التنافس الأميركي الروسي على لعب الورقة الكردية في سوريا متواصل منذ سنوات. مرة يكون عبر مواجهات سياسية ميدانية مباشرة ومرة أخرى عبر وسطاء محليين وإقليميين في محاولة لتوسيع رقعة النفوذ والتأثير على مسار الملف والمساومة من خلاله على تموضع أوسع. لقاء حلفاء موسكو وواشنطن المحليين في سوريا الذي جمع إلهام أحمد من “مسد” وقدري جميل من “الإرادة الشعبية” يعكس انطلاقة خطوة من النادر جدا أن تعكس هذا التناغم بين الجانبين على توزيع الأدوار وتقاسم الحصص. المسألة أبعد من عملية فتح الطريق أمام مشاركة “قسد” أو المحسوبين عليها في اللجنة الدستورية وتجاوز العقبة التركية البالغة الحساسية في هذا الموضوع.
واشنطن تستفيد من التوتر التركي الفرنسي الذي بدأ يتزايد على خط سوريا والعراق ولبنان وموسكو تريد استغلال التصعيد الأميركي الإيراني الإقليمي وهدفهما المشترك هو إضعاف أنقرة وطهران في سوريا واختبار قدرتهما في التأثير على قرارات لاعبين أساسيين محسوبين عليهما “قسد” والنظام لتسجيل خروقات مؤثرة في صناعة المشهد السياسي والدستوري السوري الجديد. الوسيلة المستخدمة هذه المرة هي إلهام أحمد وقدري جميل.
واشنطن نجحت في إفشال وعرقلة كل خطط موسكو في شرق الفرات ومحاولة التأثير على اللاعب الكردي هناك رغم الكثير من لقاءات الحوار بين دمشق وقيادات “قسد” التي وصلت إلى طريق مسدود، ثم تمكنت أيضا من تسجيل إصابة مباشرة في المرمى الروسي مؤخراً من خلال الاتفاقيات النفطية التي ستكون ورقة ضغط وتأثير على كل حوار سياسي سوري بعد الآن طالما أنها تحت الوصاية والرعاية الأميركية. موسكو بدورها نجحت في جر إلهام أحمد المحسوبة على “مجلس سوريا الديمقراطي” المقرب من الإدارة الأميركية إلى جلسة نقاش وتفاهم مع قدري جميل المعارض الموالي بأوامر وتوجهات روسية وتوقيعهما البيان المشترك حول صورة سوريا الجديدة الذي يسجل الكثير من الوعود والتمنيات والعبارات المطاطة على حساب ما يقوله النظام وما تريده الثورة السورية. نقاط الالتقاء الأميركي الروسي في سوريا ارتفع عددها على طريقة “مرغم أخاك لا بطل” وهي تسير مستفيدة من ” الزنقة ” التركية والإيرانية وتجاهل النظام، والدليل أننا لم نسمع الكثير من ردود الفعل حول ما ورد في بيان أحمد – جميل حول أن “الأزمة في سوريا هي بنيوية وسببها الأول هو التدخلات الخارجية ولا فرصة للحسم العسكري ودعوة القوى الوطنية والديمقراطية لوقف المأساة والصيغة الجديدة المطروحة لتنظيم العلاقة بين المركزية واللامركزية لتكون خشبة خلاص خصوصاً بعد ضم المنصات الأخرى للعملية السياسية”.
موسكو تقود محاولة سياسية محلية جديدة في سوريا تأخذ بعين الاعتبار ما تقوله واشنطن ويريده حلفاؤهما المحليون وهي مرتبطة بتفعيل الحوار في موضوعات الإدارة الذاتية ومصير المجموعات المسلحة لمسد وضرورة إشراك الجميع في رسم مستقبل سوريا المستقبلية. ونقطة الاختبار كانت مضمون مذكرة التفاهم الصادرة عن لاعبين محليين ليكون كل ذلك مقدمة لتحرك أوسع كانت أولى معالمه تخريجة “الإرادة الشعبية” وسلطة الشعب في المناطق”.
الخارجية التركية دعت موسكو لعدم اتخاذ خطوات تدعم أطرافاً مرتبطة بحزب العمال وأصحاب الأجندات الانفصالية وبتفاهمات وروح الأستانة وسوتشي. أصوات في المعارضة حذرت من أي مشروع سياسي يحاول البعض فرضه على الشعب السوري. طهران سلمت سلة بيضها لموسكو تماماً كما هي حال النظام لتقود مواجهتها مع الغرب والدفاع عن مصالحها.
الكثير من الأصوات المحلية والإقليمية الجديدة تتقاطع عند ضرورة حسم مسألة إدلب والمجموعات المتطرفة هناك وإنجاز تحول حقيقي في الحوار السياسي القائم في شرق الفرات وتفكيك عقدة “هذا الإرهابي مقابل ذلك الإرهابي”. ردود الفعل حول ” اللقاء السوري ” في العاصمة الروسية غير كافية أو مشجعة طبعا. هل سيكون هناك ردود ميدانية أخرى أم إن الطيران الإسرائيلي وحده هو الذي سيلعب دور المسهل والداعم لتنفيذ خطة التفاهمات الأميركية الروسية الجديدة؟
الكرة في ملعب قوى المعارضة السورية وتركيا وإيران لتقول ما عندها حول ما جرى خصوصاً وأنه لا يمكن الفصل بين توقيت أكثر من حراك سياسي ودبلوماسي يجمع ما بين اجتماعات اللجنة الدستورية في جنيف وبين لقاء جميل وأحمد في موسكو وكذلك زيارة جيمس جيفري إلى أنقرة والزيارة الأخيرة التي قام بها الدبلوماسي التركي سدات أونال إلى العاصمة الروسية. لا بل هل من علاقة بين ما تحاول موسكو فعله وبين تطورات محلية وإقليمية شهدتها الساحة السورية في الآونة الأخيرة مثل ارتدادات محاولة اغتيال شيخ قبيلة العكيدات الزبيدية إبراهيم الهفل، الذي طالب بـتسليم المنطقة لأصحابها، ومواصلة الطيران الإسرائيلي لغاراته ضد مواقع إيرانية في ريف دير الزور وفي البوكمال قرب حدود العراق والتفاهمات الكردية الكردية في شرق الفرات على العودة لروح ونص “اتفاق هولير” ، وإعلان “تيار الغد” بقيادة أحمد الجربا والمجلس العربي في الجزيرة والفرات والمنظمة الآشورية والمجلس الوطني الكردي تشكيل تحالف باسم “جبهة السلام والحرية وقبولهم بدور “قوات سوريا الديمقراطية”، لكن شرط أن لا يكون ذلك على حساب بقية المكونات ومحاولة الهيمنة على المنطقة، وإعلان الهام أحمد من موسكو أن الوجود الروسي على الأرض في شمال شرقي سوريا مؤثر وأن الاتفاقية الموقعة مع جميل قد تكون مقدمة لمشاركتهم في اجتماعات جنيف وأعمال اللجنة الدستورية؟
هناك أكثر من طرف محلي وإقليمي يرى أن توقيع مذكرة تفاهم بين وكيلين لطرفين يتصارعان في سوريا منذ سنوات هو مقدمة لاحتمال ما. التحرك الروسي الأخير كما يبدو حلقة في خارطة تفاهمات غير معلنة بين موسكو وواشنطن بقبول ودعم محلي وإقليمي يراد منها المضي وراء اختبار جديد قد يتحول إلى فرصة لإخراج سوريا من أزماتها.
المصدر: جسر. نت