رجل علم ومعرفة، متواضع وبسيط، أحبّ وطنه وآمن بثورة شعبه؛ فضحى من أجلها بكل ما يملك، وقضى، هو وابنه والكثير من أقربائه وأصدقائه، في سبيلها.
محمود مرشد المدلّل المكنى بـ (أبو مرشد)، واحد من كِرام رجالات الغوطة الشرقية، كان قبل الثورة صاحب ورشة صغيرة للزجاج في مدينة حرستا، وبعد اندلاع الثورة نَشَط فيها، وشغِل رئاسة المكتب السياسي في (تجمع أحرار ثورة الكرامة) الذي أسّسه، مع مجموعة من وجوه الغوطة، في وقت مُبكِر من الحراك الثوري في جنوب دمشق، وكان من الشخصيات القليلة التي حافظت على التيّار المدني السلمي، وامتدّ نشاطه إلى كل المناطق المحيطة بمدينته؛ ليكون صمّام أمان لعموم الجنوب الدمشقي في عصر تحوّل الثورة إلى العسكرة.
كان معارضًا سياسيًا في صفوف (الاتحاد الاشتراكي) قبل الثورة، وبعدها صار معارضًا ثوريًا، انخرط في صفوف الشباب الحرّ، وصار شعاره الشهير “لقد خلعت رداء السياسة ولبست رداء الثورة”، فقد كان مؤمنًا أن الثورة الشعبية تختفي فيها الأيديولوجيات السياسية، وتعلو القيم الوطنية الجامعة؛ لذلك كان يجتمع ويتفاعل مع القوى السياسية المختلفة على الأرض.
جمع في شخصه الفكر والسياسة والرؤية الواضحة للثورة، والقدرة على القيادة، وصقل مهاراته في المعارضة السياسية، فكان يُتقن كيف يصوغ الفكرة للعامة، ويُبرهن عليها للخاصة، وكان منزله ملتقى لكثير من المثقفين والناشطين السياسيين، ومن أجل ذلك تعرّض للتحقيق عدة مرات.
اجتمع في بداية الثورة بمجموعة من النشطاء، منهم: غياث مطر ويحيى شربجي وعدنان وهبي وغيرهم كثر، وقرروا التظاهر انطلاقًا من (الجامع الكبير) في مدينة دوما، ثم تتالت اللقاءات وتوسّعت، وصار كلٌ منهم رمزًا في مدينته وقريته، يحفزّ على التظاهر المدني والسلمي.
كان مؤمنًا بالعمل الثوري السلمي، وعندما انتشر السلاح رفض حمله، لكنه كان العقل المُوجّه والمسيّر لشباب الثورة المُسلّحين، ومن أقواله “لقد حوّل النظام الثورة السلمية إلى ثورة دموية، ولا بد أن نُدرك المتغيّرات، ونكون في عمق الأحداث؛ حتى لا تجنح الثورة إلى مالا ينبغي”.
(استشهد) ابنه مرشد، البالغ من العمر 19 عامًا في تشرين الثاني/ نوفمبر 2014، حين كان يُسعف مدنيين، لكن ذلك لم يؤثّر في موقفه سلبًا، ولم يجعله مُتطرّفًا، ودعا للغفران، وقال: “أستطيع أن أسامح من قتل مرشد، لو أعلم أن أزمتنا ستنتهي” بدعوة صريحة للتسامح الذي كان ينشده.
أدرك المتغيّرات السياسية في وقت مبكّر، وحثّ الجميع على فهم مبادئ الثورة قبل الانخراط فيها، وكان لا يبخل بشرح أوضاع الثورة للشباب، ولم يكن يخفي نفسه أو يطلب من الناس التعامل معه باسم آخر، فصار وعائلته مطلوبين من الأفرع الأمنية.
عمِل مع لجان التنسيق المحلية، والتنسيقيات الإعلامية، وكان يتواصل مع المجالس السياسية في سورية والخارج، ورفض الخروج من سورية، على الرغم من العروض التي قُدّمت له، وعندما اشتدّ حصار الغوطة عمِل في الإغاثة، وساهم في تنشيط العمل المدني الطبي والتعليمي.
استُهدف في حرستا في تجمّعٍ إغاثي بغارة جوية، وهو يوزّع المعونات للمحاصرين مع مجموعة من الشباب، فقضى في الثاني والعشرين من نيسان/ أبريل 2015.
من أقواله المنقولة، والتي تُعّبر عن فهمه العميق للثورة وأهدافها: “أولئك الذين ركبوا القاطرة الأخيرة للثورة، يحاولون حرفها، فثورة الحرية والكرامة تعني عند مَنْ أشعلوها التقدّم خمسمئة سنة إلى الأمام، وتعني عند بعض من أُلحقوا بها العودة ألف سنة إلى الخلف، وشتّان بينهما”.
المصدر: جيرون