
أعلن وزير الخارجية والمغتربين، أسعد الشيباني، اليوم الثلاثاء، تسلمه قراراً موقعاً من نظيره الأميركي، ماركو روبيو، يقضي برفع جميع الإجراءات القانونية المفروضة سابقاً على البعثة السورية في نيويورك والسفارة السورية بواشنطن، من قبل الولايات المتحدة الأميركية، لتعود سوريا قادرة على ممارسة دورها الدبلوماسي بحرية كاملة، على الأراضي الأميركية ضمن الخطة الاستراتيجية التي وضعتها وزارة الخارجية السورية.
وقال الشيباني: “مرة جديدة، وليس الأخيرة، تؤكد الدبلوماسية السورية حضورها الفاعل وقدرتها على تحقيق تقدم ثابت في إزالة العقبات وتهيئة الطريق نحو مستقبل سوري أكثر انفتاحاً واستقراراً”.
ويأتي هذا التطور السياسي والقانوني المهم، عقب اللقاء التاريخي الذي جمع الرئيس، أحمد الشرع، بالرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في “البيت الأبيض”، مساء أمس الاثنين، والذي شكل محطة محورية في تطبيع العلاقات الثنائية، وتطويرها بما يخدم القضايا المحلية والإقليمية والدولية، وبعد نحو 5 أشهر على تعديل وزارة الخارجية الأميركية تصنيف البعثة السورية الدائمة لدى الأمم المتحدة في نيويورك، لتصبح بعثة لحكومة معترف بها من قبل الولايات المتحدة.
حين ترغب سوريا بذلك “بدوره أكد مندوب سوريا الدائم لدى الأمم المتحدة، إبراهيم علبي، أن رفع الحظر الدبلوماسي عن السفارة السورية في واشنطن، يمثل خطوة تاريخية في العلاقات السورية الأميركية، وأن الدبلوماسية السورية تتعامل مع جميع الملفات بطريقة متوازية وحسب الأولويات.
وقال علبي: إن “روبيو سلّم رسالة رسمية إلى الشيباني -خلال الاجتماع الوزاري الذي ضم إلى جانب الشيباني وروبيو وزير الخارجية التركي هاكان فيدان- تفيد بالسماح بإعادة فتح السفارة السورية في واشنطن، حينما يرغب الطرف السوري بذلك، بعد أن زالت الحواجز القانونية والدبلوماسية التي كانت مفروضة منذ زمن النظام البائد”.
ولفت علبي، إلى أن الدبلوماسية السورية تتعامل مع جميع الملفات بطريقة متوازية وحسب الأولويات، حيث وضعت خطة عمل في الاجتماع الوزاري، وتم التركيز على الجانب الاقتصادي ورفع العقوبات، إضافة إلى الاتفاق الأمني مع إسرائيل وملف “قسد”، مبيناً أن اللقاء كان منتجاً جداً حيث تم استخدام الخرائط والأوراق في النقاشات العملية.
السوريون وفق توصيف علبي، “يحق لهم الفرح” بهذا الإنجاز الذي تحقق بفضل صمودهم ودعمهم لقيادتهم، وأن الخطوات المقبلة ستسير بخُطا ثابتة ومدروسة في إطار الاستراتيجية السورية للتعاون الدولي، بما في ذلك تعيين السفراء في دمشق وتفعيل السفارات حول العالم.
رمزية سياسية
يرى المحلل السياسي، أحمد مظهر سعدو، أن القرار الأميركي يعني فيما يعنيه، إعادة المسألة الدبلوماسية بين البلدين إلى وضعها الطبيعي، كما هي بين الدول عادة، وهذا يشير إلى جدية الإدارة الأميركية في التعاطي مع الوضع السوري الجديد، بعد سقوط نظام الفاشيست الأسدي، بحسب وصفه.
وأضاف سعدو، في حديث مع صحيفة “الثورة”، أن من المكاسب الأكيدة للسوريين في هذا السياق هو تسهيل إجراءات تبادل الدبلوماسيين بين البلدين، وفتح السفارات والقنصليات بشكل متبادل، بما لها من علاقة مباشرة بتأمين الخدمات لمواطني كل بلد منهما.
وأشار الباحث السياسي، إلى أن هذا القرار يفتح باباً جديداً وعقلانياً، يتيح للقادمين إلى سوريا من المستثمرين الأميركيين بالدخول بدون أي تعقيدات مرتبطة بموضوع العقوبات، سواء كانت السياسية أو الاقتصادية أو أي نوع آخر من العقوبات، والتي يأمل السوريون بإزالتها بشكل نهائي في أقرب وقت ممكن.
وأوضح سعدو أن هذا الإجراء يجعل من الولايات المتحدة الأميركية مشارك رئيسي في إعادة الإعمار في سوريا، كما أنه سيسهم في بناء علاقة تشاركية تتيح للسوريين المزيد من الفاعلية التجارية، وكذلك سهولة إجراءات نقل الأموال والتعاطي مع سوريا، كبلد صديق غير مشكوك بمواطنيه أمنياً الذين يتنقلون نحو الولايات المتحدة أو بالعكس، وقال: إن “هذا يفتح المجال نحو قبول عالمي بالوضع السوري الجديد، والتعامل معه كندية سياسية قابلة للربط تجارياً واقتصادياً وسياسياً وأمنياً، وفق مبادئ الاحترام المتبادل والعدالة في المصالح”.
إجراء إداري بحت
وكانت واشنطن أبلغت مطلع أبريل/نيسان الماضي البعثة السورية في نيويورك بتغيير وضعها القانوني بموجب مذكرة رسمية، من بعثة دائمة لدولة عضو لدى الأمم المتحدة إلى بعثة لحكومة غير معترف بها من قبل الولايات المتحدة، وتضمنت المذكرة الأميركية، إلغاء التأشيرات الممنوحة لأعضاء البعثة من فئة G1 المخصصة للدبلوماسيين المعتمدين لدى الأمم المتحدة والمعترف بحكوماتهم في البلد المضيف، إلى فئة G3 التي تُمنح للمواطنين الأجانب المؤهّلين أممياً للحصول على سمة، من دون أن تكون الولايات المتحدة معترفة بحكوماتهم.
بالمقابل، قال مصدر مسؤول في وزارة الخارجية والمغتربين: إن “الإجراء المتعلق بتعديل الوضع القانوني للبعثة السورية في نيويورك هو إجراء تقني وإداري بحت، يرتبط بالبعثة التابعة السابقة، ولا يعكس أي تغيير في الموقف من الحكومة السورية الجديدة”.
وأشار المصدر، إلى أن الخارجية السورية على تواصل مستمر مع الجهات المعنية لمعالجة هذه المسألة وتوضيح السياق الكامل لها، بما يضمن عدم حدوث أي التباس في المواقف السياسية أو القانونية ذات الصلة، مشدداً على الالتزام بمواصلة العمل الدبلوماسي، والتنسيق ضمن الأطر الدولية، لتحقيق تطلعات الشعب السوري في بناء وطنه، وفق تأكيد المصدر.
الخارجية السورية، بيّنت أنه يتم العمل حالياً على مراجعة شاملة لوضع البعثات السورية في الخارج، على أن يتم الإعلان قريباً عن قرارات جادة تتعلق بإعادة ترتيبها وتنظيمها، بما يعكس تطلعات السوريين، ويعزز حضور المؤسسات والبعثات على الساحة الدولية، وبما يضمن كفاءة الأداء ووضوح التمثيل السياسي.
من جهته أكد المتحدث باسم منظمة الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، يوم الجمعة 7 مارس/نيسان الماضي، أن وضع سوريا في الأمم المتحدة لم يتغير جراء قرار تغيير تأشيرات أعضاء البعثة السورية، وأن سوريا لا تزال عضواً بالمنظمة، وأن مسألة العضوية تخضع لأحكام ميثاق الأمم المتحدة.
وأشار دوجاريك، إلى أن قرار الدولة المضيفة بتغيير تأشيرات أعضاء البعثة لا يؤثر على وضع سوريا في المنظمة، كما لا يؤثر على مشاركة أعضاء البعثة الدائمين في أعمال الأمم المتحدة.
تفعيل القوة الناعمة
وزارة الخارجية الأميركية عادت في يونيو/حزيران الماضي، بعد شهرين من تغيير الوضع القانوني للبعثة السورية الدائمة لدى الأمم المتحدة في نيويورك، لتعديل تصنيف البعثة، لتصبح بعثة لحكومة معترف بها من قبل الولايات المتحدة الأميركية، وتغيير تأشيرات أعضائها من فئة G3 إلى G1.اليوم، وبعد الانفتاح الواسع عربياً ودولياً على دمشق يأتي قرار رفع جميع الإجراءات القانونية المفروضة سابقاً على البعثة السورية في نيويورك والسفارة السورية بواشنطن، ليضع النقاط على حروف الدبلوماسية السورية المتوازنة، خدمة لمصلحة الشعب السوري الذي عانى الويلات في ظل نظام الأسد البائد، الأب والابن.
ويرى المحللون، أن الإجراء الأميركي سيعزز التواصل المباشر بين الحكومة السورية والسوريين الموجودين في الولايات المتحدة، وهذا سيسهم في معالجة قضاياهم القانونية والإدارية المتراكمة منذ تجميد العلاقات، بالإضافة إلى بناء الثقة مع أبناء الجالية بعد سنوات من الانقطاع أو التواصل المحدود عبر قنوات غير رسمية.
وقال المحلل السياسي سعدو: “ستتمكن البعثة السورية، من التواصل العلني والمباشر مع وسائل الإعلام الأميركية، والمشاركة في المؤتمرات الصحفية، وتوضيح مواقف الحكومة السورية، وبالتالي إيصال الرواية السورية على حقيقتها وطرحها أمام الرأي العام الأميركي، الذي له دور مهم في وضع السياسات بواشنطن، وكذلك إجراء الحوارات والمشاورات الرسمية غير الرسمية من طرف الدبلوماسيين السوريين مع مراكز الأبحاث والفكر والجامعات”.
أما على الصعيد الدولي يشجع القرار الأميركي، الدول الأخرى على تخفيف قيودها تجاه البعثات السورية، مما يعيد سوريا تدريجياً إلى الساحة الدبلوماسية الدولية.
وجاء هذا التطور في وقت تعيش فيه سوريا مرحلة سياسية جديدة عقب سقوط النظام السابق، ووسط خطوات إقليمية ودولية لإعادة تشكيل العلاقة مع الدولة السورية الجديدة، بما في ذلك قضايا الاعتراف الدبلوماسي والتمثيل الرسمي في الهيئات الدولية.
المصدر: صحيفة الثورة






