من منتدى الدوحة إلى الأحواز: رسائل إيران وضرورة المواجهة وتبنّي القضية الأحوازية)

طاهر التميمي

شهد منتدى الدوحة الأخير حضورًا بارزًا لجواد ظريف، وزير الخارجية الإيراني الأسبق، الذي وجّه خلال مشاركته رسائل سياسية متعددة الاتجاهات. ورغم أن الخطاب الإيراني الرسمي كثيرًا ما يتسم بنبرة التهديد واستعراض النفوذ، فإن تصريحات ظريف حملت دلالات متشابكة، خصوصًا حول الملفات التي يسعى النظام إلى إبقائها خارج دائرة الضوء، وعلى رأسها القضية الأحوازية.

خطاب ظريف: رسائل تتجاوز المنصة

لم يقتصر خطاب ظريف على رسائل للخارج، بل حمل رسائل موجّهة إلى الداخل الإيراني أيضًا، تعكس حساسية النظام تجاه أي نقاش دولي حول القوميات غير الفارسية. ويأتي التركيز على الأحواز في هذا السياق بوصفه ملفًا يقلق طهران ويشكّل نقطة هشاشة في بنيتها الداخلية.

الأحواز… القضية التي تحاول طهران إسكاتها

يُعد إقليم الأحواز من أكثر المناطق أهمية لإيران، سواء من ناحية الثروات أو الموقع الجغرافي أو التركيبة السكانية العربية. لكن طريقة تعامل دولة الاحتلال اعتمدت لعقود على التضييق والتهميش و نهب الثروات ، بدل الاستثمار في التنمية أو الاعتراف بالهوية العربية، ما جعل المنطقة تحت ضغط مزدوج: سياسي واقتصادي.

الأحواز قبل 1925… الرواية التاريخية وحق تقرير المصير

تُشير الكثير من عقود ما بين بريطانيا و دولة الأحوازية والوثائق التاريخية إلى أن الإقليم كان يتمتع بالاستقلال السياسي وسيادة الدولة تحت حكم الشيخ خزعل الكعبي، وإلى أنه كان يُعامل ككيان عربي يتمتع بالسيادة قبل إخضاعه بالقوة عام 1925 في عهد رضا شاه، ضمن عملية توسّع الدولة المركزية الإيرانية الحديثة بمساعدة بريطانيا.

وبناءً على هذه القراءة التاريخية، يرى الأحوازيون أن قضيتهم ليست مجرد قضية حقوق مدنية، بل قضية شعب كانت له وضعية سياسية و سيادة دولة تم تغييرها بالقوة، مما يجعل حق تقرير المصير بالنسبة لهم ليس شعارًا عابرًا، بل مطالبة تستند إلى جذور تاريخية.

وفي هذا السياق، يُنظر إلى “التحرير” ليس بمعنى الصراع أو المواجهة، بل بمعناه السياسي والحقوقي الواسع:
أي استعادة الشعب الأحوازي لحقه في تحديد مستقبله وهويته وموقعه السياسي، ضمن أطر سلمية وقانونية معترف بها دوليًا.

شبكة الأذرع الإقليمية… واستنزاف خيرات الأحواز

من النقاط الجوهرية في فهم القضية الأحوازية النظر إلى شبكة النفوذ الإقليمية التي تعتمد عليها طهران. فالعديد من المنظمات والمليشيات المصنفة إرهابية أو متهمة دوليًا بزعزعة الاستقرار تُعد جزءًا من الأذرع الخارجية لإيران.
وتشير تحليلات سياسية عديدة إلى أن جزءًا ملموسًا من التمويل الذي تعتمد عليه هذه الأذرع يأتي من الثروات النفطية والغازية الضخمة الموجودة في الأحواز، ما يعني أن الموارد المحلية تُستنزف لصالح مشاريع إقليمية بدل تحسين حياة السكان الأصليين العرب.

المنصات الدولية وكسر احتكار السردية

تشكل المنتديات الدولية مثل منتدى الدوحة مساحة مهمة لتسليط الضوء على القضايا التي ظلت خارج النقاش الإعلامي والسياسي لسنوات. وعندما يُطرح ملف الأحواز في مثل هذه المنتديات، تتعرض السردية الرسمية الإيرانية للاختبار، ويُفتح المجال أمام رؤية أكثر شمولًا للواقع.

حق تقرير المصير… ومفتاح السلام في الشرق الأوسط

من منظور سياسي وإنساني، يُعد حق تقرير المصير حجر الأساس لأي حل عادل لقضية الأحواز. فتمكين الشعب من اختيار مستقبله السياسي والثقافي والإداري ضمن الأطر السلمية والقانونية يسهم في معالجة جذور التوتر الداخلي.

ومن منظور إقليمي أوسع، يرى كثير من الباحثين أن تحقيق العدالة للأحواز ووقف استنزاف خيراتهم، واحترام إرادتهم التاريخية والسياسية، يمكن أن يشكل مفتاحًا مهمًا لتحقيق سلام طويل الأمد في الشرق الأوسط.
فاستمرار الأزمات الداخلية، مقترنة بتوجيه موارد الشعوب نحو صراعات خارجية، كان دائمًا من أبرز عوامل عدم الاستقرار في المنطقة.

خاتمة

من منتدى الدوحة، عبر الساحة الإقليمية، وصولًا إلى قلب الأحواز، تتضح حقيقة أن القضية الأحوازية تخرج تدريجيًا من الظل لتصبح موضوعًا حاضرًا في النقاشات السياسية والحقوقية. وبين الرواية التاريخية التي تتحدث عن ضمّ دولة الأحواز و احتلالها عام 1925، والواقع المعاصر الذي يشهد تهميشًا واستنزافًا للثروات، تتبلور معاناة شعب يسعى لإعادة الاعتبار لتاريخه وهويته وحقوقه.

إن تبنّي هذه القضية ضمن إطار حق تقرير المصير والعدالة واحترام إرادة الشعوب ليس مجرد موقف سياسي، بل خطوة نحو سلام واستقرار أوسع يشمل المنطقة كلها.
العاشر من ديسمبر 2025

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى