عن دوره في تأسيس تنظيم ثورة مصر ضد عناصر الموساد فى القاهرة.. عشق شعر أمل دنقل وأدب نجيب محفوظ والغيطانى وعاش بين ثنائية ابن الزعيم ومساره السياسي الخاص.
بين كونه ابناً لجمال عبدالناصر، ومحاولته شق طريق سياسي خاص به، مضت حياة خالد جمال عبدالناصر الذى توفى الخميس الساعة الرابعة والنصف، وجاءت الوفاة بعد معاناة مع المرض استمرت شهورًا طويلة، وأجرى خلالها عملية جراحية صعبة في لندن، ثم عاد إلى القاهرة، لتداهمه الغيبوبة الكبدية أكثر من مرة، وتم نقله بعدها إلى المستشفى ليدخل في العناية المركزة، في شبه غيبوبة كاملة حتى وفاته.
عاش خالد «62 عاما» الذى كان أستاذًا في كلية الهندسة جامعة القاهرة، بين ثنائية الابن الأكبر «الذكور» لجمال عبدالناصر، ومحاولته شق طريق سياسي خاص به، في الأولى ظل والده يسكنه سياسيّا وإنسانيّا، وفى الثانية حاول أن يتخذ لنفسه مسارًا سياسيّا يحفر من خلاله اسمه الخاص، وذلك بالخروج إلى ساحات العمل السياسي منذ مطلع الثمانينيات من القرن الماضى، حين خطب أمام نحو 10 آلاف فى حديقة نقابة المحامين عام 1982 فى ذكرى ميلاد جمال عبدالناصر، وكرر بعدها الأمر نفسه فى أكثر من مناسبة، بالإضافة إلى مشاركته فى المظاهرات التى خرجت تضامنًا مع الجندي سليمان خاطر والذى قتل سبعة جنود من الإسرائيليين أثناء خدمته الليلية على الحدود، وكذلك خروجه فى مظاهرة أخرى ضد الغارة الإسرائيلية على مقر منظمة التحرير الفلسطينية في تونس، وكانت أمام جامعة القاهرة، وشارك فيها وقتها عدد من الرموز مثل الراحلين إبراهيم شكري، رئيس حزب العمل، وفتحي رضوان، لكن خالد بلغ الذروة في اتهامه في قضية تنظيم ثورة مصر المسلح، وكان الاتهام أنه القائد السياسي للتنظيم، أما محمود نور الدين فكان قائد التنظيم عسكريّا، ونفذ التنظيم أربع عمليات مسلحة، منها ثلاث ضد عناصر من جهاز المخابرات الإسرائيل «الموساد»، والرابعة كانت ضد أمريكي يعمل في السفارة الأمريكية، لكنها لم تنجح، وأسفرت العمليات الثلاث عن مقتل اثنين إسرائيليين، وبالرغم من السرية الشديدة التي أحاطت بالتنظيم، والتي أدت إلى فشل الأمن في اكتشافه، فإن شقيق محمود نور الدين هو الذى تطوع بالإبلاغ عن التنظيم، ومع التحقيقات المكثفة التي أجريت معه، والتي شاركت فيها عناصر أمنية من السفارة الأمريكية، قال أحمد عصام إن خالد هو مؤسس التنظيم، لكن محمود نور الدين نفى ذلك.
وقبل الكشف عن القضية خرج خالد إلى يوغسلافيا التي كانت قائمة وقتئذ، وعاش فيها ثلاث سنوات، تحت رعاية القيادة اليوغسلافية، وهى القيادة التي رافقت الزعيم اليوغسلافي تيتو، الذى ارتبط بعلاقة وطيدة مع جمال عبدالناصر، وتواصلت هذه العلاقة بين أسرتي الزعيمين بعد وفاتهما.
في يوغسلافيا كان خالد موضع رعاية من رؤساء وقادة عرب، وتعد رحلة منفاه الاختياري ليوغسلافيا نموذجًا تطبيقيّا في ثنائية تكوينه السياسي، فبينما كان موضع اهتمام القادة العرب، والذى امتد إلى تدخلات منهم لدى الرئيس المخلوع حسنى مبارك، وكان على رأسهم الشيخ زايد رئيس دولة الإمارات الراحل الذى أرسل خطابا إلى مبارك مفاده أن خالد ابن لكل رئيس عربي، وكذلك فعلت القيادة الكويتية، والقيادة الجزائرية واليمنية والرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، وكان ذلك يتم على خلفية أنه ابن جمال عبدالناصر الذى يتمتع برصيد شعبي ورسمي هائل لدى الدول العربية، أقول بينما كان الأمر يسير على هذا النحو كان الشطر الثاني في هذه الثنائية يشغل خالد على نحو كبير، وذلك في سياق المستقبل السياسي له، ووفقًا لآراء كثيرة سمعها من الكثيرين الذين زاروه في يوغسلافيا، كانت النصيحة بأن مسار العمليات المسلحة فات أوانه، ومن هنا كان انشغاله بكيفية ممارسة العمل السياسي، لكن معادلة الوضع الحزبي وقتئذ لم تكن بدرجة الحيوية التي تستوعبه لكونه ابنًا لزعيم كبير.
