ما إن غادر الوفد الروسي العاصمة السورية دمشق، حتى شنّت قوات النظام عمليات قصف واسعة استهدفت مواقع سيطرة المعارضة في ريف اللاذقية الشمالي، على الرغم من تذكير وزير خارجية روسيا ب”ضرورة الحفاظ على خفض التصعيد في شمال غرب سوريا حسب الاتفاق الموقع مع الجانب التركي”.
ونّفذت قوات النظام قصفاً صاروخياً على تلال الكبينة في جبل الأكراد بريف اللاذقية الشمالي فجر الثلاثاء، واستمر القصف لساعات، تزامناً مع قصف صاروخي مكثف طاول مناطق متفرقة من جبل الزاوية في ريف إدلب الجنوبي.
تصعيد أثار تساؤلات حول مدى التزام النظام بالتصريحات التي صدرت عن وزير خارجية موسكو، لكن اللافت أن الطيران الروسي انضم إلى قوات النظام صباح الأربعاء في حملة تصعيدها على تلال الكبينة، واستهدف بغارات عدة قوات المعارضة هناك.
تطورات كشفت تناقضاً بين التصريحات الروسية، وبين انخراط قواتها في دعم خرق النظام لاتفاق وقف النار المطبق في شمال غرب سوريا، إلى الحد الذي جعل البعض يتحدث عن إمكانية وجود اتفاق بين تركيا وروسيا يقضي باستعادة قوات النظام المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة في ريف اللاذقية، ضمن ترتيبات تثبيت خطوط السيطرة النهائي.
لكن الناشط والمحلل السياسي حازم موسى يستبعد أن يكون هذا الخيار مطروحاً في الوقت الحالي، ويرى في تصريح ل”المدن”، أن ما يجري لا يخرج عن إطار الخروق المعتادة لاتفاق وقف النار في شمال غرب البلاد، ولن يتجاوز ذلك، على الأقل في المدى المنظور.
ويضيف أن “القصف الأخير الذي تشنه قوات النظام والطيران الروسي على تلال الكبينة ومجمل المناطق الخاضعة لسيطرة الفصائل، لا يمكن اعتباره حدثاً استثنائياً على الرغم من توقيته الذي جاء بعد تصريحات لافروف الأخيرة، فالمنطقة تشهد خروقا مستمرة من قبل هذه القوات منذ توقيع اتفاقات التهدئة، والهدف منها هو عدم منح قوات المعارضة والسكان في هذه القرى والبلدات أي فرصة لالتقاط الأنفاس”.
وتابع موسى: “هذا الأمر سيستمر إلى أن تصل مختلف الأطراف إلى اتفاق نهائي يحدد خرائط السيطرة، وبالتالي من المستبعد، على الأقل حالياً، أن يكون هناك اتفاق روسي-تركي بالسماح لقوات النظام بالسيطرة على أي منطقة شمال غرب البلاد”.
ورغم اتفاق المزاج العام في مناطق سيطرة المعارضة في إدلب وأجزاء من ريفي اللاذقية وحماة مع هذه الرؤية، خاصة بعد توزيع القوات التركية المنتشرة هناك منشورات تطمئن السكان فيها، وتؤكد أن وجودها هو لحمايتهم ومنع قوات النظام من اجتياح قراهم وبلداتهم، إلا أن التخوف من ترتيبات سياسية مفاجئة بين أنقرة وموسكو، قد تتطلب من الجانب التركي التنازل عن مناطق جديدة لصالح النظام، يبقى احتمالاً قائماً بالنسبة للبعض.
إلا أن وائل علوان الباحث في “مركز جسور الدراسات” ورغم موافقته على أن منطقة خفض التصعيد الرابعة لن تشهد متغيرات على المدى المنظور، يشير إلى أن خطوط التماس التي أُقرت في اتفاقية الهدنة الموقعة في الخامس من آذار/مارس الماضي لن تكون نهائية على الأغلب.
ويضيف ل”المدن”، أن “تصريحات المسؤولين والسياسيين لا يمكن اعتبارها مؤشراً حقيقياً، بل أن ما يُبنى عليه في الغالب هي معطيات عملية تفيد في استشراف التطورات الممكنة، وبالنظر إلى التعزيزات والتحركات الحالية لقوات النظام، فلا يمكن القول إنها تؤشر على عمل عسكري واسع، خاصة وأن العديد من مقاتلي النظام وكذلك أفراد من الجيش الروسي كانوا قد وقعوا في كمائن للفصائل هناك، ما يدل على عدم وجود استطلاع كاف للمنطقة، وبالتالي على عدم التحضير لمعركة شاملة”.
ويتابع علوان: “كذلك على الصعيد السياسي، فإن مجمل المعطيات تشير إلى استمرار الحفاظ على الوضع القائم شمال غرب البلاد، خاصة وأنه لا يمكن للنظام وإيران التحرك بمعزل عن الإرادة الروسية، ولذلك فنحن يمكن أن نشاهد عمليات قصف ومحاولات تسلل هنا وهناك، لكنها ستبقى محدودة من حيث المكان والزمان، خاصة وأن تركيا حاضرة وبقوة على الأرض، وتعزز باستمرار دفاعات المعارضة تحسباً لأي خرق كبير من قبل النظام”.
ورأى أنه “على المدى البعيد فمن المؤكد أن خطوط التماس، وخاصة في ريف اللاذقية، لن تبقى على ما هي عليه، لكن ذلك محكوم بالنهاية بالاتفاقات الروسية-التركية على شكل الحل النهائي، المرتبط بتوافقات سياسية شاملة لن يكون الأميركيون بمعزل عنها، ضمن توافقات محتملة مع الروس حول شرق الفرات وغربه بطبيعة الحال”.
المصدر: المدن