في مقابلة تلفزيونية له مع وكالة أنباء سبوتينك الروسية، الخميس 8 تشرين الأول/ أكتوبر، صرح المجرم الكوني بشار الأسد أن (الحرب في سورية لم تنته بسبب استمرار وجود الارهابيين)، ما يعني حسب قاموسه أنه مستمر في نهجه الوحشي بلا هوادة، الذي طبقه طوال عشر سنوات، بما فيه من قتل وإبادة، وتدمير مدن، وتجويع جماعي للشعب وإذلاله، وابتداع كل فنون التعذيب في معتقلات الموت و”الهولوكست” الجماعية في نموذجها الأسدي الخاص والمميز.
منذ انطلاقة الثورة المباركة في أواسط آذار/ مارس2011 زعم الأسد أنه يواجه مؤامرة كونية ينفذها “إرهابيون” مدعومون من الخارج، متعهدًا لجمهوره بتحقيق انتصار حاسم عليهم، رافضًا الاعتراف بوجود ثورة شعبية، أو انتفاضة مطلبية، تعكس فشل نظامه التسلطي الذي مارس الاستبداد والفساد ولم ينجز سوى الخراب المعمم، وأوصل البلاد الى حالة انسداد لم يعد ينفع معها إلا (إسقاط النظام) وتغيير بنيته بشكل جذري وشامل.
من الملاحظ أن تصريحه الأخير، يناقض تصريحات سابقة له، ولأركان عصابته المجرمة، ولحلفائه وداعميه، فقبل شهر فقط، صرح وزير خارجية روسيا، لافروف، من دمشق في مؤتمر صحفي مع نظيره السوري وليد المعلم أن (الحرب انتهت)، وهو نفسه، أي الأسد، قال في لقاء له مع رؤساء المجالس المحلية في 17 شباط/ فبراير 2017 أنه (دحر الإرهاب)، كما أن مستشارته بثينة شعبان في مقابلة لها مع قناة الميادين في أواسط آب/ أغسطس 2018، بمناسبة افتتاح معرض دمشق الدولي، ومعرض الكتاب، كررت كلام سيدها بالحرف، معتبرة عودة المعرضين لدورتيهما السنوية وبمشاركة إقليمية ودولية، دليل وبرهان قاطع على دحر الإرهاب.!!
لقد برع الأسد بقلب الحقائق، وإسقاط سلوكه الاجرامي على معارضيه، ونجح إلى حد ما في ذلك، بتواطؤ بعض الدول، ولكن بالرغم من ذلك، وتحت إصرار شعبنا وقواه الثورية، فان الملاحقات القضائية باتت تتابع بعض ضباط أجهزته أمام المحاكم الأوربية، مدعمة بشهادات ووثائق وصور لا يرقى إليها الشك، آخرها الشهادة المرعبة والصادمة التي قدمها عامل في مكتب دفن الموتى في دمشق، أمام محكمة المانية، إضافة لتقارير دولية تدين استخدامه للسلاح الكيماوي، كتقرير منظمة حظر استخدام الأسلحة الكيماوية في عدة مناطق، إضافة للدفعة، الرابعة، الأخيرة، من عقوبات قانون قيصر التي صدرت في ذكرى مجزرة أرمناز 2017، تخليدًا لضحاياها البالغ عددهم (34) شهيداً، ما يعتبر دليلاً وتأكيداً دوليًا على جرائمه الارهابية، وغير ذلك الكثير، الكثير جداً . لذلك يجب سؤال بشار الكيماوي، وهو سليل عائلة ارهابية متمرسة عن أي إرهاب يتحدث، وهل هناك من يفوقه في ممارسة الإرهاب المحلي والدولي.؟
نحن نعتقد أن المعنى البعيد لتصريح الأسد أنه يستعد لفصل جديد من الحرب على شعبنا، يرجح أن يكون مسرحها في إدلب، التي بدأت تشهد تصعيداً جديداً يتزامن مع تصريحه ومستغلاً انشغال العالم بجائحة كورونا، وانصراف الولايات المتحدة في انتخاباتها الرئاسية، مما ينذر بوقوع مجازر جديدة، لا يمنع الأسد من ارتكابها سوى ردع حاسم من المجتمع الدولي الذي ما زال (للأسف الشديد) يراعي هذا النظام الارهابي ويتساهل معه، على حساب حياة ملايين السوريين، وفق مصالحه الاستراتيجية وأجنداته القذرة في تدمير سورية، وإنهاك مجتمعها، بصراعات لا تنتهي، ورغم ذلك يحاول بعناد تطبيع علاقاته مع العالم الذي ينبذه ويعزله، مدعيًا مشاركته في الحرب على الارهاب، التي تتمتع بالأولوية المطلقة في الأجندات الدولية، آملًا أن يقبله العالم كلاعب اقليمي إيجابي وفاعل .
تاريخ آل الأسد في ممارسة الارهاب مفضوح وموثق داخليًا وخارجيًا، وأياديهم ملطخة بدماء الأبرياء، وعلاقاتهم بالمنظمات الارهابية التي شكلوها ورعوها لحسابهم، أو في سياق أجندات دولية مفضوحة.
