جمر تحت الرماد ومحاولات لإخفاء الحقيقة ربما هروب إلى الأمام مارسه الرئيسان التركي والروسي لتأجيل المواجهة المباشرة بين الطرفين في ظل عدم التفاهم الظاهر على العلن بينهما ولذلك تم التأجيل لحين إتمام كل الملفات والاتفاق عليها فالدولتان تبحثان عن مصالحهما وآخر هم لهما هو سورية وأهلها.
هذا ما على كل السوريين الاقتناع به ومعرفته وقد بدا واضحاً اليوم في الاتفاق ولو اعتبرنا عدم كتابة ما تم الاتفاق عليه باللغة العربية شكلياً فإنه من الناحية العملية يعتبر رسالة للسوريين معارضة وموالاة قادة وبسطاء أن عليكم تعلم لغاتنا حتى تعرفوا ما يتم الاتفاق عليه حول بلدكم
فهذا الموضوع الذي يهم السوريين هو آخر سلم أولويات الروس والأتراك فما يهم روسيا هو تثبيت سوريا كمحافظة روسية وتطبيق ما تم تطبيقه في الشيشان وغيرها على سوريا وهذا ما يتعارض مع مصلحة الأتراك الذين يريدون الحفاظ على أمنهم القومي بمواجهة الأكراد وهو ما كانت تضمنه لهم الحكومة السورية سابقاً وفق اتفاق أضنة الذي لم يعد يلبي طموح الأتراك على الرغم من أن روسيا عرضت تعديله ليكون أفضل من السابق إلا أن الأتراك يريدون أكثر.
ما حصل هو اتفاق غامض تكلم عن وقف إطلاق النار ولكنه أجل الحديث عن الملفات الشائكة تقاسم فيه الأتراك والروس الفوز وتسجيل النقاط فقد أصرّ الروس على عدم الانسحاب إلى خطوط سوتشي والأتراك يتحدثون عنها فعن أي اتفاق نتحدث. قد تعتبر هذه نقطة لصالح الروس، ثم إن الطرفين أغفلا أي ذكر لنقاط المراقبة المحاصرة وما هو مصيرها؟ فهي نقطة ليست محسومة ولن تسجل لأحد. إلا أن الأتراك انتزعوا اعترافاً من قبل الروس بحقهم في التواجد على الأرض السورية وهي نقطة لصالحهم. في حين أنه تم الاتفاق على محاربة الإرهاب وهو موضوع سيبقى مختلفًا عليه لأنه على الرغم من الإشارة إلى قرارات الأمم المتحدة إلا أن الإرهاب وتعريفه يبقى ملفاً غير واضح المعالم لأنه خاضع للتسييس. لن أسهب في حساب النقاط لهذا الطرف أو ذاك لأنني أرى أن الاتفاق سينهار قبل أن يجف حبر التوقيعات التي وضعت عليه.
الطرفان الموقعان لا يثقان ببعضهما لأن روسيا نقضت كل الاتفاقيات السابقة والنظام دائماً يردد عدم قبوله بها على الرغم من أنه والمعارضة كأطراف سورية كما السوريين جميعاً ليس لهم أي دور فيما تم الاتفاق عليه حول بلدهم لا من قريب ولا من بعيد وقد بدا هذا واضحاً حتى من خلال الكلام والتوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار بين دولتين لا توجد حرب بينهما فعلى ماذا وقعا أم أنهما يوقعان بدلاً من وكلائهم على الأرض الذين عليهم دفع ضريبة الدم والتدمير من أبناء سورية وممتلكاتها التي دمرت من كل النواحي وتحتاج إلى عقود من الزمن لإعادة البناء ليس المادي إنما الاجتماعي الذي دمرته الحرب وأصبحت صراعاً خارجياً. والسوريون وقوده دفاعاً عن مصالح الآخرين. ذلك لأنهم سلموا أوراق اعتمادهم وكلاء للآخرين في وطنهم ولا تهمهم سوى مصالح هذه الدول ومكاسبهم الشخصية ابتداء من الذي يدعي الرئاسة إلى أصغر قائد فصيل أو ميليشيا أو مجموعة من مجموعات التعفيش في سورية.
أمام هذه التبعية وعدم التفكير أو اللامبالاة بمستقبل سورية لابد للسوريين معارضة وموالاة من إعادة قراءة الواقع والاعتراف به ليتسنى لهم إعادة رسم مستقبل بلادهم بعيداً عن التبعية لهذه الدولة أو تلك بل بالتعامل مع الجميع بلغة المصالح المشتركة وأول عمل عليهم القيام به هو استبعاد كل المتصدرين للمشهد السياسي والعسكري السوري من كل الجهات لتخرج قيادة تعبر عن طموحات الشعب وتطلعاته ربما يكون الأمر حلماً ولكنه مع ذلك ليس صعب التحقيق فالأحلام من الممكن أن تصبح حقائق إذا ما تسنى لها من يعمل على تحقيقها، وسورية تملك الكثير من أبنائها الذين يستطيعون العمل من أجلها . كل ما عليهم عمله هو أن يفكروا بصوت عال ويعترفوا بالحقائق المرة والأخطاء لأن من يعترف بأخطائه وبالواقع سيمتلك أولى خطوات الحل وسيضع قدمه على الطريق.