السويداء بين خيارين

عدنان علي

رغم أن مشاهد رفع صور بنيامين نتنياهو وأعلام إسرائيل في محافظة السويداء السورية ليست جديدة مع الأسف، فإنّ ظهورها بتلك الكثافة في “مسيرة السيارات” كان صادماً لمعظم المواطنين السوريين، خصوصاً أن حدّة التوتر مع الحكومة في دمشق يُفترض أنها تراجعت، ولا توجد أحداث ساخنة في السويداء يمكن أن يستند إليها من يريد تبرير مثل هذه التصرفات، التي لا يمكن تبريرها بأي ذرائع في جميع الأحوال.
وخلال الفترة التي أعقبت أحداث السويداء بعد شهر تموز الماضي، شهدنا مثل هذه المشاهد المستفزة التي تكررت في مسيرات يوم السبت، قبل أن تتراجع وتختفي تقريباً مع توقف أو عدم انتظام تلك المسيرات، في وقت تواصلت فيه جهود الحكومة والجهود الإقليمية برعاية الولايات المتحدة لإيجاد مخارج للوضع في السويداء.
وذلك بالتزامن مع مبادرات من جانب الحكومة أو لفتات حسن نية مثل إرسال رواتب الموظفين، وتقديم المزيد من الخدمات، وتأمين طريق السويداء-دمشق، إضافة إلى المساعدة في تحرير بعض المختطفين في المحافظة.
ومع هذه الأجواء، كان من المنطقي توقع خطوات إيجابية مماثلة من جانب الفئة المتحكمة بالقرار في السويداء -أي تحالف الشيخ الهجري والفلول- أو على الأقل عدم اتخاذ أي خطوات تصعيدية، إفساحاً في المجال لإنضاج الحلول المطروحة.
هذا التطور قد يخرج تلك الفئة التي تختطف قرار أهل السويداء من كل الحسابات الوطنية، ويكشف زيف تمثيلها لمصالح المحافظة، بوصفها مجرد فئة رخيصة تستجدي التدخل الإسرائيلي مقابل رفض أي حوار مع الحكومة الوطنية في دمشق..
لكن “مسيرة السيارات” الأخيرة أثارت تساؤلات حول دوافعها، ويمكن مقاربة تفسيرها من زاويتين رئيسيتين:
الأولى أنها قد تكون جاءت كرد فعل على الزيارة الأخيرة للرئيس أحمد الشرع إلى الولايات المتحدة وما رافقها من مؤشرات إيجابية باتجاه تخفيف العقوبات، الأمر الذي قد تكون بعض الأطراف في السويداء قد اعتبرته تراجعاً في خياراتها السياسية، فاختارت الرد بإظهار تقارب معلن مع إسرائيل.
وتشير تقارير إعلامية إسرائيلية إلى أن زيارة مسؤولين إسرائيليين للأراضي السورية جاءت أيضًا في سياق ردود فعل على تلك التطورات.
التفسير الثاني، فيتعلق باحتمال أن تكون الخطوة استجابة لرغبة إسرائيلية هدفها تعزيز السردية التي تروّج لها تل أبيب حول دورها في “حماية الدروز” بسوريا، وهي الرواية التي تستخدمها لتبرير تدخلاتها المتكررة في الشأن السوري.
وعلى أي حال، فإن هذا التطور قد يخرج تلك الفئة التي تختطف قرار أهل السويداء من كل الحسابات الوطنية، ويكشف زيف تمثيلها لمصالح المحافظة، بوصفها مجرد فئة رخيصة تستجدي التدخل الإسرائيلي مقابل رفض أي حوار مع الحكومة الوطنية في دمشق، ورفض التعامل الإيجابي حتى مع الحلول التي ترعاها جهات إقليمية أو دولية، بما فيها الولايات المتحدة، إذ تضع كل أوراقها في سلة حكومة نتنياهو المتطرفة والمنبوذة دولياً بسبب جرائمها في قطاع غزة التي يندى لها جبين الإنسانية.
