أولا، القضية السورية في الطريق المسدود:
بعد ما يقرب من عشر سنوات من الصراعات الدموية داخل سورية وعليها، وما رافقها من حرب الإبادة والتغيير الديمغرافي، وما نجم عنها من انهيارات في الدولة والمجتمع والثقافة والخدمات الاجتماعية، ومن دمار العمران وتهجير ملايين البشر وإلحاقهم بمخيمات النزوح واللجوء، وأكثر من عقد للخروج بتسويةٍ، ولو على حساب تنازلات شعبية كبيرة، لا تزال القضية السورية في طريق مسدود، ولم ننجح في التقدّم خطوة واحدة على طريق حلها، بل إنها تزداد تعقيدا، مثلما يزداد الوضع تعفنا على جميع المستويات. والسبب هو، ببساطة، أننا خسرنا الحرب، لكن النظام لم يربح شيئا، ولكنه غرق في الدماء التي سفكها، وسوف يزداد غرقا كلما تقدّم الزمن، ولا يملك أي مخرج بديل للمخرج الذي يسعى، هو وجميع حلفائه، لتجنبه، أي السقوط الحر في هاوية الفوضى والخراب والعذاب التي لا قعر لها.
والقضية التي نتحدث عنها ليست معجزة. إنها، ببساطة، التغيير السياسي، والانتقال من حكم الأسرة والعشيرة والمافيا، الذي فقد مرتكزاته الداخلية تماما بعد ثورة السوريين، إلى حكمٍ يخضع لإرادة الشعب، بالمعنى المتعارف عليه، والمعبّر عنه بصندوق الاقتراع، كما أصبح عليه معيار الحكم الصالح في هذا العصر في كل بقاع العالم. وهي القضية التي لا تزال معلقةً وممنوعة من الصرف، والتي من المستحيل، في الوقت نفسه، تجاوزها أو المرور من فوقها، ليس لأن ثمنها دفع مسبقا من دماء ملايين الناس وذلهم وقهرهم وتهجيرهم وتعذيبهم، ولكن أكثر من ذلك، لأنها أصبحت طافيةً على سطح الأحداث والأفكار والحياة السورية بأكملها، وصارت مصدر خرابٍ تشكل الدولة ذاتها أكبر ضحاياه. ولم يعد بالإمكان إيجاد أي حلٍّ لأي مشكلة، صغيرة أو كبيرة، اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية أو ثقافية أو تربوية أو صحية، من دون إصلاحها. وكلما تأخرت المواجهة والحل زاد التعفّن والخراب، وتفاقمت مشكلات السوريين جميعا، من القاعدة إلى القمة.
هناك بالتأكيد أنظمة استبدادية أو ديكتاتورية دموية ربحت الحرب ضد ثورات شعبية، واستطاعت أن تستعيد توازنها، وتعيد ترميم بعض الشرعية، لأنه كان لديها مشروع سياسي للمجتمع والدولة، ولو عملت عليه بوسائل قمعية. وهذا كان مصير نظم شيوعية قديمة عديدة. أما الأسد فلا يحمل في جعبته ومعسكره أي مشروع سياسي يعني المجتمع بأكمله، ولا حتى طبقة منه، وإنما الإصرار على إعادة تثبيت السلطة العائلية المافيوية، وهذا ما يتطلب بعد ثورة عارمة تجديد وزيادة الاستثمار في إعادة بناء آله القهر والقمع والتلاحم أكثر مع قوى الاحتلال الأجنبية التي أصبحت صاحبة الكلمة الطولى في كل القرارات السياسية، المصيرية وغير المصيرية، واستكمال حرب الإبادة الجماعية والتفرقة الطائفية، تنويع سبل البلطجة والسلب والنهب لموارد البلاد والسكان، لتعويض ما حرمته منه الحرب من عوائد وكلّفته من نفقات. ما يعني أيضا تعزيز سياسة التغيير الديمغرافي، وتجزئة البلاد وتفكيكها، وتحييد كل منطقة بالمنطقة المجاورة، وتسعير الخلافات والنزاعات الطائفية والمذهبية والأقوامية. هذا هو المشروع الوحيد الذي يحمله تجديد حكم الأسرة، أي وضع الدولة، كما لم تكن في أي وقت سابق، في خدمة النشاطات المافيوية، وتعميم طرق عملها ووسائلها في القتل والعنف والاحتيال، وتحويل الشعب إلى أدوات وخدم يتسولون لقمة عيشهم على أبواب مليشياته، وفي حاويات فضلات جيوش احتلاله، ولا خيار لهم سوى الركوع أمامه والتضرّع له. وهذا لا يعني في الواقع سوى شيء واحد، هو استمرار الحرب لكن بوسائل أخرى، فلن تستطيع المافيا التوقف عن العنف، ولن يتوقف الشعب عن المقاومة، مهما كلفته من خسائر وتضحيات.
في المقابل، لا يبدو أن هناك عند أحد مما يسمى المجتمع الدولي، أو ينتمي إليه، أي اعتبار لمصير الملايين من الناس المشرّدين والأطفال المحرومين من التعليم، بل من الكساء والدواء والطعام. وحتى شهرزاد الدول التي سمّت نفسها “تجمع أصدقاء الشعب السوري” سكتت عن الكلام المباح. لا يوجد، منذ عشر سنوات، إلا الألاعيب السياسية الصغيرة والغش والاحتيال الدبلوماسي واللفظي والاستهزاء بعقول الناس ومشاعرهم، وتركهم لمصيرهم. يتهرّب الجميع من مسؤولياته، ويخفي هربه وراء دعم بعض المنظمات الإنسانية، في انتظار معجزةٍ لم تأت ولن تأتي.
ولا يختلف عن ذلك موقف مؤسسات المعارضة التي تحاول التغطية على عجزها ومراوحتها في المكان ببعض الاستعراضات المضحكة. بالمقابل، لا تكفّ معنويات الناس عن التدهور والانهيار بوتيرة تدهور شروط حياتهم اللاإنسانية وانهيارها، حتى بلغ اليأس مداه، بينما لا تزال مافيا النظام وحماتها من الروس والإيرانيين يراهنون على خداع المجتمع الدولي، ويسعون إلى كسب الوقت لإعادة تأهيل النظام.
ثانيا، وهم الرهانات الخارجية
ما الذي أودى بنا إلى هذه الهاوية، وأفقدنا أي مقدرة على التأثير على مصيرنا، وحرمنا من أي اختيار؟ لا يوجد عامل واحد وراء الأحداث الكبيرة، وإنما تضافر عوامل متعدّدة. وفي حالتنا المأساوية، لا يمكن الشك في أن الصراعات الإقليمية والدولية المستمرة، والموقع الجيوسياسي والاستراتيجي الذي تمثله سورية، كانا حاسميْن في تحويل الصراع من صراع سياسي داخلي إلى صراع إقليمي ودولي، لم يعد للسوريين مكان مؤثر فيه. لكن افتقارنا، في الثورة والمعارضة، إلى استراتيجية واقعية وناجعة، للرد على هذا العدوان المتعدّد الأطراف، الداخلي والخارجي، لعب دورا لا يمكن إنكاره في ما وصلنا إليه. وأعتقد أن ما حدّ من قدرتنا على بلورة مثل هذه الاستراتيجية الناجعة تعلقنا بأوهام ثلاث، لا نزال لم نتحرّر منها.
الوهم الأول وجود التضامن الدولي مبدأ فاعلا في السياسة. اعتقدنا، مثل شعوب ضعيفة كثيرة في حالتنا، أن العلاقات الدولية مبنية على مواثيق وقوانين وأعراف دولية، لا يستطيع أي طاغية أن يتجاوزها، أو أن لا يحسب حسابها، أو على الأقل أن يمرّ بمشروع حربه الإبادية من دون أن يستثير رد فعل من الموقعين على تلك المواثيق والقوانين، وأن يدفع ثمن خرقها. لكن أثبتت الوقائع، للأسف، أنه لا يزال من المبكر رهان الشعوب الضعيفة على مثل هذا المبدأ الأخلاقي في الحياة الدولية، فقد مرّ الأسد بمشروعه، واستمر في حربه الإبادية من دون أن يستفز أحدا أو ينال عقابا من أحد.
