نتنياهو منتفخاً في سورية

أحمد مظهر سعدو

بدلاً من أن تتوقف إسرائيل، ولو نسبيّاً، عن ممارسة تعدّياتها اليومية على الأراضي السورية، بعد زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع واشنطن، وما جاء به من دعم أميركي، ووعود كثيرة، بالحفاظ على وحدة بلاده، وإعادة الإعمار، ولجم التدخلات الإسرائيلية المستمرّة في الشأن السوري، عمل رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، عبر محاولاتٍ عديدة تصعيداً للوضع على الأراضي السورية، حيث بدأها بـ”زيارة” استفزازية، وبالزي العسكري، إلى الأراضي السورية، التي سبق أن احتلتها إسرائيل بعد سقوط نظام بشار الأسد وفراره إلى موسكو، وكان في هذا يريد أن يرسل رسائل عديدة، منها أنه لن يتأثر بكل التصريحات الأميركية الداعمة للسوريين، بل هو ما زال في حيز إصراره على الاحتلال لتلك المناطق في الداخل السوري، خصوصاً المنطقة العازلة، ومن ثم قمّة جبل الشيخ، لكن الأدهى والأمرّ والأكثر استفزازاً ما نطق به يوم 21 نوفمبر/ تشرين الثاني، عندما قال إن الرئيس السوري أحمد الشرع “عاد منتفخاً من واشنطن”. وأنه ( نتنياهو) لن ينسحب من الأراضي التي احتلها بعد “8 ديسمبر” (2023)، وهو لم يعد يريد اتفاقاً أمنيّاً، مع دمشق، بل “اتفاق سلام كامل وشامل”.
ويبدو أن من عاد منتفخاً نتنياهو نفسه، وليس الرئيس أحمد الشرع، خصوصاً أنه يدرك تمام الإدراك أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب لا يمكن إلا أن يكون إلى جانب إسرائيل، وأن ما يسمّى الأمن القومي الإسرائيلي هو الأهم للأميركان، من أي أمن آخر في المنطقة، لأي دولة عربية أو مسلمة.
إذاً، يمكن القول، على هذا الأساس، إن كل الوعود الأميركية لدمشق، باتت خلّبية، بما يخص العلاقة مع إسرائيل، وأهمية الوصول إلى اتفاق أمني، أو تفاهم يؤدّي إلى هدوء على الجبهة السورية الإسرائيلية، وعودة الأراضي إلى أهلها السوريين.
كل الوعود الأميركية لدمشق، باتت خلّبية، بما يخص العلاقة مع إسرائيل، وأهمية الوصول إلى اتفاق أمني
كان نتنياهو، كما يتمظهر في حالة المشهد، وما زال يعيش حالة الانتفاخ وفرط القوة، التي حققها له الأميركان، إبّان عدوانه المتواصل على الشعب الفلسطيني في قطاع غزّة والضفة الغربية، وكذلك على جنوب لبنان، وأيضاً على إيران، وأن كل ما قيل عن إمكانية انسحاب إسرائيلي من أراضٍ احتلتها إسرائيل أخيراً تبخّرت، بدعوى أن نتنياهو، كما قال، يريد اتفاق سلام. وربّ سائل يسأل عن أي سلام يتحدّث نتنياهو؟ حيث بات يدرك أن من المستحيل، ضمن الظروف الحالية وفرط القوة التي يمتلكها، الوصول إلى أي اتفاقٍ قد يؤدّي إلى انسحاب حقيقي من الأراضي التي احتلتها إسرائيل في 5 يونيو/ حزيران 1967، حيث يمتلك نتنياهو في جيبه اعترافاً أميركيّاً منذ ولاية ترامب الأولى بضم الجولان إلى إسرائيل، علاوة على حالة الدولة السورية، وكذلك العرب كافة، في غياب أي مشروع عربي حقيقي وجدي، لمواجهة إسرائيل ووقف تعدّياتها وعربدتها في المنطقة العربية، ثم تهافت الجميع نحو إقامة علاقات مع الكيان الإسرائيلي، وصولاً إلى مشروع السلام الإبراهيمي.
لم تستطع كل الدول العربية، ولا النظام العربي الرسمي، وقف حرب الإبادة التي جرت فصولاً ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزّة، ولا تمكّنت من منع عدوان إسرائيل على قطر، ولا هي بصدد وقف العدوان المستمرّ على لبنان ولا على سورية. كل هذا المشهد يدركه نتنياهو تمام الإدراك، وهو اليوم يفاوض بالنار الدولة السورية وغير السورية، ويتمنّع عن الدخول أو الوصول إلى تفاهمات أمنية مع دمشق، ويقول إن سورية هي من تحتاج إلى اتفاق أمنيّ مع إسرائيل، وليست إسرائيل من تحتاج إليه مطلقاً، بينما هو يتاجر باحتمالات تكرار “7 أكتوبر” جديدة على حدود مفترضة مع سورية، ضمن حالة تخويف واستنفار محلي وعالمي ضد سورية. بينما سورية ما زالت تترقّب وتتلهف إلى رفع عقوبات قيصر، وما برحت تناشد العالم، لوقف التعدّيات الإسرائيلية على أراضيها، وهي التي أعلنت غير مرّة أنها ليست بصدد فتح معارك مع أحد، لا إسرائيل ولا سواها، وهذا ما قاله الرئيس أحمد الشرع ووزير الخارجية أسعد الشيباني مرّات.
حكومة دمشق عاجزة كما يبدو عن قطع الطريق على نتنياهو، عبر إيجاد توافق ما مع السويداء والجنوب
يشعر نتنياهو اليوم بانتفاخ ما بعده انتفاخ، وهو يقرأ بعمق وصلف واقع السوريين والعرب، وما زال يصر على كل متطلباته غير المعقولة أبداً، خصوصاً ما يتعلق بالحديث عن إخلاء جنوب سورية من كل السلاح الثقيل، لتكون سورية الجنوبية ساقطة عسكريّاً قبل الدخول في أي معركة عسكرية، كما يصرّ نتنياهو على البقاء في قمّة جبل الشيخ الاستراتيجية، ويرفض أي حلول ثالثة، أو جزئية، وهو ما زال يزاود بمسألة السلام الدائم من دون أن يجد من يمنعه من كل هذه العربدة إقليميّاً أو دوليّاً.
تريد سورية بعد واشنطن بناء دولتها، ووحدة جغرافيتها، وإعادة الإعمار، وتريد أن يكون العام المقبل (2026) عام التنمية في سورية، لكن إسرائيل لا تريد ذلك، ولا توجد أي جدية اميركية من أجل الضغط على إسرائيل لإنفاذ أية اتفاقية، إلا وفق شروطها الصعبة والمستحيلة، ومنها أيضاً فتح ممرّ تسميه إسرائيل ممرّاً إنسانيّاً، كما تقول، يفتح الطريق نحو السويداء.
وحكومة دمشق عاجزة كما يبدو عن قطع الطريق على نتنياهو، عبر إيجاد توافق ما مع السويداء والجنوب. ولا حتى مع شمال شرق سورية، الذي ما يزال يشكل عبئاً ثقيلاً على عملية البناء والوحدة لدى السوريين.
إلى أين تتحرّك سورية بعد تصريحات نتنياهو ومواقفه المتشنجة والمعربدة ضد سورية والحكم في دمشق؟ وهل هو اختبار إسرائيلي لدمشق؟ وهل تستطيع دمشق تجاوز هذا الاختبار بنجاح؟ وهل يمكن أن نصدّق أميركا ترامب بوعودها للسوريين، وللرئيس أحمد الشرع خصوصاً؟

المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى