الحبيب السائح أديب وروائي جزائري، هذه الرواية الاولى التي أقرأها له. انا وحاييم، رواية مثيرة بدأ من عنوانها، بطل الرواية يتحدث بصيغة المتكلم عنه جزائري مسلم “ارسلان” وعن صديقه الجزائري اليهودي “حاييم” منذ طفولته. بدأ سرد الأحداث بتاريخ ١٩٤٤م في مدينة “سعيدة” في الجزائر متتبعا مساره الحياتي طفولته في المدينة ورفيقه اليهودي في الحي. هو ابن الإقطاعي الملقب القايد لانه اعطي قيادة قبيلته وتمثيلها عند السلطات الاستعمارية الفرنسية، وصديقه حاييم ابن التاجر اليهودي، بدأ رحلة الدراسة الابتدائية مع صديقه، المدرسة التي قليلا ما يدخلها ابناء الجزائر الأصليين، بسبب فقرهم وقلّة مواردهم، والذين يعاملون من الفرنسيين المستعمرين ومن الاوربيين الاخرين الذين جاؤوا مع الفرنسيين من ايطاليا واسبانيا وغيرها، يسمون أصحاب الاقدام السوداء. اهل البلاد يسمونهم الكولون من باب السخرية والإذلال، كان لغنى والدي ارسلان و حاييم دور في دخولهم سلك التعلم، وكان تحدي المعاملة الدونية من المعلمين الفرنسيين وزملائهم أبناء الفرنسيين وأبناء أصحاب الأقدام السوداء، محفزا قويا عند الطفلين لعيشا التحدي والإصرار على مواجهة عدوانيتهم بالتفوق الدراسي وتحصيل درجات ممتازه. صحيح أن الفرنسيين كانوا قد عملوا على جذب اليهود الجزائريين الأصليين او القادمين منذ حملات التطهير الأوروبي لليهود حيث جاؤوا لشمال افريقيا والجزائر هربا بحياتهم من الاضطهاد المسيحي الأوروبي لهم، عمل الفرنسيين على منح اليهود في الجزائر الجنسية الفرنسية وجذبهم ليكونوا عونهم في مواجهة الشعب الجزائري. لكن استجابة اليهود والمسيحيين الجزائريين للاستعمار الفرنسي متفاوتة، بعضهم التحق بالفرنسي والبعض الآخر اعتبر نفسه جزء من الشعب الجزائري. هكذا كان والد حاييم وبعده ابنه. استمر الصديقان في مرحلة التعليم الابتدائي وكانا من المتفوقين دوما، كبرا معا وكبرت بينهم حالة صداقة ووفاء واتفاق على التفوق دوما، ثم انتقلا الى المرحلة الثانوية وكانا فيها مجدين ومتفوقين، وحصلا درجات أهلتهما ليدخل ارسلان الفلسفة وحاييم الصيدلة، انتقلا الى الدراسة اولا في وهران ثم في جامعة العاصمة الجزائر. كبر الصغار أصبحوا شبابا، توسعت مداركهم، أصبحوا مطلّين على التمييز العنصري الذي يمارسه المستعمر الفرنسي ضد الشعب الجزائري، اطلعوا أكثر على تاريخ النضال الجزائري ضد المستعمر الفرنسي منذ الامير عبد القادر الجزائري، وأن المقاومة مستمرة حتى تحرير الجزائر، وانها تمر بمراحل مد وجزر. تزداد مسألة اليهود تعقيدا في الجزائر، فهاهي تعلن دولة اسرائيل على ارض فلسطين في ١٩٤٨م، ويبدأ كثير من اليهود بالهجرة للدولة الوليدة او الى اوروبا، “كولدا” حبيبة حاييم تهاجر الى الكيان الصهيوني مختلفة مع حاييم وتاركة في نفسه جرحا لن يندمل، اخبرها انه جزائري وهذه بلده ولن يغادره. على مستوى الجامعة كبر وعي ارسلان وحاييم وبدأت تختمر في