الوهم الثاني انحياز الغرب الديمقراطي، بل دعمه الحتمي أي مشروع ثورة أو تغيير ديمقراطيين في العالم. وهو الوهم الناجم عن الاعتقاد بوجود تناقض استراتيجي وحتمي بين معسكري الديمقراطية والديكتاتورية، وأن الغرب الديمقراطي لا يمكن، من منطلق حماية مصالحه ذاتها، أن يتخلى عن دعم حركاتٍ ديمقراطيةٍ تقرّب منه بلدانا وشعوبا ترزح تحت سلطة الاستبداد. وقد شهدنا في سورية تعاونا استثنائيا بين الدول الديمقراطية الغربية والنظم شبه الشمولية في موسكو وطهران، لم نعهده أو لم ندرك إمكانية تحققه من قبل. وكم كان صعبا إقناع النشطاء في السنة الأولى للثورة بأن الغرب الديمقراطي لم يكن جاهزا لنجدة الثوار السوريين، حتى لو طالبوا بذلك، وأعلنوا يوما للتظاهر باسم “جمعة التدخل الدولي”.
لكننا ندرك اليوم أن دمقرطة العالم ليست على أجندة أيٍّ من الدول الديمقراطية، وأن ما يهم هذه الدول، وما يهيمن على جدول أعمالها، بالدرجة الأولى والثانية والعاشرة، هو “الأمن” والأمن وحده، قبل أي مبدأ أو غاية أخرى. وهي تعتقد، لسوء حظها وحظنا، أن أمنها الذي يتخذ طابعا هوسيا اليوم يتحقق بشكل أفضل أو أوثق من خلال دعم النظم الديكتاتورية، خصوصا في تلك البلدان التي تعرف مسبقا أن أزمتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسة عميقة ومعقدة، لا يستقيم حلها من دون تعديلاتٍ في السياسات العالمية، وتقديم تنازلاتٍ مكلفة من الدول المتقدّمة للدول النامية والفقيرة في المسائل الاقتصادية والاستراتيجية. الوهم أن الدول التي تبني قوتها على استغلال البلدان الفقيرة واستخدامها لتحقيق مآربها الاستراتيجية يمكن أن تكون عونا في دعم التحولات الديمقراطية خارج نطاق ناديها هو من مخلفات أوهام الحرب الباردة.
والوهم الثالث حتمية انتصار الحق، والاعتقاد بأن الحق سلطان، وأن عدالة ثورتنا السلمية لا يمكن أن تخفى على أحد، وأن الظلم الفادح الذي يتعرّض له شعبنا، الواضح كوضوح الشمس، لا يمكن ألا يستفز ضمير العالم ويحثّه على الانتصار لقضيتنا والتفاعل معنا. وقد تبيّن لنا أن الحق لا ينفصل في السياسة والعلاقات الدولية عن المصلحة، وأنه من الممكن لتوافق مصالح أخرى أن يغيبه تماما، أو حتى يحول دون الاعتراف به وإنكاره إذا اقتضى الأمر، حتى من دون أن تكون هذه المصالح المتوافقة شرّيرة بالضرورة أو قائمة على نية الشر. وهذا يعني أن الحق في عالمٍ قائمٍ على التنازع والصراع لا يضمن بالوراثة، ولا يثبت بالقانون وحده، وإنما ينتزع ويفرض بالقوة. وأن القانون من دون قوة تطبيقه لا قيمة له ولا أثر. وفي حالتنا السورية، لم نكن ضحية تحالف مصالح مناقضة لتثبيت حقنا في التغيير والسيادة والتنمية والحرية فحسب، وإنما أكثر من ذلك ضحية تقاطع مصالح دولية يصعب التوفيق بينها. فكما أن لدى دول كثيرة، إقليمية وغير إقليمية، مصالح مشتركة في أن تبقى سورية مسرح حرب تخوض عليه معاركها وتحل عقدها، ليس لديها أي مصلحة مشتركة في أن تعود سورية مستقلةً وحرّة وموحدة.
ليس من مصلحة طهران وقف النزيف السوري، وإنما بالعكس، الدفع نحو مزيد من التفكّك والتمزّق والتعفّن، لتحقيق حلمها في تغيير مذهبي وديمغرافي واستراتيجي إقليمي، تعتقد أنه من مصالحها الاستراتيجية وحقها، وقد تقدّمت خطوات واسعة على طريق إنجازه. وفي المقابل، من مصلحة روسيا تأهيل النظام، وعدم المغامرة بما حققته من مكتسبات استراتيجية كبرى في ظله ومعه، وأي حل للقضية السورية يهدّد هذه المكتسبات أو يعيد النقاش فيها. ولا يمكن لإسرائيل أن تحلم بوضع أفضل على حدودها الشمالية من الوضع الذي أخرج سورية من أي حساباتٍ استراتيجية عقودا طويلة مقبلة، وربما أدى إلى زوالها كدولة موحّدة. ومن الأفضل لأنقرة، بل لا خيار لها، خوض الحرب الكردية التركية المستمرة منذ أكثر من خمسة عقود على الأرض السورية من خوضها على الأراضي التركية. أما دول الخليج، فيشكل الانهيار السوري فرصة لا تفوّت للتحلل من التزاماتها العربية القومية السابقة، وتجاوز حاجز القضية الفلسطينية للتفاهم مع إسرائيل، والتعويض عن انسحاب الإدارة الأميركية الاستراتيجي من المنطقة، بتحالف استراتيجي إقليمي قوي ليس في مواجهة طهران فحسب، ولكن في مواجهة ثورات الشعوب الجديدة القادمة. أما أميركا فقد وجدت في الجزيرة السورية أرضا داشرة، تبني عليها قواعد عسكرية ومشاريع خاصة، من دون أي التزامات قانونية تجاه أي دولةٍ أو سلطة سيادية. ولا يبدو أن إدارة الرئيس جو بايدن الجديدة ستغير موقفها جذريا، وتحمل على عاتقها عبء العمل على إزالة الانتداب/الاحتلال المتعدّد الأطراف على سورية.
ثالثا، في سبيل وقف التفكّك والانهيار
كنت دائما أعتقد، ولا أزال، أن القضية السورية لا حل لها إلا بأحد أمرين: تفاهم دولي أو تفاهم وطني داخلي. التفاهم الدولي، كما شهدنا، كان أحد رهاناتنا الوهمية الخادعة، وهو غير متوفر وغير محتمل حتى الآن. ولو استسلمنا له سوف ننتظر على الأغلب طويلا. وحتى لو تبدّلت الأوضاع وصدف وحصل التفاهم بين بعض الدول المعنية، فلن تكون التسوية فيما بينها إلا على ما يوافق مصالحها، ولن يهتمّ أحدٌ منها بتلبية مطالب الشعب، ولن يكون من مصلحة أحد مساعدتنا على استرجاع سيادتنا ورد حقوقنا المسلوبة. أما القرارات الدولية فبإمكانها الانتظار سنوات طويلة، كما حصل لأشقائنا الفلسطينيين من قبل.
أما العودة إلى الحرب والحلول العسكرية، فقد استنفدت أغراضها وتجاوزها الزمن. ولم يبق لنا من وسائل التغيير، اليوم، سوى العمل السياسي والاستثمار في إعادة بناء الوطنية، ولا أعني بها هنا إلهاب الحماس العاطفي أو التعصب القومي، إنما السياسة التي تهدف إلى إعادة توحيد الشعب الذي قسّمته الحرب وحكم العصابة المافيوية والاحتلالان، الداخلي والخارجي. وهذا لا يأتي من تلقاء نفسه مهما أطلنا الانتظار، ولا يمكن المراهنة في تحقيقه على المبادرات الخارجية، حتى الإيجابية منها. إنه يحتاج إلى عمل بطيء ومثابر وطويل وشاقّ لرأب الصدع. ويستدعي الابتكار في كسر جدران الكراهية والحقد والانتقام التي ولدتها الحرب، كما يتطلب الإبداع في فتح النوافذ والمعابر الصغيرة لإعادة التواصل واستعادة روح الحوار والاهتمام والاحترام المتبادل المفقود.