إن شعبنا وهو يقاوم الطغيان الذي مر عليه نصف قرن قال منذ البداية بوضوح (لا إرهاب إلا إرهاب الأسد) في تسمية جمعة من جمع الثورة في نهاية 2012، وإذا كان لأحد أن يجادل في إلصاق صفة (الارهاب) بالثورة وبعض الجماعات التي اندست في صفوفها، وتسللت إلى منظماتها، فإن أهل الخبرة والعلم يعلمون أن معظم ذلك جرى برعاية وإشراف أجهزة نظام الأسد وأجهزة الدول الحليفة له، والتي عملت على توظيفها واستثمارها لتشويه الثورة ووصمها بالإرهاب والتطرف، بدءًا من الإفراج عن بعض قادة الجماعات الدينية الاصولية المعادية للحداثة والديمقراطية وتنافس النظام في عدائها للثورة، وصولًا إلى ممارساتها التي صبت في خدمة مصالحه وغاياته، وكان لشعبنا الثائر وقواه الحقيقة موقف حاسم منها منذ البداية، لأن الأذى والضرر الذي أصابه منها لم يكن أقل مما ناله من الطاغية وعصاباته الهمجية المتوحشة.
ونعتقد أن شعبنا متفق مع القوى الديمقراطية والحقوقية النزيهة والحرة في العالم على أن الارهابي الدولي بشار الأسد ما كان له أن يتمكن من اقتراف أبشع وأخطر جرائم الإبادة، وجرائم الحرب، والجرائم ضد الانسانية، وجرائم التهجير الجماعي لملايين السوريين من بلادهم والاستيلاء على أملاكهم، وقتل أكثر من مليون سوري من المدنيين الأبرياء والعزل، بينهم مئات ألوف الأطفال والنساء، فضلًا عن إبادة المعتقلين والمغيبين قسرًا طوال عشر سنوات بشكل يومي ومبرمج بأوامر مباشرة منه، لولا عجز المجتمع الدولي ومجلس الأمن والدول الديمقراطية الكبرى عن التدخل الحازم لوقف الجرائم ومعاقبة الفاعلين، ولولا تواطؤ دول كبرى كثيرة معه وحمايته، وفي مقدمتها روسيا التي قدمت له السلاح ومنعت مجلس الأمن من اتخاذ الموقف المطلوب، بل وقفت معه بكل قوتها، وكذلك ايران وحزب الله اللذين أرسلا معًا مائة الف مقاتل للقتال في سورية دفاعًا عن الأسد وتسببا بأكبر مأساة في العالم بعد الحرب العالمية الثانية.
هذه المواقف التي تتراوح بين العجز والصمت والتواطؤ والتدخل لصالح نظام إرهابي متمرس في وحشيته وانتهاكاته للقانون الدولي تكشف عن أزمة عميقة في نظام القيم والمثل والمبادئ المتحضرة، بما فيها القيم الديمقراطية، سمحت للأسد وحلفائه الهمجيين باستباحة كل القوانين وقيم التحضر المعاصرة.
وهذه الأزمة في الواقع تهدد بتفشي هذه السلوكيات البربرية والهمجية وشرعنتها على المستوى الدولي، وإغراق العالم بالدم والتسلط والظلم، وتهديد السلام العالمي والانزلاق الى مراحل الهمجية والبربرية والحروب.
إننا كسوريين ندين بأقوى العبارات ليس انتهاكات الأسد وخرقه للشرائع الدولية ومبادئ السلام والتحضر فقط، بل ندين أيضًا وبنفس القوة وبنفس القدر ازدواجية المعايير، وعدم الاكتراث بالمذابج والمجازر، وغض النظر عن أكبر مجرم في العالم، وتركه يواصل إجرامه بكل حرية ثم السماح له بالبقاء على كرسي الحكم، وكأن العالم يكافئه، ويعيد الاعتراف به وبسلطته الدموية.
إننا نحذر القوى الديمقراطية، والحقوقية، وقوى الحرية والعدالة، في العالم كله، بأن بقاء الأسد طليقًا يمثل تشجيعًا لديكتاتوريين وحكام متوحشين آخرين، لاقتراف الارهاب بشكل احترافي بلا وازع، ولا خوف من العدالة الدولية، ويقودنا جميعًا الى عالم تسوده شرائع الغاب والقوة والهمجية، ولذلك يتعين على جميع هذه القوى تشكيل جبهة عالمية للعمل على تشكيل محكمة دولية لمحاسبة كل الذين اقترفوا جرائم إبادة وانتهاكات خطيرة للشرائع الدولية في سورية، ومحاسبتهم كما جرى مع قادة النظام النازي في محكمة نورمبرغ، وكما جرى في المحكمة الخاصة بجرائم الحرب في يوغوسلافيا السابقة.
إن هذه الخطوة تمثل استحقاقا وواجباً أخلاقياً وإنسانياً حتميًا لكل القوى المؤمنة بالعدالة والسلام وحقوق الانسان، وهي الحد الفاصل بين أن ينتكس العالم الى أزمنة الهمجية، أو يرتقي الى عصر التقدم والتحضر.