ثمة مرتكزات، ربما من الأهمية والضرورة بمكان، الوقوف عليها كمفاتيح فك طلاسم لمن لا يعرف الواقع السوري، والعقاري منه على وجه التحديد، قبل التطرق للأسرار المحركة لهذا القطاع القاطرة.
ربما فقر السوريين وتعدي نسبة من هم تحت حده الأدنى التسعين بالمئة، وعدم تفكيرهم ولعقود باقتناء عقار لا يقل سعره عن دخلهم لأكثر من ألف شهر، هو أول المرتكزات التي ربما توصلنا لنتائج وحقائق، إذا من يشتري العقارات؟!
ليأتي سماح المصرف المركزي في دمشق، للمصارف جميعها، باستئناف منح القروض العقارية ضمن سقوف 500 مليون ليرة سورية، أي نحو 250 ألف دولار، مرتكز ثان من شأنه أن يزيد تشابكات الاقتصاد المنهك، إن لجهة زيادة المعروض النقدي والتضخم أو الوقوع بدوامة الديون الميتة ثانية.
أما المرتكز الثالث، فهو أن عدد المنازل الفارغة، ووفق بيانات رسمية قالها المكتب المركزي للإحصاء، تزيد على عدد الأسر السورية، أو بصيغة أدق، الأسر التي لم تزل بالبلاد بعد نهج التهجير والتغيير الديمغرافي، الذي لعبه الأسد بمساعدة الدول الديمقراطية، كأحد أطواق نجاته.
إذاً، بعد هذه المرتكزات والأخير منها تحديداً، كيف يمكن تبرير السر الأول بارتفاع أسعار العقارات، إن كان العرض يفوق الطلب، هذا إن فرضنا جدلاً، أن هناك طلبا بواقع المرتكز الأول الذي يؤشر لأسعار العقارات ودخل السوريين “الحقير”.
لهذا السر وجوه عدة، أولها وبسبب توقف الإنتاج المحلي، ارتفعت أسعار مواد البناء أكثر من عشرين ضعفاً خلال الثورة الممتدة منذ عام 2011، فبات سعر طن الإسمنت الرسمي، بعد رفعه أواخر آب/أغسطس المنصرم، 69 ألف ليرة وبالسوق السوداء 125 ألفاً، وكذا تعدى سعر طن الحديد المليون ونصف المليون ليرة، ما أوصل كلفة بناء المتر المربع إلى 120 ألف ليرة من دون إكساء، وتكاليف إكساء منزل صغير بمساحة مئة متر، تزيد عن 15 مليون ليرة.
والوجه الثاني لارتفاع أسعار العقارات رغم قلة الطلب، أن بعض السوريين وجدوا بهذا القطاع، الملاذ الآمن لحفظ مدخراتهم، بواقع بوّر كل التجارات ومنع التداول بالعملات، بيد أن العقار كاستثمار وموضع ادخار، كان ببعض المدن أو الأحياء ولم يطاول الأرياف أو المناطق الساخنة المعرضة للقصف والخراب.
أما الوجه الثالث فله علاقة بتقييم المقايضة، وهو الشكل الخفي بتجارة العقارات، سواء عقار بآخر أو عقار بسيارة أو حتى عقار بأرض بريف مرشح للحرب، ليتم الهروب من القانون 5 الذي أصدره نظام الأسد خلال شباط/فبراير الفائت، لأنه ألزم البائع والشاري بفتح حسابات بنكية وألزم البيع بالليرة السورية وزاد من الضرائب على المبيع.
أما السر الثاني بالعقارات السورية، وله علاقة بالسر الأول وارتفاع الأسعار، فهو رأس المال الخارجي الذي خالف كل منطق وأدبيات الاقتصاد، وجاء للتملك بمنطقة ساخنة مفتوحة على كل أبواب المجازفة والمجهول.
تبيّن وثائق سورية أن مساعي إيرانية وعراقية ولبنانية محمومة، بالأصالة أو بالإنابة، لشراء العقارات بمناطق محددة بسورية، ففي حلب وريفها، رفع تجار بلدتي “نبل والزهراء” من مستوى الأسعار، بعد تملكهم الأراضي والأبنية السكنية والمحال التجارية، وكذا فعلت مليشيا الدفاع الوطني بمدينة دير الزور لتبقى العاصمة دمشق، ومناطق شارع الأمين والمالكي وأبو رمانة، الهدف الثاني لإيران، بعد وضع اليد وإن بعد الحرائق، على وسط دمشق وما حول الجامع الأموي بشكل خاص.
نهاية القول: وصلت أسعار بعض العقارات بدمشق، جراء لهاث إيران وإخوتها، بالعراق ولبنان، للتملك والتغيير الديمغرافي وارتفاع أسعار مستلزمات البناء والتوجه للادخار، نحو مليوني دولار، لتحدد أسعار المستعمرين الجدد، مستويات سعرية وهمية، ستزيد من أزمة رهن عقاري مقبلة لا محالة… وقد يسرّع قرار منح قروض بسقوف عالية، بعد توقف لأشهر، بانفجارها. لتأتي شرر الفقاعة العقارية على ما نجا من حرب الأسد وتهديم طيرانه.
المصدر: العربي الجديد