لا ينفي هذا المسار ولا يستدعي التخلي عن القرارات الدولية التي أقرت للسوريين الحق في الانتقال السياسي الديمقراطي، ولكنه يردّ على فشل المجتمع الدولي في تطبيقها، بعد ما يقارب السنوات العشر من إقرارها. وهو ينطلق من اعتبار ما أظهره النظام من فشل في تحمّل أي ذرةٍ من المسؤولية تجاه محنة الشعب التي تسبب فيها، واستمرائه في معاقبته وتعظيم معاناته وعذاباته، ومن التطلع إلى توحيد إرادة السوريين في التحرّر من براثن حكمه المافيوي، ومن الأمل في عودة الوعي إلى عديدٍ من فئات الشعب التي خدعها الأسد، بعد انكشاف ما آلت إليه حياة جميع السوريين، بسبب سياساته اللاوطنية، بل الانتحارية. هذا هو الطريق لتجاوز العطالة والعجز والدوران في الحلقة المفرغة المستمر منذ سنوات. ولا ينبغي، وليس من مصلحة السوريين الاستسلام لأمل تفاهم دولي سريع محتمل لتحقيق مصالحةٍ لا يمكن لأحد إنجازها غير السوريين، ولا يمكن إنجازها إلا بإنصاف الضحايا وإنزال العقاب العادل بمرتكبي جرائم الحرب من كل المناطق والانتماءات.
لا أظن أن أحدا يملك رؤية واضحة للطريقة التي يمكن أن نتغلب فيها على حاجز الشك والخوف والكراهية، ونتجاوز خنادق العداء وانعدام الثقة، والتجرّؤ على المكاشفة ومصارحة الذات. ولا توجد أي إجابة جاهزة أو سهلة على مثل هذه الأسئلة الصعبة. ولكن بسبب ذلك أيضا أردت أن يكون هذا المقال مبادرة لدفعنا جميعا، على مختلف مشاربنا وطوائفنا واتجاهاتنا السياسية والفكرية، إلى التفكير والتأمل في مصيرنا الجماعي والوطني، والبحث معا عن خياراتٍ أخرى غير خيار التوكل والانتظار.
هل نستطيع، والمقصود هنا السوريون، أن نخرج من خندقي المعارضة والموالاة، ونفكّر معا كشعب في شروط الخروج من الحرب وإقامة السلام، ووضع أسس نظامٍ جديدٍ لا يقوم على الخوف والترويع المتبادل، ولا يستند إلى قوة القهر والإقصاء والعنف، ولكنه يراهن على تنمية روح المواطنة الحرّة والمسؤولية الجماعية والقيم الإنسانية، ويحل مشاعر الألفة والأخوة والعدالة محل مشاعر التعصب والعصبية القبلية، والألفة والثقة الوطنية محل الانحيازات الطائفية والانقسامات القومية؟
هذا هو التحدّي الكبير الذي نواجهه اليوم كسوريين، وليس كمعارضة فحسب. ولا يوجد تحد آخر سابق عليه. والتوافق على هذا المبدأ ــ الحوار هو خطوة أولى لإطلاق التفكير بأي حل. فكي نعيد بناء سورية دولة واحدة، ينبغي أن يكون هناك شعب واحد، وأن تكون لدينا القدرة والاستعداد معا للعمل من أجل تحقيق هذه الغاية الضرورية والنبيلة معا. ولا أشك في أن سورية تمتلك ما يكفي من العقول الحكيمة والنيرة وأصحاب الإرادة الطيبة الذين يدركون أن السير في هذا الطريق، الذي يعني للكثيرين منا تجرّع السم، ليس خيارا، ولكنه الشرط الأول لتقصير زمن المحنة والمعاناة عن أبنائنا، وتقريب زمن التعافي وتجنيب سورية، بلدا وشعبا، مخاطر التفكّك والانحلال. وأنا على ثقةٍ من أن لدى الروح التي تسكن هذه البقاع، العريقة في حضارتها وإبداعها، القدرة الدائمة على أن تولد من رمادها، كطائر الفينيق الذي نسجته من خيالها منذ آلاف السنين، والذي يبقى الأعمق والأجمل بين رموز خرافاتها الغنية والملهمة.
المصدر: العربي الجديد