في ظل الجمود في المسار السياسي والفشل حتى الآن في التوصل إلى اتفاق بين روسيا وتركيا حول وقف إطلاق النار في إدلب، بالتزامن مع تصاعد الأوضاع عسكرياً على الأرض ودخولها مرحلة خطيرة، وإطلاق تركيا تهديدات غير مسبوقة ضد النظام السوري، تبرز ثلاثة سيناريوهات لمستقبل الجهود السياسية والعسكرية التركية التي تهدف إلى وقف هجوم النظام على إدلب وإعادته إلى حدود تفاهمات سوتشي.
ورغم التصعيد غير المسبوق الذي وصلت إليه الأوضاع ميدانياً في إدلب، ومقتل 14 جندياً تركيا في هجمات للنظام السوري بغطاء وربما تنفيذ روسي كما تتهم جهات تركية، فإن أنقرة ما زالت تضع على رأس أولوياتها إمكانية التوصل إلى صيغة ما لوقف إطلاق النار والتفاهم مع روسيا على إدارة المرحلة المقبلة في إدلب، وتجنب الدخول في مواجهة عسكرية أوسع مع النظام ربما تمتد للصدام مع روسيا بشكل غير محسوب.
وعلى جولتين، جرت مباحثات لساعات مطولة بين وفد دبلوماسي وعسكري روسي مع مسؤولين أتراك في العاصمة أنقرة، وعقب فشل الطرفين في التوصل إلى صيغة للحل، جرى اتصال هاتفي بين الرئيس التركي رجب طيب اردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، الأربعاء، بدون الإعلان عن التوصل لأي تفاهمات جديدة باستثناء التأكيد على ضرورة استمرار الاتصالات للتوصل إلى حل.
ويبدو أن أبرز ما اتفق عليه اردوغان وبوتين هو إرسال وفد تركي إلى موسكو خلال الأيام المقبلة حسب ما أعلن وزير الخارجية التركي مولود جاوش اوغلو، الأربعاء، فيما قال اردوغان إن الوفد سيكون من الخارجية والدفاع والاستخبارات التركية، ولا يعرف إن كان سيؤلف على مستوى الوزراء أم الممثلين.
وفي حال نجح الجانبان التركي والروسي في التوصل إلى اتفاق جديد، فإنه سيكون عبارة عن آليات لتنفيذ تفاهمات سوتشي أو نسخة معدلة منها وذلك بالتوافق على إعادة رسم حدود المنطقة بالتوافق أو الإبقاء عليها مع تسيير دوريات روسية مشتركة والتوافق حول الإشراف على الطرق الدولية ومحاربة التنظيمات المصنفة إرهابية في إدلب، وهو سيناريو رغم صعوبته إلا أنه يبقى قائماً في ظل المخاطر الكبرى التي تحف أي مغامرة عسكرية بمواجهة واسعة بين جيوش تركيا وروسيا وسوريا.
ومع فشل المباحثات السياسية مع روسيا، والتقدم السريع للنظام السوري في اتجاه وسط إدلب، أرسلت تركيا تعزيزات عسكرية غير مسبوقة إلى إدلب، وصلت إلى قرابة 2000 آلية عسكرية شملت دبابات وناقلات جنود وعربات مصفحة وآليات مختلفة، إلى جانب آلاف الجنود وعناصر القوات الخاصة «الكوماندوز»، وكل ما يلزم العمليات القتالية، وذلك بعدما لوح اردوغان بتنفيذ عملية عسكرية واسعة ضد النظام، قبل أن يمهل النظام حتى نهاية الشهر الجاري للانسحاب إلى حدود ما نصّت «سوتشي» أي خلف نقاط المراقبة التركية التي بات جزء منها محاصراً خلف مناطق النظام.
على الأرض، تشير التطورات إلى تغير حقيقي في التحركات التركية، فإلى جانب التعزيزات وأرقامها غير المسبوقة، أدخلت تركيا تعزيزات نوعية إلى قلب إدلب، كان أبرزها أنظمة التشويش على الطيران والمدفعية الثقيلة والقوات القتالية المتخصصة بالاقتحام وفرق الإسعاف وسلمت فصائل المعارضة السورية عشرات المدرعات التركية لاستخدامها في عمليات الاقتحام لاستعادة المناطق التي دخلها النظام في إدلب، كما فتح حادث إسقاط طائرة مروحية للنظام في إدلب، الثلاثاء، الباب واسعاً أمام السؤال حول ما إن كانت تركيا سلمت فصائل المعارضة صواريخ مضادة للطائرات لأول مرة منذ سنوات. ويعتقد أن أنقرة يمكن بالفعل أن تلجأ لهذه العملية من أجل الحفاظ على هيبة الجيش التركي، والرد بقوة على النظام الذي قتل 14 جندياً تركياً، وثقة الرأي العام بالتصريحات الرسمية، ولكن في حال الحصول على رسائل دعم أقوى من الولايات المتحدة وحلف الناتو بشكل عام.
والأربعاء، رد اردوغان على سؤال لصحافي حول ما إن كان خيار العملية العسكرية الواسعة ضد النظام السوري خياراً وارداً خلال الفترة المقبلة، فقال: «نحن نسير في هذا الاتجاه».
في ظل المخاطر السياسية والعسكرية التي يحملها أي توجه تركي للقيام بعملية عسكرية واسعة، وما يعني ذلك من الدخول في مواجهة واسعة مع النظام وروسيا، فإن تركيا يمكن أن تلجأ إلى ما يمكن اعتباره «حلاً وسطاً» عبر رسم حدود بمفردها وحمايتها بالطرق الممكنة كافة بدون المبادرة للهجوم ومحاولة استعادة المناطق التي سيطر عليها النظام، وبالتالي إمكانية لجوء الجيش التركي لسحب قواته من نقاط المراقبة المحاصرة والتي تعتبر نقطة ضعفه الأكبر حالياً.
وفي إطار هذا السيناريو، يمكن ان يعلن الجيش التركي منطقة بعمق معين كـ» منطقة آمنة» يتم تأمينها بأنظمة دفاعية وقوات على طول حدود هذه المنطقة تمنع تقدم النظام السوري نحوها، وتأمينها وتزويدها ببعض الخدمات لتكون قادرة على استيعاب النازحين وتحقيق الهدف التركي الأساسي من التدخل في إدلب وهو منع وصول النظام للحدود واجبار قرابة 3 ملايين سوري للفرار نحو الأراضي التركية.
المصدر: القدس العربي