وفى يوغسلافيا ظل خالد يزود نفسه بالمعرفة، حيث كانت القراءة هي همه الأول، وتلقى هناك طرودًا للكتب في السياسة والشعر والأدب والتاريخ، أرسلها إليه الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، وهناك افتتن بشعر أمل دنقل، وخاصة قصيدة «لا تصالح» وقصيدة «زرقاء اليمامة»، وكان يرددهما كثيرًا لزائريه، كما كان يعشق أدب نجيب محفوظ وجمال الغيطاني خاصة رائعته «التجليات».
كانت أقصى الأحداث ألما لدى خالد، وهو في يوغسلافيا، وفاة أمه السيدة الجليلة تحية عبدالناصر، ويومها، كما قال لي، أغلق حجرته على نفسه ساعات طويلة ودخل في بكاء طويل، لأنه لم يرَها منذ زيارتها الوحيدة له، وحين دخل في أحضانها، علقت قائلة: «كل ده يا بنى عشان اتنين صهاينة»، ومع ألم الأم كان خالد، وكما قال، يعد أبناءه تحية وماجدة وجمال للمستقبل، وحصلت تحية على رسالة الدكتوراه من الجامعة الأمريكية عن أدب ماركيز، وتخرجت ماجدة وجمال في الجامعة نفسها إلى فضاء العمل، وكما قال، كانت أبواب المحبة مفتوحة لهم بفضل جمال عبدالناصر.
عاد خالد إلى القاهرة ليواجه محاكمته والتي انتهت ببراءته لإنكاره الاتهامات الموجهة ضده، ليبتعد بعدها فترة عن العمل السياسي، لكنه كان حريصًا بين الحين والآخر على إبداء رأيه في القضايا المطروحة، وكان طوق النظام عليه شديدًا إلى درجة متابعة تحركاته شخصيّا، واتصالاته مع الآخرين.
قبل يوغسلافيا، وبالتقريب منذ منتصف السبعينيات، دخل خالد في علاقة متوترة مع الرئيس الراحل أنور السادات، وكان وقتها يدرس الدكتوراه في لندن، ومع اشتداد حملة الهجوم على جمال عبدالناصر دخل في حيرة عميقة، شملت سؤالاً جوهريّا قاله لي، وهو: لماذا يترك السادات كل هذا الهجوم على عبدالناصر، وقد كان في تنظيم الضباط الأحرار الذى قاده جمال عبدالناصر، كما كان معه في السياسات التي اتبعت؟ وأذكر أنه زاد على هذا السؤال بقوله: كنت أضرب أخماسًا في أسداس من كيف يفعل السادات ذلك، وهو لم يكن فقط ضمن المشاركين لسياسات عبد الناصر، وإنما كنت أراه في منزلنا على الدوام، وعلى أثر ذلك، وكما قال خالد، توجه إلى السادات ليسأله عن سبب هذا الهجوم، لكن السادات ظل يراوغ في الإجابة، قائلاً له: «أصل هدى أختك يا خالد تهاجمني»، وعلى أثر هذه المقابلة لم يلتقيا مرة أخرى.. من هذه المقابلة مع السادات خرج خالد إلى سؤال آخر، وهو كيف له أن يتعامل كابن مع هذه الحملة ضد والده؟ وقد كان السؤال جوهريّا عنده، خاصة أن هذه الحملة أدت إلى إصابته بمرض القولون العصبي، حتى توصل إلى قسمة تمثلت في الفصل بين جمال عبدالناصر كزعيم سياسي صاحب تجربة هي ملك لأمته العربية، وبين عبدالناصر كأب، وفى الأولى يحق للجماهير أن تقيمها وتنقدها سياسيّا، أما الثانية فلابد من مقاومتها شخصيّا لأنها تمس سمعة أب عاش حياته زاهدًا، ورحل دون أن يمتلك عقارًا أو مالاً.
تميز خالد من بين أشقائه بأنه كان الابن الذى حملت صوره مع والده وهو يلعب معه الشطرنج وهى اللعبة التي كان يحبها عبدالناصر، كما كان اسمه «أبو خالد» في عشرات الأغنيات الوطنية في الخمسينيات والستينيات، ولهذا ظل قريبًا من قلوب الجماهير، لكن الثنائية التي حكمته اصطدمت أخيرًا برحلة المرض التي بدأت معه قبل سنوات وبالتحديد عام 2002 حين أصيب بورم في المخ تعرض بسببه إلى جراحة دقيقة في فرنسا، ليدخل بعدها في مشاكل صحية أخرى، ظلت معه حتى فاضت روحه إلى خالقها. فرحمه الله رحمة واسعة.
المصدر: اليوم السابع
17 أيلول 2011