وبهذا الخيار، تكون تلك الفئة قد حكمت على نفسها بالعزلة، ليس فقط عن الحالة الوطنية السورية، بل حتى عن أهل السويداء ومصالحهم الحقيقية التي يصعب تخيلها بمعزل عن بقية أبناء الوطن في سوريا، إذ تبيعهم الأوهام بالاستقلال اعتمادًا على دعم مزعوم من إسرائيل التي تحتل أرضاً سورية وتواصل اعتداءاتها اليومية على الأراضي السورية.
وفي الوقت الذي يلوذ فيه هؤلاء بحكومة الاحتلال ويوجهون لها الشكر ويرفعون صور رئيس حكومتها المجرم نتنياهو وأعلام الاحتلال، فإنهم في الوقت نفسه يطلبون من الحكومة في دمشق مختلف الخدمات: من وقود وطحين ورواتب للموظفين وتأمين الطريق الدولي بين السويداء ودمشق، دون أن يكفّوا عن اتهام هذه الحكومة بالإرهاب والتكفير والتطرف.
وهذا السلوك الأرعن لا يبشّر أهل السويداء بأي مستقبل مشرق، بل يعدهم بمزيد من البعد عن إخوانهم في وطنهم سورية، وبمزيد من المعاناة لتأمين احتياجاتهم الأساسية التي لا تزال الحكومة -التي يشتمها هؤلاء- هي من يوفرها لهم، مع استمرارهم في التعامل السلبي مع كل الحلول المطروحة، وتمنّيهم أن تنشأ ظروف مجهولة تؤدي إلى إضعاف الحكومة في دمشق أو حتى سقوطها نهائيًا، لتعود إلى الحكم صيغة تحالفات جديدة من الفئات التي اعتبرت نفسها مهزومة برحيل النظام السابق، تحت رعاية اسرائيلية.
بعد مرور عام كامل على تسلّم النظام الحالي للحكم، نجد أنه حقق العديد من الإنجازات على الصعيدين الداخلي والخارجي، ولا أحد في المجتمع الدولي  -بما في ذلك الولايات المتحدة- يراهن على أي قوى أخرى غير الموجودة في السلطة..
إلا أن هذه السيناريوهات لا تحظى بدعم واقعي، خصوصاً أن العام المنصرم شهد تحسناً في موقع الحكومة السوريّة دولياً وإقليمياً، إلى جانب مؤشرات على قرب تخفيف العقوبات الأميركية.
وبعد مرور عام كامل على تسلّم النظام الحالي للحكم، نجد أنه حقق العديد من الإنجازات على الصعيدين الداخلي والخارجي، ولا أحد في المجتمع الدولي  -بما في ذلك الولايات المتحدة- يراهن على أي قوى أخرى غير الموجودة في السلطة اليوم.
وهذه السلطة سوف تحظى بمزيد من عوامل القوة مع استكمال رفع العقوبات الأميركية المتوقع مع نهاية العام الجاري، لتبدأ بعدها آثار التحسن بالظهور تدريجياً في حياة المواطنين.
وهو ما قد يعزز التوجه نحو الاستقرار ويقلل تأثير الجهات التي تتبنى خيارات تصعيدية في السويداء، الأمر الذي قد يدفع الأهالي إلى إعادة الانخراط في الإطار الوطني العام بالتوازي مع تحسن الظروف المعيشية وعودة مسار التعافي، خصوصاً أن النهج الحالي للفئة المتحكمة في قرار السويداء يثير مخاوف داخلية في المحافظة، ويعمّق الفجوة بين تلك الجهات وبين البيئة المحلية، ويبتعد عن المصالح العملية لأهالي المحافظة الذين تبقى علاقتهم اليومية بالخدمات الأساسية مرتبطة بالدولة السورية، فضلا عن شعورهم بالانتماء الوطني لبلدهم والذي لا يمكن طمسه برغم كل هذا الضجيج حول المظلومية، الحقيقي منه والمفتعل.

المصدر: تلفزيون سوريا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى