاء، “لا يعطي الحق لأي جهة في السلطة التنفيذية بعزل أحد هؤلاء الأعضاء” بمجرد اختيارهم أو انتخابهم. فمجلس الشعب ذاته هو من يملك صلاحية عزل أعضائه بموافقة ثلثي الأعضاء. كما يتمتع عضو مجلس الشعب بـ “الحصانة البرلمانية” التي تحميه من المساءلة أمام السلطة التنفيذية.
وبخصوص تمثيل جميع الشرائح، أشار الدكتور محمد ياسين إلى أن رئيس الجمهورية فضل أن يتم اختيار أعضاء مجلس الشعب “بانتخاب الممكن وبمشاركة الشعبية الممكنة عبر الفرز المجتمعي”، مع توليه تعيين الثلث لضمان التمثيل العادل والكفاءة. الهدف من تعيين الرئيس لـ 70 عضواً هو “تعويض الخلل في التمثيل سواء للمكونات أو للمرأة أو لذوي الإعاقة”، وأيضاً لإضافة شخصيات ذات كفاءة عالية قد لا يتم اختيارها عبر الهيئات الناخبة.
القضاء والطعون الانتخابية:
لضمان نزاهة العملية، أشار الدكتور محمد ياسين إلى تشكيل “لجان طعون” في كل محافظة، تتألف من ثلاثة قضاة تنتدبهم وزارة العدل. هذه اللجان ستتولى الطعن في ثلاثة مستويات: تعيين أعضاء اللجنة الفرعية، اختيار أعضاء الهيئة الناخبة، ونتائج الانتخابات. وأشار الأستاذ حسن دغيم إلى أن المؤسسة القضائية موجودة وتعمل الدولة على إصلاحها، وأن هذا الاستحقاق الانتخابي سيعطي الشرعية لإصلاح وبناء المؤسسات.
تحديات تمثيل المناطق الخارجة عن السيطرة:
أكد الدكتور محمد ياسين على أن “كل منطقة سورية وكل بقعة من سوريا الحبيبة لها حصتها في تمثيل مجلس الشعب”. ورغم وجود مناطق خارجة عن سيطرة الدولة حالياً مثل السويداء وشمال شرقي سوريا (مناطق قسد)، فإن اللجنة تحرص على أن تكون الانتخابات “في كل محافظاتنا الحبيبة بنفس الطريقة”. وسيتم انتظار المستجدات السياسية لتحديد آلية إجراء الانتخابات في تلك المناطق، مؤكداً أن “حصتهم مضمونة”. الأستاذ حسن دغيم أكد أن الاتصالات جارية مع أهالي تلك المناطق، رغم وجود “سلطة أمر واقع فصائل عسكرية مرتبطة بتيار كهنوتي مستقوي بالعدو الإسرائيلي” ترفض الانخراط.
أولويات مجلس الشعب القادم:
يرى الدكتور نوار نجمة أن الأولوية الأولى لمجلس الشعب هي “المهمة التشريعية”، حيث تواجه الدولة حالياً “حالة عجز تشريعي”. فهناك حاجة ماسة لإلغاء وتعديل واشتراع قوانين جديدة تتناسب مع الواقع الراهن، خاصة في ظل التحولات الاقتصادية والعسكرية والتحالفات الدولية. وأكد الدكتور محمد ياسين أن وزراء كثيرين يشتكون من قوانين تحتاج إلى تعديل، وأن بناء الدولة يحتاج إلى “ثورة تشريعية” تتفق مع عقلية السوريين بعد سقوط النظام.
الولاء والكفاءة:
عند التطرق إلى مسألة الولاء مقابل الكفاءة، أكد الدكتور نوار نجمة أن النظام الجديد لن يكرر نماذج سابقة لأن آلية تشكيل الهيئات الناخبة تجعل من المستحيل ألا يكون هناك تنوع كامل. وأوضح أن الشرط الوحيد لاستبعاد عضو الهيئة الناخبة هو أن يكون “مؤيداً للنظام البائد”، فيما عدا ذلك، يُعتمد مبدأ تكافؤ الفرص والكفاءة من كل الشرائح.
ختاماً، أكد الدكتور محمد ياسين أن كل ما يتم حالياً هو “عمل في مرحلة مؤقتة”، وأن هذا “مجلس تشريعي مؤقت” يهدف إلى “الوصول إلى الدولة الطبيعية والمجلس التشريعي الدائم والدستور الدائم”. هذا الجهد الإبداعي، كما وصفه الدكتور محمد ياسين، هو مزيج بين الحالة القانونية الطبيعية وواقع الثورة، ويسعى لإنتاج مجلس شعب متخصص وشفاف ومستقل.
المصدر: تلفزيون سوريا