
ثائر الناشف كاتب سوري، له الكثير من الإصدارات الروائية. قصر الملح هي الرواية الأولى التي قرأتها له.
قصر الملح رواية ثائر الناشف تعتمد ضمير المخاطب في السرد. وهي تتابع حياة سامي الشخصية المحورية في الرواية.
تبدأ الرواية عندما يأتي سامي إلي منزل أحد المسنين في مدينة دريسدن النمساوية بصفته موظفا برعاية المسنين في جميع شؤونهم الذاتية والمنزلية. سامي الشاب الحلبي الذي وصل إلى النمسا لاجئا هربا من الحرب التي عصفت بسورية، إبان ثورة شعبها التي حصلت عام ٢٠١١م.
تتابع الرواية حياة سامي وعائلته لتصل إلى جدّه الألماني اليهودي الذي كان قد هرب من ألمانيا إبان الحرب العالمية الأولى ليصل بعد ذلك إلى حلب في سورية.
ولأن الرواية تعتمد التنقل في السرد زمانيا ومكانيا فقد اعتمدنا في قراءتنا هنا على السرد المتتابع للرواية الكثيفة والتي تتجاوز عدد صفحاتها ٢٠٠ص.
سامي الشاب الحلبي وجد نفسه في خضم خيارات صعبة بعدما حصلت الثورة السورية. وأصبح الصراع بين النظام والشعب الثائر وقواه التي تعسكرت على أشدّه. كان سامي على مسافة مما حصل، لم يكن يجد جدوى من أن ينتمي لأي من الفريقين. كان همّه أن لا يذهب الى الجيش الذي أصبح يحارب الشعب. وهو يرفض أن يكون قاتلا أو مقتولا. لذلك قرر ان يهرب من حلب وان لا يلتحق بالجيش وكان خياره الأخير ان يصل الى بيروت وهناك عمل في مهن كثيرة، وتزوج فتاة لبنانية وعاش معها لسنوات وأنجب منها طفلين، ولكنه لم يستطع التوافق معها وانتهى الزواج بالطلاق وأصبح صعبا عليه الاقامة في لبنان ولذلك فكر بالخروج الى اوربا، يلاحق حلما له أن يبحث عن أصل جده الألماني الذي يحمل الجنسية الألمانية وكان يهوديا.
تعب سامي حتى وصل الى النمسا التي فيها بلدة جدّه قصر الملح التي تغير اسمها وأصبحت البلدة جزء من النمسا بعدما استقرت جغرافية الدول الأوروبية بعد الحرب العالمية الثانية.
تعب سامي لسنوات حتى استطاع الحصول على الإقامة الشرعية كلاجئ. ثم استطاع العمل في رعاية المسنين في بيوتهم كخدمة شخصية وفي شؤونهم المنزلية كاملة. لم يكن سامي سعيدا في واقعه هذا فهو بقي ضحية نظرة عنصرية ضيقة فهو لاجئ سوري وليس الماني تارة يقع ضحية التعامل معه بفوقية وعنصرية وتنمر وتارة ينظرون إليه بعين العطف والاحتضان.
كان هم سامي أن يكشف تاريخ جدّه الألماني ولماذا وكيف وصل الى حلب في بدايات القرن العشرين بعد الحرب العالمية الأولى.
اكتشف سامي بعد بحث ومن خلال قراءة مذكرات جدّه التي كان قد حصل عليها سامي من والده. أن جده يهودي ألماني من بلدة قصر الملح وأنه تم سوقه الى الجيش النازي ليخوض حربا في الجبهة الروسية وأنه وقع في قبضة عسكري روسي مسلم داغستاني وأنه أصبح أسير العسكري الروسي. ولكن يتفق مع العسكري الداغستاني المسلم على أن يهربا سويّة من الجيش الروسي والالماني وان يذهبا الى بلد الداغستاني في بلاد الشركس المسلمين. وفي الاثناء يرتاح الجد للداغستاني المسلم ويطلع على اعتقاداته ويراه الاخ والصديق المخلص والمخلّص له. لذلك قرر أن يسلم. وفي اثناء هروبهم من الجنود الروس وتواريهم في الغابات هاجمتهم الوحوش وأنقذوا أنفسهم وأطلق النار عليهم الصيادين واصيب الداغستاني وقبل موته وجه الجد للذهاب الى أرض الشركس ومن هناك يستعين بهم للوصول الى حلب. وهكذا حصل.
تعب سامي في بحثه عن جذور جده في النمسا. حيث كان دفتر مذكرات جده وثيقة إدانة عليه بأنه حفيد واحد من الجيش النازي. لكن الدفتر افاده ايضا بعد تعلمه الألمانية وقراءته. فقد علم من هم عائلة جده. وكيف التقى أخيرا بأهل جدّه الذين هم أهله بعد ذلك . لكنهم لم يكونوا ممتنين لمجيئه. فقد كانوا قد أعلنوا عن مقتل جده في الحرب واعتباره شهيدا يفتخرون به. وفوق ذلك تقاسموا تركته. لذلك تلقاه أقربائه بالنكران والرفض وندم انه بحث عن أهله وجذوره.
ورغم كل الظروف السيئة التي عاش بها سامي في النمسا. في مركز اللجوء ومركز المشردين. وفي دس بعض اللاجئين عليه دعاوي كاذبة أخرت إعطائه حق اللجوء لسنتين ونصف. هذا اضافة الى التنمر العرقي والعنصري والمجتمعي الا بعض من احتضنه. لقد مر بعلاقات حب عديدة كانت كلها تنتهي بالفشل ولا يبقى منها في نفسه إلا الحسرات.لم يكن أمام سامي الا ان يكافح في العمل وليحصل على اقامة لاجئ دائمة ليتمكن من العودة الى لبنان ليرى أطفاله ، لقد. كانوا آخر ما تبقى من مبررات حياة تستحق أن تعاش.
ومع ذلك لم تقبل القنصلية اللبنانية أن يعطوه فيزا للذهاب إلى لبنان قبل أن يحصل على الجنسبة وهذا يحتاج لسنوات اخرى.
وهكذا تتأجل أحلام لم شمل سامي مع أولاده ومع الحياة السعيدة إلى أجل بعيد.
يعود سامي منهمكا بالعمل وينتظر ان تمر الايام مسرعة حتى يلتقي بأولاده لعله يعيش راحة نفسية وحياتية أصبحت مستحيلة.
هنا تنتهي الرواية.
في التعقيب عليها اقول:
اننا امام رواية مركبة تتناول عدة محاور مجتمعة. فهو رواية تتناول الثورة السورية ونتائجها المعاشة على مواطن عادي دون إطلاق حكم قيمة عليها.
وهذه نقطة ضعف برأي حيث يجب ان تعلن اي رواية تطال ما حصل في سورية عن قناعتها بمشروعية ثورة السوريين المظلومين مهما كانت نتائجها.
أصبحت حياة سامي في مهب الريح. فهو مطلوب للجيش والحل ان يهرب وأن يبني حياة اخرى في لبنان وان يتزوج ويطلق ويعاود اللجوء إلى أوروبا عبر تركيا في الغابات وعبور البحر بالزوارق المطاطية تحت خطر الغرق والموت ، ومن ثم وصل الى النمسا ليبدأ زراعة ذاته في مجتمع رافض للغريب ومتقبل له أن يكون جزء من بنية الأشغال في حياة لا تعرف الرحمة .
أما المستوى الآخر فهي الرجوع الى زمن جدّ سامي الألماني اليهودي النازي وهروبه من الجيش واعلن اسلامه وذهابه الى حلب والاستيطان فيها حيث أصبح مواطنا سوريا.
لقد غصنا عميقا في تلك الحقبة في المانيا وما حصل. وغصنا عميقا في البنية المجتمعية وأن أمراض الأفراد من طمع وجشع ونكران موجودة في كل زمان ومكان وان صاحبنا كان ضحيتها.
اخيرا: نحن أمام رواية مآلات اللجوء والهروب من الوطن الذي يهضم حقوق أبنائه. فهم إما قتيل او معتقل او هارب نازح او لاجئ. البحر يبتلع البعض والبعض يصل الى بلاد الغربة واللجوء والكل يفقد هويته الأصلية ويبحث عن هوية بديلة. والآخر لا يتقبله وأن تقبله فيكون بشروطه ووفق معاييره ومصالحه. والكل ضحايا.
نعم كان ثمن ثورتنا السورية غاليا. يتحمل مسؤوليتها النظام الساقط. ونحن الآن ننعم في بلادنا بالحرية ونعمل لتحقيق العدالة وبناء الحياة الأفضل ونعمل لنبني شروط الدولة الديمقراطية والعيش فيها. عند ذلك ستكون بلادنا مستعدة لعودة ابنائها اليها وبناء حياة جديدة رائعة.
٢٩ . ١٠ . ٢٠٢٥م.






