تدريبات تركية روسية في إدلب: تمهيد لمعركة ضدّ التنظيمات المتطرفة؟

عماد كركص

تأتي التدريبات المشتركة التي أجرتها القوات الروسية والتركية في إدلب شمالي غرب سورية، يومي الإثنين والثلاثاء الماضيين، لتفتح الباب حول مرحلة جديدة بين القوتين، ربما يكون عنوانها معركة ضدّ التنظيمات الرافضة لاتفاق وقف إطلاق النار المبرم بين أنقرة وموسكو في الخامس من مارس/ آذار الماضي، وما يتضمنه من تسيير دوريات مشتركة على الطريق الدولي حلب-اللاذقية “أم 4″، تمهيداً لافتتاحه أمام الحركة الطبيعة والتجارية. ويتعزّز هذا الاحتمال، لا سيما بعد تعرض العديد من الدوريات على الطريق لهجمات، منها ما أعلنت جهة غير معروفة من قبل الوقوف وراءها، ومنها ما بقيت مجهولة إلى اليوم.
وجاءت تلك التدريبات في الوقت الذي كان يبحث فيه وفد تركي يومي الإثنين والثلاثاء الماضيين ملفي سورية وليبيا مع مسؤولين روس في العاصمة موسكو، لمتابعة آخر المستجدات الإقليمية في البلدين. ولعل أبرز ما تناوله الاجتماع في ما يخص سورية هو تبريد الأجواء في إدلب بعد التطوّرات الميدانية الأخيرة وتصعيد قوات النظام وحلفائها من خلال محاولات التسلسل المتكررة على الجبهات، واستئناف القصف الجوي المحدود من قبل سلاح الجو الروسي.
ونقلت وسائل إعلام سورية عن وكالة “تاس” الروسية، أول من أمس الثلاثاء، قولها إنّ تدريبات عسكرية مشتركة تمت بين القوات الروسية والتركية في محافظة إدلب. وبحسب الوكالة، فقد قال مدير مركز المصالحة الروسي في قاعدة حميميم الجوية، اللواء ألكسندر غرين كيفيتش، إنّ روسيا أجرت تدريبات عسكرية مشتركة للمرة الأولى مع الجانب التركي على الأراضي السورية قرب بلدة الترنبة في ريف إدلب. وأوضح أن عناصر من الشرطة العسكرية الروسية والجيش التركي تدرّبوا بشكل مشترك على استهداف “الجماعات المتطرفة التي ترفض المصالحة، وتسعى لتعطيل اتفاق الهدنة في محافظة إدلب”. ولفت إلى أنّ التدريبات شملت كيفية سحب المعدات العسكرية وتقديم المساعدة الطبية العاجلة في حال إصابة أحد عناصر القوات الروسية أو التركية أثناء تسيير الدوريات أو القيام بمهام أخرى في المنطقة الشمالية الغربية من سورية. وبحسب كيفيتش، فإنّ الغاية من إجراء التدريبات المشتركة هي ضمان أمن وسلامة الدوريات المشتركة بين قوات البلدين على الطريق الدولي “أم 4”.
وكان فصيل أطلق على نفسه اسم “كتائب خطاب الشيشاني” قد تبنى ثلاثاً من الهجمات التي استهدفت دوريات روسية-تركية مشتركة على طريق “أم 4″، وهو فصيل تشير تسميته إلى دلالات “جهادية”، ولم يلحظ وجوده، سواء في إدلب أو سورية، إلا مع إعلانه عن تبني الهجمات الثلاث، التي كانت أولاها في يونيو/ حزيران الماضي. إلا أنّ فصيلاً آخر ظهر إلى العلن في اليومين الماضيين، إذ أعلن ما أطلق على نفسه اسم “سرية أنصار أبي بكر”، في بيان، تبنيه الهجوم الذي استهدف النقطة التركية في منطقة سلة الزهور على الطريق الدولي “أم 4” أخيراً، وذلك تحت مسمى “عملية عاشوراء-سلة الزهور”.
