على حافة وطن لكاتبته أم السعد، رواية أخرى عن الثورة السورية، تعتمد أسلوب السرد بلغة المتكلم على لسان أشخاصها الأساسيين، يتحدثون بالتناوب عن ما عاشوه، في زمن يمتد الى عدّة سنوات بعد إنطلاق الثورة السورية بدايات عام٢٠١١م
تبدأ الرواية من رغد وحسام من شباب أحد أحياء دمشق، يُحبان بعضهما، انتميا الى الحراك الثوري الذي حصل في سورية، امتدادا للربيع العربي، بعد أن اندلعت الثورة السورية في مدينة درعا، وبدأ الشباب والصبايا الدمشقيين يتنادون للتظاهر والمطالبة بالحرية والكرامة والعدالة، اسقاط الاستبداد والفساد والاستغلال، وبدأت رغد وحسام ينشطان في أغلب المظاهرات التي كانوا يتفقون عليها مع ناشطين آخرين مستغلين العلاقات الشخصية وعبر وسائل التواصل الاجتماعي. بدأ التظاهر يتوسع ويمتد بزيادة أعداد الشباب والصبايا المشاركين به، وكذلك بإمتداده في أكثر من حي، و بالإنطلاق من بعض المساجد الدمشقية. كان النظام والامن بالمرصاد كل الوقت لهذا الحراك، حيث قرر النظام انهاء التظاهر بالعنف و مهما كلف الأمر. فقد بدأ باستعمال الرصاص الحي وبدأ يسقط الشهداء من الشباب الثائر. كما كانت سارة واسامة كل على حدا يشاركان في التظاهر، والكل كانوا يتصرفون بالخفية عن أهلهم، فبعض الأهل كانوا من مؤيدي النظام، والأغلب يخافون على أولادهم من القتل والاعتقال والتنكيل، لأنهم يعرفون عنف ووحشية النظام، سواء ما حصل في الثمانينات من قتل عشرات آلاف الناس خاصة في حماه، او اعتقال المعارضين السوريين وقتل البعض وتشريد البعض واستمرار ذلك عبر حكم النظام الممتد الى عقود خمسة.
لم يردع الشباب الثائر استعمال الرصاص الحي وقتل الثوار وضربهم بالعصي الكهربائية وسحلهم بالشوارع والاعتقال للبعض عن الاستمرار في التظاهر، وأصبحوا يتواعدون على مظاهرات طيّارة وليلية أحيانا تمتد لدقائق وكان البعض يصورها ويرسلها للقنوات الفضائية وخاصة الجزيرة، وكان ذلك يزيد من جنون النظام، الذي بدأ يخترع فكرة الجماعات الارهابية والتدخل الخارجي، وكانت هذه التوثيقات تُكذّب ادعائه عن الثورة والثوار. استطاعت رغد أن تشارك في كثير من التظاهرات وأن تنجو من ضرب الأمن والشبيحة ومن الاعتقال، لكنها أخيرا اعتقلت وكان حسام ابن حارتها وحبيبها مراقبا للحظة اعتقالها ولم يستطع أن يفعل شيئا.عاشت رغد في الاعتقال الأول أجواء نفسية من الخوف والتحدي، كان من المعتقلين ايضا صبايا أخريات والكثير من الشباب، كان التعذيب بحق الشباب أكبر وكان يراعون الصبايا ويتصرفون معهن في حذر كان الاعتقال الاول هينا وامتد لوقت محدود. لم يردع اعتقال رغد الاول عن النشاط في التظاهر بل زاد من اندفاعها ، لقد اكتشفت انها والأخريات والآخرين من الشباب الثائر على حق، وعادت للتظاهر، كان الاعتقال هذه المرة اسوأ وبدأت تخاف من التحرش، وفي بعض الاحيان حصل تعذيب بحق المعتقلين كان قاسيا وادى لموت البعض تحت التعذيب، كان حسام حبيبها وابن حارتها ينتظرها حتى خرجت ثانية عبر الرشوى والواسطة، لقد كان والدها ضابطا سابقا في الجيش ومن مؤيدي النظام. كانت العلاقة بينها وحسام قد تأكدت لهما كحب، فتقدم حسام لخطبتها، وقبل الاهل ذلك ظنا منهم أن ذلك يردعها عن الاستمرار في التظاهر والإهتمام بالشأن العام، حصلت الخطبة وتآلف قلبي رغد وحسام الذين لم يرتدعا عن الاستمرار بالنشاط الثوري؛ التظاهر ومساعدة المصابين وفي الإغاثة ودعم العائلات المتضررة. اعتقلت رغد للمرة الثالثة وكان هذا الاعتقال الاسوأ وكان النظام قد اتخذ قرارا بتصفية وقتل المتظاهرين والثوار بكل الطرق، فقد كان التعذيب والتحقيق والاعتقال كله مؤديا للقتل او التشويه او الاعاقة، وبعد مضي وقت طويل على اعتقال رغد بدأ حسام رحلة بحث عنها في الأفرع الامنية الكثيرة، وهذا بحد ذاته جنون وانتحار، مما ادى لأن يعتقله الفرع الامني الذي اعتقل خطيبته رغد، وبدؤوا معه رحلة تعذيب قاسية جدا، طالبوه بمعلومات عن متظاهرين آخرين، وعن ارتباطات خارجية وأن يعترف بأعمال ارهابية وارتباط بالخارج، كانوا يتصرفون معه ومع غيره بمنطق التصفية الجسدية او دفعه للجنون او العيش في ظروف مستحيلة لقساوتها واذلالها. وفي النهاية استطاع والد رغد أن يخرج ابنته من المعتقل بعد دفع رشوى كبيرة وأن يخرجها مباشرة الى اسطنبول لكي لا تعود للنشاط الثوري مجددا. وفعلا وصلت رغد الى اسطنبول وكان ذلك في السنة الثانية للثورة، لتجد أن السوريين الهاربين من بطش النظام السوري قد اصبحوا مجتمعا صغيرا وبدؤوا يتكتلون ويصنعون لهم وجودهم واستمرارهم سواء بالعمل او التعليم للأطفال وللشباب الذي غادر قبل انهاء دراسته. وجدت رغد نفسها وسط هذه الأجواء التي سرعان ما اندمجت بها وعاشت ذاتها كاملة فيها. لكن بقيت غصّة اعتقال حسام في ذات الفرع وأنها لا تعرف عنه شيئا وقد يكون قُتل هناك. وبالنسبة لحسام كان التعذيب معه ومع غيره قد وصل الى مرحلة التصفيات للناشطين الذين يصلون الى المعتقلات، ويلات التعذيب، والعيش في المنفردات والمراحيض والجماعيات المكتظة إلى درجة تفشي الاوبئة والحشرات والامراض، صار الموت تحت التعذيب أو بالجماعيات والمنفردات منظرا عاديا جدا، لقي حسام الكثير الكثير من التعذيب وكان مصيره الموت كغيره، لكن دفع أهله الرشوة أدى لخروجه وانقاذه بعد أن نقل إلى كثير من معتقلات الفروع الامنية كان آخرها سجن صيدنايا الاحمر سيء الصيت. ومن ثم تسفيره الى اسطنبول. وصل حسام لكنه كان دخل في حالة من الضياع العقلي والنفسي، تلقفه الشباب السوري الذي سبقه إلى اسطنبول وساعدوه. التقت به رغد خطيبته وحبيبته، لكنه بقي حياديا اتجاهها، لم يتعرف عليها، جرح ذلك رغد وجعلها تعيش مشاعر قاسية جدا، اين حسام الذي تحب؟، ماذا فعل الوحوش به ؟. ساعد الناشطين حسام للخروج إلى ألمانيا حيث سيخضع لعلاج نفسي لعله يخرج من محنته النفسية والعقلية تلك. غادر الى المانيا وبقيت الغصة في نفس رغد وهناك تمت معالجته وعاد الى اسطنبول ليجد أن والد رغد ووالدتها قد حضروا الى اسطنبول، وليعود إلى رغد حبيبا وخطيبا ويطلب من عائلتها إتمام الزواج، خاصة أن إمكانية العمل له ولها كان متوفرا في المدارس ومراكز الإغاثة التي افتتحت للسوريين. يتم الزواج وتعيش رغد وحسام حياة يعوضون بها عن معاناتهم، ويفكرون فيها بالوقت الذي يعودون به لسورية وقد سقط نظام الاستبداد وتحققت للناس شروط الحياة السوية وتحققت شروط الحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية. كما حصل مستجد في حياة حسام حيث دعي بعد مضي سنوات على الثورة وحيث أصبح في الشمال السوري مناطق محررة من النظام ليذهب مع آخرين ليقوموا بأدوار اغاثية وطبية، وبالفعل ذهب مع آخرين إلى الداخل وشارك معهم بالإغاثة والإسعاف، تابع واقع القصف والقتل والتدمير بحق الشعب الصامد، دخل الى ريف حلب وادلب وعايش معاناة الناس هناك، ثم عاد ليستمر بنشاطه في اسطنبول فهناك زوجته رغد التي تنتظر طفلا يلون حياتهم بالبهجة قليلا. بينما بقي آخرين في الداخل يقومون بالدور المطلوب منهم كأبناء أوفياء للثورة التي لم تنتصر بعد.
على مسار آخر وبالتناوب في الرواية الشهادة الميدانية. نتابع حياة سارة واسامة بشكل خاص وعبرهم نتابع مصائر الكثير من شباب وشابات الثورة السورية.
سارة فتاة دمشقية تدرس في كلية الهندسة في سنتها قبل الاخيرة، فتاة متفوقة، وحيدة امها وابيها، يحبانها وتحبهم، يعاملها والدها بتميز، يصنع وعيها أول بأول، معارضين جذريين للنظام، زرع فيها مافعله النظام عبر تاريخه القمعي وخاصة أحداث الثمانينات، كانت جاهزة موضوعيا لتكون مع الثورة و منتمية لها منذ اللحظة الأولى، شاركت في الكثير من التظاهرات وفي النشاطات الموازية من اغاثة ورعاية طبية وغيره، وكان مصيرها أن تعتقل وأن تؤخذ مع غيرها الى أحد الفروع الامنية، حيث جمع الكثير من الناشطين، قال أحد العناصر الامنية اتيتكم بملكة الهندسة سخرية بسارة، التي تحدته وقالت له لا تلمسني، حيث سمعها اسامة أحد الشباب الناشطين المعتقلين في ذات الحملة، لن يذهب من ذهنه اسم ملكة الهندسة ولن ينسى صوتها. اعتقلت وسيقت الى الفرع ونالت من التعذيب الكثير وحُقق معها كثيرا وكانت اجاباتها دوما بالنفي وانكارها لأي نشاط ثوري، كان اسامة يتابع كل ما يحصل في زنزانات الاعتقال، التعذيب الصراخ وموت بعض المعتقلين تحت التعذيب وتركهم مرميين في اروقة المعتقل. الاكتظاظ سوء التهوية والتغذية والامراض المنتشرة، والموت اليومي الذي يسببه التعذيب وسوء الظروف المعاشة واطلاق يد السجانين على ارواح الثوار المهدورة، لا يهتم لموتهم أحد، لقد اصبح امرا عاديا.
سيدفع أهل سارة المال ليتم اخراجها من الاعتقال ومن ثم تسفيرها مباشرة الى اسطنبول. أما اسامة فقد خرج من المعتقل ايضا وغادر إلى الاردن لانه اصبح تحت التهديد الأمني دوما. حاول أن يجد فرصة عمل هناك لكنه لم ينجح، فانتقل الى اسطنبول وبدأ بالعمل مع مراكز الاغاثة والمدارس الكثيرة التي فتحت في اسطنبول لاستيعاب الأطفال السوريين المهجرين من سورية مع أهلهم. التقى اسامة بسارة في أحدى المدارس حيث كانت تدرّس وكان اسامة يتابع برامج تأهيل للاطفال، سمع صوتا لم ينساه انه صوت ملكة الهندسة التفت اليها وقال لها ملكة الهندسة، تفاجأت سارة وتوترت هذه تسمية الأمن لها أيام الاعتقال، وضّح لها اسامة أنه كان رفيق رحلتها منذ الاعتقال في باص الامن حتى المعتقل وكان يتابع كل ما حصل معها. تعارفا وحصل بينهم الود وبوادر حب لم يصرّح به، خطط اسامة وزياد صديقه للخروج إلى ألمانيا لأن الظروف هناك افضل، لكن اسامة تراجع في آخر لحظة، لقد أحسّ أن هناك ما يربطه بسارة، غادر رفيقه زياد ومن خلاله عرفنا ما حصل مع السوريين باللجوء إلى أوروبا؛ ابتزاز المهربين، الغرق في البحر والضياع في الغابات، الموت في طريق الذهاب، وأن أغلب من وصل الى هناك لم يستطع التكيف، زياد يفكر أن يعود الى اسطنبول حيث صديقه اسامة الذي استمر يعمل بجوار سارة، يختبر عواطفه وهي تختبر مقدار تعلقه بها، لقد أصبح كل منهما ضروريا للآخر، لكن لم يصلا لمرحلة المصارحة والخطبة. مازال أسامة مسكونا بالثورة وبدور يجب أن يقوم به. جاءت الفرصة عندما ذهب صحبة حسام وآخرين الى الداخل السوري للمساعدة في الإغاثة والإسعاف والتعليم، وصل الى هناك تسكنه الهيبة، لكن روحه ارتدت له بعد ذلك، شارك في الانقاذ بعد الضربات الصاروخية اليومية من النظام المجرم على المناطق المحررة وسقوط الشهداء والجرحى، كما ساهم في اعادة تأهيل الاطفال نفسيا ومعنويا، لقد وجد نفسه في المحرر، ووجد ان الثورة لم تنتهي وأنه سيقوم بدوره هناك، صحيح أنه ترك بعض قلبه في اسطنبول حيث سارة لكنه هنا في مكانه وزمانه ودوره، التحق بالدفاع المدني واستمر مع الأطفال يجدد روحه ودوره.
سارة مستمرة في مدرستها وتعليم أطفالها والمستقبل مفتوح على كل الاحتمالات لعل الأقدار تجمعها مجددا مع اسامة الذي سكن القلب وغادر إلى المحرر.
هنا تنتهي الرواية.
في تحليلها نقول:
٠ نحن أمام شهادة على شكل رواية تعيدنا الى ألق الثورة السورية الأول، إلى نقائها وطهرها، الى اصالتها ونصاعة الحق فيها، الشباب الثائر النظيف القلب والعقل، المندفع بعمره ودمه لمواجهة طغيان النظام وجبروته، مطالبين بالحق الانساني بالعيش الكريم والحرية والعدل والديمقراطية وحياة الناس الافضل. رواية تذكر بالاصل متجاوزة عن كل ما حصل من تشويه للثورة واستخدام لها ؛ ارتزاق سياسي وعسكري مهين، استخفّ بالشعب الذي استشهد منه أكثر من مليون واصابت الاعاقة مثلهم وتشرد في اقطاب الارض نصف الشعب السوري بملايينه الاثني عشر ويزيد. هذا غير نصف سورية المدمر، وغير الاحتلالات المتعددة لبلدنا سورية؛ من الروس والايرانيين والأمريكان والصهاينة والمرتزقة من كل صنف ولون .
٠ الرواية تمس شغاف القلب تنساب باسلوبها مع النفس، وتجعل القارئ جزء من الحدث وتصنع من القارئ انسانا منتميا للموقف المعاش، مع الحرية ضد الظلم ومنتصرا لانسانية الانسان.
٠ للرواية رسالة مهمة تؤكد أن الإنسان السوري إبن الثورة، دفع الثمن الاغلى من حياته وتشرده وخسارة وطنه (ولو مؤقتا) لكنه رغم كل ذلك حيث وصل وانغرس كان نموذجا إنسانيا رائعا. حُولت المصيبة احيانا لخيارات أقدار بديلة، فالله يعوض كل ضرر بجبر الانسان الاصيل العامل حيث هو و بجهده لحياة بديلة جيدة ومشرقة.
أخيرا لفت نظري في الرواية وغيرها ايضا أن الكاتبة رمزت لنفسها أم السعد وهذا مؤشر عملي على بطش النظام الذي ما زلنا نعمل لاسقاطه ومحاسبته وبناء الدولة الديمقراطية العادلة. ما زلنا كسوريين اختبرنا ظلم النظام وحقده فقد يرسل شياطينه وراء الناشطين في كل مكان لتصفيتهم، ومازال لنا في بلادنا اهلا وأحباب نخاف عليهم من صوتنا وعدم سكوتنا وفضحنا للنظام، أن ينتقم منّا بهم. خاصة أن القوى الدولية سكتت عن فعل النظام ودعمته بصمتها، وتحاول إعادة شرعنته، لأنه لا اكفأ منه في تدمير سورية وقتل شعبها، وهكذا يريدون.
نعم وصلت رسالتك اختي ام السعد وانت بتغطية اسمك قد أصبحت صوتا لكل السوريين المظلومين والضحايا والباحثين عن حقوقهم الانسانية المستلبة منهم في بلادنا ومن النظام المستبد المجرم.