
مقالات
أعرب رئيس أركان الجيش النيجيري، كريستوفر موسى (فبراير/ شباط 2024) عن إحباطه من المعايير المزدوجة لبعض الدول (في إشارة إلى الولايات المتحدة) التي ترفض بيع أسلحتها، بدعوى مخاوف تتعلّق بحقوق الإنسان، رغم أن هذه الدول قد مارست ما هو أسوأ ولم يحاسبها أحد. وقد جاء تصريح موسى بعد رفض الكونغرس الأميركي بيع بلاده أسلحةً بقيمة مليار دولار، وبعد أن دعا نائبان في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأميركي (سارة جيوكوبس وكريس سميث) الرئيس السابق جو بايدن إلى عدم إتمام الصفقة، بعد تقاريرَ عن برنامج إجهاض غير قانوني وقتل أطفال على أيدي القوات النيجيرية. ليست العلاقة بخير بين واشنطن وأبوجا (عملاق أفريقيا)، رغم أن الأخيرة خرجت من حرب أهلية عرفت باسم “حرب بيافرا”، إلا أنّها ظلّت دولةً مؤثّرةً على المحيط الأطلسي. يدرك النيجيري أن الرفض الأميركي في التعاون العسكري لا يرتبط بالدفاع عن حقوق الإنسان، بل بالنيّة الأميركية لتفعيل حضورها في تلك المنطقة التي تشهد دولها تبدّلات في تموضعها، والانتقال من النفوذين، البريطاني والفرنسي، واستبدالهما عبر تمتين التعاون مع الصين وروسيا، وتقليل اعتمادها على الولايات المتحدة.
السؤال اليوم: هل تكون نيجيريا وجه ترامب الجديد بعد غزّة؟
في إعادة تموضع الولايات المتحدة في القارّة السمراء، وتحت شعار التنافس بين الأقطاب الدولية لقطع الطريق، دعا الرئيس الأميركي دونالد ترامب (31 أكتوبر/ تشرين الأول 2025) الكونغرس إلى فتح تحقيق رسمي حول عمليات القتل الجماعي التي تستهدف المسيحيين في نيجيريا، مطالباً بتقديم تقرير مفصّل لإدارته بشأن تصاعد هذه الانتهاكات. وقد جاءت دعوة ترامب هذه بعدما وجّه نشطاء حقوقيون وزعماء دينيون أميركيون رسالةً إلى ترامب (15/10/ 2025)، طالبوه بإدراج نيجيريا ضمن الدول التي تثير “قلقاً خاصاً”، على خلفية ما وصفوه بـ”الاضطهاد الممنهج ضدّ المسيحيين” في البلاد. لا نقاش في إدانة الاعتداءات على المسيحيين في البلاد، وضرورة وقف هذه الجرائم التي تُرتكب بحقّهم، ولكنّ المتابع يكاد يصدّق المشاعر الأميركية لولا متابعته دعم الكونغرس اللامحدود للجرائم التي ترتكبها إسرائيل بحقّ الفلسطينيين عموماً، والغزّيين خصوصاً، إذ تعتبر سياسة واشنطن الخارجية العرّاب لسياسة تدمير القطاع بهدف التهجير وإعادة بنائه بما يتناسب مع مصالح الشركات العملاقة الأميركية.
تحتاج واشنطن إلى الحضور الحقيقي في نيجيريا، لهذا تعمد إلى إيجاد ذريعة التدخّل، فوجدت في محاكاة التاريخ مكسباً عبر مناجاة “الحروب الصليبية”، بِعَدِّها الطريق الأمثل. استنبط ترامب من ملوك أوروبا بين عامي 1096 و1291 عملية رفع راية الصليب والسيطرة على الأراضي المقدّسة في الشرق، مع إضفاء صفة التقديس على الحرب ضدّ الشرق تحت ذريعة حماية الأقليات المسيحية، إلا أن الواقع عكس صورةً مخالفةً، فالهدف كان الاستعمار ووضع اليد على مقدرات هذه الدول. سيسمح إعلان نيجيريا “دولةً مقلقةً” لواشنطن للرئيس ترامب بإصدار قرارات تنفيذية ترتبط بالتدخّل العسكري في البلاد بهدف حماية المسيحيين هناك. لكنّ خلفية القلق الأميركي على ما يبدو أبعد من حقوق، فهو مرتبط بالقراءة الأميركية للمنطقة في القارّة السمراء التي شهدت فيها دول كثيرة مجاورة لنيجيريا تموضعاً جديداً، عزّز الحضور الروسي عسكرياً، والنفوذ الصيني اقتصادياً، سيّما من جهة السيطرة على الموانئ. يثير الموقع النيجيري المطلّ على المحيط الأطلسي توجّس واشنطن من حضور أعدائها في المقلب الآخر من القارّة الأميركية. فالأميركي الذي يشعل حرباً مع كولومبيا وفنزويلا في المحيط الأطلسي تحت ذريعة تهريب المخدرات من بوابة أميركية الجنوبية، هو حتماً في غنى عن قلق صيني وروسي على هذا المحيط من البوابة الأفريقية.
يدرك النيجيريون أن الرفض الأميركي لا يرتبط بحقوق الإنسان، بل بإعادة تموضع النفوذ في القارة السمراء
ليس “القلق” الأميركي يرتبط فقط بردع النفوذ الصيني الروسي، بل أيضاً يحمل، على غرار الحروب الصليبية، أهدافاً أبعد من حماية الأقليات ورفع راية الصليب، لتحمل في طياتها جزءاً من الاستعمار المستحدث، سيّما ان الاقتصاد النيجيري يُعدّ أكبر الاقتصادات، ليس في غرب أفريقيا فقط، بل في القارة أجمع. إذ تضمّ نيجيريا مواردَ طبيعيةً هائلةً مثل النفط والغاز الطبيعي (الكم الأكبر في أفريقيا)، إضافة إلى اختزان أرضها الذهب والنفط، كما تعدّ من أبرز الدول المنتجة للفول السوداني والخشب عالمياً.
هي الحرب على الطاقة والنفوذ، أعلنها الرئيس الأميركي منذ وصوله إلى ولاية ثانية في البيت الأبيض لجعل “أميركا عظيمة”، فهذه البلاد لا تستطيع أن تكون عظيمةً إلا في الساحة الدولية، وعبر فرض السيطرة على مقدّرات الدول واستغلال مواردها. هي التي يعاني اقتصادها أعمق أزماته، ولم تزل تشهد إغلاقاً حكومياً، هذا ما يثير تساؤل المتابع: هل ستكون نيجيريا وجه ترامب بعد غزّة، بعدما تعمّد ربط النزاع مع الصين؟
المصدر: العربي الجديد
				





