
تسعى إدارة ترمب لدفع دول مجلس الأمن لتبنى “خطة ترمب” بشأن غزة من أجل تحصيل شرعية قانونية دولية لهذه الخطة، وفي نفس الوقت تقديم حالة هجينة عبر تفويض مجلس السلام الذي يقوده ترمب لإدارة العملية برمتها، بما فيه القوات الدولية ونزع السلاح، من دون أي رقابة من مجلس الأمن بعد ذلك وسط جملة من التحفظات الدولية.
والمتداول حول هذه الصيغة أنها ليست وفق المادة السابعة، التي تتيح للقوات المشاركة استخدام القوة، بل هناك صيغ عامة تتيح للطرف المسؤول على الأرض العمل وفق ما يريد، وتبدو دولة الاحتلال الإسرائيلي راضية نسبيا بما يتم الحديث عنه مع بعض التحفظات.
وحتى الآن لم تعرض الإدارة الأميركية هذه الخطة على مجلس الأمن بشكل رسمي ولم تقدمها لكل الدول الأعضاء، بل عرضتها على بعض الأعضاء للتفاوض معهم بخصوص الصيغة النهائية للمقترح من أجل تأمين مروره وإقراره في مجلس الأمن.
من الواضح أن الولايات المتحدة اضطرت إلى الذهاب لمجلس الأمن بسبب حاجة الدول المتوقع مشاركتها لوجود غطاء لتواجد قواتها من مجلس الأمن..
وتريد إدارة ترمب الحصول على تفويض لمدة عامين على الأقل قابل للتمديد من مجلس الأمن لنشر قوة استقرار دولية في قطاع غزة، ومن الواضح أن الولايات المتحدة اضطرت إلى الذهاب لمجلس الأمن بسبب حاجة الدول المتوقع مشاركتها لوجود غطاء لتواجد قواتها من مجلس الأمن.
تستبعد خطة ترمب الطرف الفلسطيني من عملية القرار والسيادة وإن كانت حركة حماس قد أعلنت نيتها تجنب أي دور لها في الحكم في هذه المرحلة، فإنّ الخطة تستبعد السلطة الفلسطينية أيضا، ولا تضع أي أفق للدولة الفلسطينية، فقط تشير إلى أنها تأخذ بعين الاعتبار تطلعات الفلسطينيين للدولة، كما سرت أنباء عن أن إدارة ترمب رفضت تعديلات فرنسية لربط الخطة بمشروع حل الدولتين.
تتمثل النقاط التي يرتبط بها نجاح مشروع ترمب بعدة عناصر، أولها موافقة كل أعضاء مجلس الأمن، حيث أن هناك تردد أوروبي بسبب التعارض مع مشروع حل الدولتين، الذي دفعت به هذه الدول تاريخياً، ولا يوجد ضمانات أميركية بالحصول على موافقة من روسيا والصين على هذا المشروع، الذي يعد سابقة من نوعه، فالتدخلات الدولية الخارجية إما أن تكون فردية مغطاة من برلمانات هذه الدول أو تكون أممية من مجلس الأمن.
ومن الواضح أيضاً أن فكرة حفظ السلام هي الأكثر قبولاً لدى معظم الدول، بما فيها الدول الأوروبية، وبالتالي تخشى الدول من فكرة الانخراط في العمل التنفيذي الأمني داخل قطاع غزة.
ولكن في هذه الحالة يطلب ترامب تفويضاً لمجلس تديره الولايات المتحدة وهو بدوره سيشرف على الحالة التنفيذية لعمل القوات الدولية، وبالتالي فإن هذه الحالة ستكون بحاجة إلى تأطير قانوني وتخشى الدول الأخرى من تحمل تبعات هذا الاستحداث أو توظيفه ضدها لاحقاً.
من جانب آخر فإن استعداد الأطراف العربية للمشاركة في ظل استبعاد السلطة الفلسطينية وعدم وضوح أي توجه بخصوص الدولة الفلسطينية سيشكل عائقاً، ولكن لا يبدو الموقف الإسلامي والعربي صلباً بما فيه الكفاية لمقاومة ضغوطات الإدارة الأميركية في سياق تبني توجهاتها.
المخاطر على القضية الفلسطينية
ما من شك أن الصيغ الأميركية الجديدة تشكل مخاطر عدة على المقاومة الفلسطينية، حيث أن حصول قوة دولية على تفويض أممي من مجلس الأمن لنزع سلاح المقاومة الفلسطينية تعني تحول غزة لمنطقة منزوعة السلاح، ومع وجود إدارة محلية لا تضع المقاومة على أولوياتها بل يمكن أن تشمل عناصر غير وطنية، فإن مآل هذا المسار يكون كارثي النتائج على مشروع المقاومة على المدى الاستراتيجي.
وجود قوة خارجية مدعومة أميركياً ومقبولة إسرائيلياً يشكّل حالة لديها مدخل شرعية ملتبسة ولكنها ستكون قادرة على التعامل مع الأطر الخارجية، وتوفر إطارات عمل مع الدول المعنية في ظل التعويم الأميركي لها، كما أن الحديث عن فكرة دعم أفراد شرطة محليين تم حصولهم على ضوء أخضر اسرائيلي يعني توظيف قسم كبير من الجهات المحلية، التي لا تؤمن المقاومة في مجال العمل الأمني وستستخدم هذه القوات لملاحقة واعتقال كوادر المقاومة مما ينذر بشبح حرب أهلية لا يستفيد منها سوى الاحتلال الإسرائيلي.
يكمن جانب الخطورة الأهم في هذه الخطة بالتنسيق الكامل مع الاحتلال والتناغم مع الحرية العملياتية للجيش الاسرائيلي على الأرض في أكثر من نصف مساحة غزة، حيث سيبقى الجيش الإسرائيلي في هذه الأماكن بالتوازي مع عمل ما يسمى بقوات الاستقرار الدولية، كما أن هذه الحالة ستسمح لتنامي عمل الميليشيات والعصابات التي تعمل مع جيش الاحتلال الإسرائيلي.
من الواضح أن الصيغ الأميركية تعمل على جعل المقاومة الفلسطينية أمام تحد وجودي وهي لا تكتفي بإضعاف المقاومة ولا تشير إلى نوايا يمكن أن تتعامل مع حلول وسط بل تستهدف العمل المقاوم في المدى القريب والبعيد.
على كل الأحول هناك أيضاً قضايا تزعج دولة الاحتلال الإسرائيلي في الخطة ففي ملف السلاح يدور الحديث عن صيغة معدلة وهي تعتمد على فكرة إخراج السلاح من الخدمة بدلا من نزع السلاح والذي تصر عليه اسرائيل، كما أن دولة الاحتلال مستاءة من فكرة جعل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة هو مرجعية هذه القوات وإمكانية أن يكون وجود هذه القوات عائقا أمام بعض العمليات العسكرية للجيش الإسرائيلي في قطاع غزة.
يتعارض هذا المشروع حتى مع فكرة حل الدولتين ويتعارض مع القانون الدولي في جملة من الأمور، خاصة نزع سلاح حركات التحرر التي تقاوم قوات الاحتلال..
كذلك، فإنّ الأشياء التي عجزت عنها دولة الاحتلال الإسرائيلي على مدار عامين قد يكون من المشكوك فيه أن تنجح به قوات دولية أخرى، وهذا مصدر قلق داخل بعض الأوساط في دولة الاحتلال الإسرائيلي.
إن هذا المسار وهذه الصيغ قد تتعثر قبل أن تصل للتصويت في مجلس الأمن، خاصة في ظل استشعار الدول للمخاطر التي تحيط بها سواء القيام بدور البديل عن الاحتلال الإسرائيلي والمخاطر الأخرى المتعلقة بمحاولات تصفية القضية الفلسطينية، فضلا عن المخاطر المتعلقة بالأثمان الميدانية، التي قد تؤثر على استقرار ووضعية هذه الحكومات في بلدانها وخاصة الحكومات الغربية.
من زاوية أخرى يتعارض هذا المشروع حتى مع فكرة حل الدولتين ويتعارض مع القانون الدولي في جملة من الأمور، خاصة نزع سلاح حركات التحرر التي تقاوم قوات الاحتلال، إذ يحتاج الأمر من أجل التوصل إلى نتائج جيدة إلى تقديم مبادرات متزنة لا تبنى فقط على مراعاة مصالح الاحتلال الإسرائيلي الأمنية، حيث أن هذه النقطة الأخيرة كانت دوما السبب الرئيس في تفجر الأزمات، التي لا تقف حدودها عند قطاع غزة أو القدس أو الضفة الغربية.
على المستوى الفلسطيني تحتم هذه اللحظة التاريخية تكاتفا وتلاحما على كل المستويات الحزبية والشعبية والمؤسساتية لإنتاج موقف فلسطيني جماعي قوي يحذر من مخاطر الصيغ التي تعتدي على حقوق الشعب الفلسطيني.
وبما أن القضية الفلسطينية باتت عند سمع ونظر العالم كله اليوم، فإنّ توسيع حالة التضامن والإسناد لمواجهة هذه الخطط هو واجب أيضاً، لتحصين المواقف الإيجابية التي ترفض الظلم والتعسف.
المصدر: تلفزيون سوريا






