وقفت عيناه على شاطئ بحر عينيها، فتلاشت أمواج عينيها في رمال عينيه، فأطلقت سهامًا من فتحة نقابها. أدام النظر في سواد عينيها، وغاصت بنظرها في انكسار الفرح في عينيه، والعين مغرفة الكلام. خرجت من مدينة المعارض التي كانت صرحًا حضاريًا، وغدت اليوم عجوزًا هدّتها القذائف. مشت، سار خلفها حتى أصبح بحذائها، فاصطدمت يدها بيده، أمسك بها، لسعته حرارتها. شاهدا الأبنية والأبراج بشرفاتها فاتحةً شدقيها المكحلين ببقايا الحرائق، وعهدهما بها مزينة بأصص الأزهار وغسيل الأطفال كأعلام مبنى هيئة الأم المتحدة. خافت، خاف، فسحبت يدها من حضن يده. رأيا على حافة الرصيف حفرة، حفرتها أسطوانة متفجرة، نزلا في جوفها، وقفت نخلةً، اقترب منها، أدامت النظر في عينيه، قرأ ما في عينيها من حَوَرٍ، خوفٍ، حزنٍ، وتردد. سمعا صفير صاروخٍ مقبل نحوهما، جمدت، جمد، لم يجدا ما يحميهما منه، انفجر، احتضنته، احتضنها خوفًا وحنانًا، فسترتهما أمواج غبارٍ ودخان، وغطاهما نثار أتربة وشظايا مشتعلة. حاول تقبيلها، أشاحت بوجهها عن وجهه، فجثا على ركبتيه، احتضن بيديه فخذيها، تمنى أن يعود إلى رحم أمه التي ذهبت بقذيفة هاون، أحست ما يدور بخلده، فشدت بيديها رأسه، وألصقته ببطنها، وتذكرت زوجًا خطف منذ عامٍ على حاجز باب الحارة، ولم يعد، فأمطرت دموعًا حارة على طفل اغتيل بطلقة قناص، وهو في حضن أمه، ولم يكمل الأشهر الأربعة. قبل أن ينقشع سواد الليل، سار كل منهما في طريق، لم تسأله عن اسمه، لم يكتب رقم (جوالها)، ركض، شارك مع كوكبة من الشباب، تنقذ أطفالًا جرحى، خلفهم الانفجار وراءه.