
لا يبدو أن ما بعد زيارة الرئيس أحمد الشرع إلى واشنطن ولقائه الرئيس الأميركي دونالد ترمب سيكون كما قبلها، على مستوى جميع الملفات السورية العالقة والمتعثرة.
لقد دخلت سوريا الجديدة ضمن مرحلة تاريخية مختلفة، تؤسس لعلاقات سورية–أميركية ذات أبعاد متنوعة تندرج في أتون الحالة الإقليمية السورية المنفتحة على الجميع، والتي ترسم ملامح انفتاحات سياسية واقتصادية بنهج مختلف وجديد. كما أن تأثيرات دخول سوريا ذاك الحلف الدولي لمكافحة الإرهاب الداعشي، سيكون لها ثقلها وحيثياتها على كثير من الملفات السورية التي ما زالت تراوح في المكان، ومن ثم تعيد إنتاج ذاتها من دون حل جدي ومرتقب.
لعلّ ملف شمال شرقي سوريا، وتعثر مفاوضات تطبيق اتفاق 10 آذار/مارس الموقَّع بين مظلوم عبدي والرئيس السوري أحمد الشرع، سيكون الأقرب للاشتغال عليه، وإنفاذ كل ما سبق وتمنعت (قسد) عن تنفيذه سابقًا، وصولًا إلى اندماج كلي كامل وتام لقوات (قسد) الحالية في سياق مسارات الدولة الوطنية السورية ومؤسساتها العسكرية وكذلك المدنية، والمشاركة الواسعة ضمن انبثاقات تأسيس الدولة الوطنية السورية الجديدة. وهو ما سارع المبعوث الأميركي توماس براك للتأكيد عليه والإشارة إليه، مع اقتراب تطبيق كامل البنود الثمانية المتعلقة بالاندماج الحقيقي، وإنفاذ كل حيثيات ذلك وفق حالة توافق وطني سورية كاملة.
هل ستترك هذه الزيارة لواشنطن آثارها الإيجابية على حالة التنمّر والعربدة الإسرائيلية في المنطقة؟ وهل ستتقدّم مسارات المفاوضات بين سوريا وإسرائيل نحو اتفاق أمني بين الطرفين، ينتهي بموجبه كل حالات التعدي على الأراضي السورية؟
ويبدو أنه ما كان لـ(قسد) أن تندرج في هذا السياق التطبيقي، لولا أن نتائج زيارة الرئيس أحمد الشرع إلى واشنطن قد آتت أُكلها موضوعيًا، وتم البدء عمليًا بالضغط على تنظيم (قسد) من أجل تطبيقها، وهو ما أكده قبل ذلك أكثر من مسؤول أميركي، عندما كان الرئيس أحمد الشرع في واشنطن، من أن الأميركان يريدون إنجازًا وتطبيقًا لكل هذه الحركة الإيجابية التي تعامل بها الرئيسان في واشنطن، وأنه لا بدّ من أن تترك نتائج الزيارة السورية التاريخية لواشنطن انعكاساتها على مجمل القضايا الحاضرة في مستقبل سوريا، وبالتالي على وجودها الفاعل في المنطقة.
المسألة الكردية وإشكالية وجود ميليشيا (قسد) المتكئة على عوامل تكوّن وهيمنة داعش ومن ثم محاربتها، لم تعد موجودة، وبالتالي فالوجود العسكري لتنظيم (قسد) خارج إطار الدولة السورية لم يعد ضرورة ولا مبرر له أبدًا، خاصة بعد أن انضمت هذه الدولة السورية الجديدة بكليتها إلى التحالف الدولي الكبير، لتصبح الدولة التسعين فيه. ومن ثم فإن من يناهض ويحارب الإرهاب باتت الدولة السورية ووزارة دفاعها، وكل مكوناتها، ولم يعد من سبب لأن يبقى أي فصيل أو ميليشيا سورية خارج إطار الدولة بذريعة محاربة الإرهاب، عندما تكون دمشق كدولة هي المخوّلة بذلك. ويبدو أن (قسد) باتت مقتنعة إلى حد ما بأنه لا إمكانية لها للبقاء خارج الدولة السورية، ويُجرى البحث عن حلول موضوعية تمنع التقسيم، وتحدّ من تبعات وجود ميليشيا خارج وزارة الدفاع السورية، التي انضمت إليها سابقًا كل الفصائل العسكرية التي شاركت بالثورة السورية.
وبما أن نتائج زيارة الرئيس الشرع إلى واشنطن قد تركت انعكاساتها الإيجابية على عقبات الحل في شمال شرقي سوريا، فمن الطبيعي أيضًا أن تصل هذه الانعكاسات الإيجابية إلى مسامع حكمت الهجري ومجموعاته العسكرية، ولوجًا في الحل السياسي، وخروجًا من فكرة الانفصال المفترضة، والكفّ عن كل تلك التحرشات الأمنية والعسكرية بعناصر الأمن الداخلي السوري، وأيضًا إعادة التفكير والبحث عن آليات تنفيذية لاتفاق الشيباني–براك مع وزير الخارجية الأردني، الذي سبق وتم إعلانه منذ أشهر لكنه لم يُطبّق بعد.
لا بدّ أن تكون أجواء تطبيق الاتفاق قد أصبحت أفضل، وأن انعكاسات زيارة الشرع لواشنطن، وكذلك الإيجابية الأميركية في التعامل مع سوريا، لا يمكن إلا أن ترسل رسائل ما إلى حكمت الهجري ومجموعاته، وكذلك إلى كل من يلعب بورقة الأقليات في سوريا، وخاصة إسرائيل كلاعب تفتيتي واضح في الواقع السوري. ومن ثم فإن أهمية إعادة فتح باب الحوار الوطني السوري ما انفكت ضرورة حياتية لكل سوري، وإن أي تمنّع من قبل الحكومة، أو من بعض مكونات الشعب السوري، لن يكون في صالح الأوضاع السورية، ولا في صالح الوصول إلى حالة وحدة السوريين، ولا في صالح بناء سوريا الموحدة المستقرة.
ويبقى السؤال: هل ستترك هذه الزيارة لواشنطن آثارها الإيجابية على حالة التنمّر والعربدة الإسرائيلية في المنطقة؟ وهل ستتقدّم مسارات المفاوضات بين سوريا وإسرائيل نحو اتفاق أمني بين الطرفين، ينتهي بموجبه كل حالات التعدي على الأراضي السورية؟ ويُعاد تفعيل اتفاق فضّ الاشتباك المنتهَك من قبل إسرائيل؟ أو يُعاد إنتاج اتفاق جديد قد يكون تحديثًا عمليًا لذاك الاتفاق، ومن ثم إعادة الاستقرار إلى المنطقة بكليتها، وليكون البناء في سوريا قادرًا على المضي في مساراته من دون منغصات كبرى، من قبل إسرائيل المعتدية دائمًا وأبدًا على جوارها العربي ومنه بالضرورة سوريا.
ما يتوقعه السوريون أن تنعكس زيارة الشرع واللقاء في واشنطن على أوضاعهم الداخلية والمعيشية خاصة، وعلى كل مفاصل حياتهم.
كثير من الملفات الداخلية والخارجية سوف تتأثر بنتائج الزيارة لواشنطن، وينتظر السوريون حلّ العديد من واقع وإشكالات ما زالت تقضّ مضجعهم، وتبعث أحيانًا على بعض اليأس، عندما يرى المواطن السوري البطء الكبير في إنجاز متطلبات الداخل وتخطيها، في حين هناك تسارع واضح على مستوى السياسة الخارجية. الوضع الداخلي يحتاج من الحكومة إلى التفاتات أكثر، وجدّية أكبر في التعاطي معه، وحالات البناء تكون صعبة في البداية، لكن عوامل نجاحها متوفرة بما آلت إليه نتائج العلاقات الخارجية السورية مع الدول الكبرى في الخارج، وكذلك المحيط العربي والإسلامي والفاعلين الدوليين.. وهو ما يفترض أن يلمسه المواطن السوري تسارعًا في حل إشكالاته الاقتصادية والمعيشية، التي باتت تؤرق حيوات الناس، وتدفعهم إلى مزيد من الخيبات، بعد أن تفاءلوا كثيرًا إبان انهيار نظام بشار الأسد وفراره إلى موسكو.
ما يتوقعه السوريون أن تنعكس زيارة الشرع واللقاء في واشنطن على أوضاعهم الداخلية والمعيشية خاصة، وعلى كل مفاصل حياتهم. وهذا ما نتوقعه من فعل حقيقي أصبح قريبًا جدًا من الواقعية السياسية المنتظرة، والتي ستنعكس بالضرورة على مجمل الوضع الخدمي والمعيشي للناس، وصولًا إلى العدالة الاجتماعية، ودولة المواطنة المبتغاة.
المصدر: تلفزيون سوريا