ذهنهم وفي الواقع إرهاصات جولة ثورة جديدة تعمل لتحرير الجزائر، ظهرت منظمة الجبهة الوطنية الجزائرية كعمل سري مسلح، يعمل لمقاومة الفرنسيين وإخراجهم من الجزائر والاستقلال، سيكون ارسلان جزء من الجبهة وخلاياها السرية، ويكون حاييم صديقا للثوار ويقدم لهم المساعدة الطبية والدوائية. سيتخرج ارسلان وحاييم من الجامعة، ارسلان سيلتحق بالثوار في الجبال ويبدأوا بالنضال ضد الفرنسيين، وسيفتح حاييم صيدلية ستكون موقعا طبيا يخدم الثوار كل الوقت. بدأ التحضير للثورة الجزائرية بشكل سري، بناء الخلايا والتدريب والتسليح، سيكون ارسلان واحدا من خلية ثورية يناط بها بعض الاعمال المسلحة، ويبدأ العمل المسلح، وبعد فترة ينتقل العمل للجبال، وينتقل معهم ارسلان، ويبقى على اتصال مع حاييم الذي أيّد الثورة ودعمها عبر صيدليته ودوائه، استمرت الثورة لسنوات وانتصرت وعاد الثوار من الجبل الى المدن، عاد أرسلان مع حبيبته الثائرة زليخة التي كانت معه بالجبل، تزوجا بعد حين، تبوأ ارسلان موقع رئيس بلدية مدينته سعيدة، وكان نموذجا للثائر الذي تحول للعمل لخدمة الناس بعد استقلال الجزائر، وكان حاييم معه ومعينه كل الوقت. لكن حلم الثورة ببناء جزائر حر مستقل عكّرة بداية هيمنة بعض الانتهازيين المنتمين إلى الثورة والذين بدؤوا يستغلون ماضيهم ومراكزهم ومسؤولياتهم العسكرية لمصالحهم الخاصة. هذا جعل ارسلان وحاييم في حالة إحباط ومعاناة. مع ذلك سرعان ما كلّف ارسلان ان يتحول للتدريس في مدينته، كان سعيدا أن يدرّس في مدرسته بعد طرد المستعمر وتجاوز التمييز العنصري.
تنتهي الرواية في عام ١٩٦٦م بعد ان تم اسقاط الرئيس المدني للجزائر أحمد بن بلة وتبدأ هيمنة العسكر على الجزائر. في اشارة صريحة لمعاناة الجزائر مع الحكم العسكري الاستبدادي عبر عشرات السنين.
في تحليل الرواية نقول: اننا امام رواية كتبت بطريقة المذكرات الراصدة لفترة مهمة من تاريخ الجزائر الحديث، رابطة بسلاسة ونجاح بين الجانب الخاص والجانب العام لشباب الجزائر في مرحلة تاريخية متميزة أنها مرحلة النضال الجزائري ضد الفرنسيين للاستقلال ونجاحها في ذلك، مركّزة على الرابط الوطني المتجاوز لاي تمييز ديني او مجتمعي عبر نموذج العلاقة بين ارسلان وحاييم. ومنهية الرواية بإشارة واضحة لبداية هيمنة العسكر على الحكم في الجزائر، ورصد مسبق يوحي بحال الجزائر التي ستحتاج بعد عقود طويلة لثورة اخرى للتحرر من الاستبداد العسكري كما تحررت من الاستعمار الفرنسي قديما. وهذا ما يحصل الان على الأرض الجزائرية ونحن الآن في عام ٢٠١٩م بعد اكثر من خمس عقود، ليؤكد على حيوية الشعب الجزائري ونضاله لاسترداد دولته من طبقة الحكم العسكري التي تستغل البلاد والعباد، وللتأكيد على ترابط الاستقلال مع الحرية والعدالة والدولة الديمقراطية المعبرة عن مصالح الشعب كله.
قراءة موفقة تماما في الإسهاب بالتفاصيل وفي النقد البناء….
عافاك الله ووفقك صديقي الجميل