ووصف البيان “الجيش الوطني السوري” التابع للمعارضة، بـ”الجيش الوثني”، كما وصف الجيش التركي بـ”جيش الناتو”؛ نسبة إلى عضوية تركيا في حلف شمال الأطلسي، مهدداً باستمرار العمليات ضدّ القوات التركية. كذلك دعا من وصفهم بـ”المسلمين” إلى الابتعاد عن مواقع الجيش التركي. وزعم البيان استقلالية الفصيل وعدم تبعيته لأي جهة.
كذلك، فإنّ هذا الفصيل لم يسجل حضوره من قبل في المشهد الفصائلي والعسكري في سورية قبل تبني هذه العملية، في حين تشير تحليلات إلى أنّ “سرية أنصار أبي بكر” و”كتائب خطاب الشيشاني” ليسا سوى تنظيمين وهميين اخترعهما الروس لتنفيذ هجمات محدودة، وبالتالي تبرير إنهاء اتفاق إدلب، واستئناف العمليات العسكرية في المحافظة. في حين أن هناك تكهنات أخرى تدور حول أنّ تنظيمات متطرفة معروفة ومرتبطة بتنظيم “القاعدة” وتتبنّى فكره، وتلجأ إلى تنبي الهجمات من خلال تنظيمات اسمية بعد محاولات إبعادها عن المشهد في إدلب، وعدم رضاها كذلك عن الاتفاق الروسي التركي.
وهنا يدور الحديث عن العديد من التنظيمات المتطرفة في إدلب، كـ”حراس الدين”، وهو أول فصيل رفض الاتفاقات بين روسيا وتركيا، لكونه يقدّم نفسه ممثلاً عن تنظيم “القاعدة” في سورية. كذلك تبرز تنظيمات “جبهة أنصار الدين”، و”الحزب التركستاني في بلاد الشام”، و”أنصار التوحيد”. وكانت قد تجمّعت بعض هذه الفصائل وغيرها ضمن ما أُطلق عليها غرفة عمليات “فاثبتوا”، والتي تشكلت بعد انشقاقات في قيادة “هيئة تحرير الشام” (النصرة سابقاً) التي باتت تُبدي مرونة في مواقفها وتوجهاتها، حتى أصبحت تؤمن حماية للدوريات الروسية التركية. وضمت الغرفة خمسة فصائل، هي “تنسيقية الجهاد”، “لواء المقاتلين الأنصار”، جماعة “أنصار الدين”، جماعة “أنصار الإسلام”، وتنظيم “حراس الدين”. إلا أن “الهيئة” عمدت إلى تصفيتها جبراً.
في غضون ذلك، واصل الجيش التركي، ليل الثلاثاء، تعزيز قواته في ريف إدلب. وقالت مصادر محلية لـ”العربي الجديد” إنّ رتلاً تركيّاً مؤلفاً من 25 شاحنة وعربة مدرعة دخل، بعد منتصف ليل الثلاثاء، إلى إدلب عبر نقطة كفر لوسين الحدودية.
في مقابل ذلك، لم تتسرب الكثير من المعلومات عن الاجتماع الذي جمع الوفد التركي بمسؤولين روس في موسكو لبحث ملفي سورية وليبيا. إلا أنّ المؤشرات كانت تتجه لتفاهم حول الملف الليبي، ما ينعكس على ملف سورية وإدلب، قبل أن تتعكّر الأجواء خلال المباحثات في ما يخص الملف السوري، بعد رعاية موسكو لتوقيع مذكرة تفاهم بين حزب “الإرادة الشعبية” الذي يقوده قدري جميل، و”مجلس سورية الديمقراطية” (مسد)، الجناح السياسي لقوات سورية الديمقراطية (قسد)، والذي يشكّل الأكراد غالبية قيادته ويعمل ضمن مناطق الإدارة الذاتية الكردية. وتمت رعاية هذا التفاهم في الوقت ذاته الذي كانت تدور خلاله الاجتماعات بين الوفدين الروسي والتركي، وهو ما اعتبرته أنقرة تحدّياً لها، وفق مصادر إعلامية تركية.
وعلى الرغم من ذلك، أشارت المصادر لـ”العربي الجديد” إلى أنّ الجانبين اتفقا على مواصلة الجهود المشتركة بموجب البروتوكول الملحق باتفاق سوتشي والمبرم بين البلدين في 5 مارس/ آذار الماضي، بهدف إرساء الاستقرار في منطقة خفض التصعيد بإدلب، والتأكيد على ضرورة الحفاظ على الزخم الحاصل في المسار السياسي.

المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى