
بحسب تقرير نشره الإعلام التركي، فإن إدارة الهجرة التركية تخطط لإنهاء جميع قيود الحماية المؤقتة، لتطالب السوريين بعد ذلك بالتقدم للحصول على إقامة، وعلى الرغم من أن هذا التقرير قوبل بإنكار على المستوى الرسمي، فإنه ظل يطرح قضية غاية في الأهمية وهي: ما الذي سيحدث للاجئين السوريين في تركيا؟
بالحديث من وجهة نظر قانونية صرف، فإن تركيا لا تقدم وضع اللجوء بموجب اتفاقية جنيف، إذ عندما وقعت تركيا على القانون، وضعت شرطاً مناطقياً يتمثل بالسماح للقادمين من الغرب بالتقدم للحصول على صفة اللجوء، ولهذا السبب، قدمت تركيا للاجئين السوريين وضع الحماية المؤقتة، وبموجب هذا القانون، فإنه بمجرد أن تعتبر تركيا سوريا آمنة، عندئذ يتعين على اللاجئين السوريين العودة إلى بلدهم.
غير أن الرئيس التركي أردوغان كان واضحاً تمام الوضوح في القرار السياسي الذي اتخذه، عندما أعلن بأنه يمكن للسوري الراغب بالبقاء أن يظل في تركيا، كما أعلن بأنه لا يجوز إجبار السوريين على العودة إلا إن كانوا راغبين بذلك، وبأن تركيا ستسمح للسوريين بالبقاء في تركيا، أي أن أردوغان وعد بعدم تطبيق القانون التركي الخاص بوضع الحماية المؤقتة، إلا أن ذلك الوعد قد لا يدوم.
من وجهة نظر سورية، من الصعب جداً التخطيط للمستقبل، فلقد اتخذت الحكومة التركية قراراً يقضي بقطع الرعاية الطبية المجانية عن السوريين، وطالبت اللاجئين السوريين بدفع رسوم التأمينات الاجتماعية عبر العمل بشكل قانوني في تركيا، كما مكنت كل لاجئ سوري من العمل بشكل قانوني في تركيا من دون مطالبته باستخراج إذن عمل، إلا أن هذا القرار ترافق مع تقارير نشرها الإعلام التركي مؤخراً فأثارت قلقاً وبلبلة حقيقيين، وبات من المفهوم خوف اللاجئين واللاجئات السوريين من عدم وجود مستقبل لهم في تركيا.
حان الوقت للخروج بحل
يعتبر الوضع معقداً للغاية بالنسبة لأنقرة، فقد تراجع الضغط الشعبي الداعي لتسهيل عودة اللاجئين السوريين، كما أضحى الاقتصاد التركي بحاجة ماسة للعمالة السورية، إذ من دون تلك العمالة، قد تتعرض معظم الصناعات في تركيا لأزمات حادة، وبالمقابل، أضحت تركيا في موقع قانوني عسير، إذ لو اعتبرت سوريا آمنة أمام عودة أبنائها وبناتها، فلن تتمكن تركيا من إجراء محادثات مع الحكومة السورية حول ترتيبات الإعفاء من التأشيرة عند السفر، كما لن تستطيع توسيع العلاقات الثنائية بين البلدين. ومن جهة أخرى لا يجوز إبقاء السوريين تحت الحماية المؤقتة والسماح لهم بالسفر من دون تأشيرة ما بين تركيا وسوريا، أو حتى تخفيف شروط استخراج التأشيرة عليهم.
أيضاً ومع سقوط نظام الأسد، بات على تركيا التفكير بمستقبل اللاجئين السوريين بشكل جدي، وذلك لأن وضع الحماية المؤقتة إشكالي بحد ذاته، والآن، ومع التغيير الذي حصل في سوريا، لم يعد ذلك الوضع مناسباً للظروف في كل من تركيا وسوريا.
وأمام هذا الوضع، تدرك الحكومة التركية بأن عليها إيجاد حل لهذه المعضلة، لأن اتخاذ إجراءات شكلية تؤجل الحل ليس بحل، والعاملون في مؤسسات الدولة وكذلك صناع القرار في تركيا يفكرون بمستقبل اللاجئين السوريين، ولهذا وحتى مع الإنكار أمام الناس، يشير ذلك التقرير الذي نشره الإعلام التركي إلى تفكير أشخاص داخل الحكومة التركية بهذه المشكلة، مع عدم التوصل إلى قرار بشأنها حتى الآن، إلا أن المناقشات حولها قد بدأت.
تركيا أمام خيارين
ماتزال المناقشات في الداخل التركي حول مصير وضع الحماية المؤقتة واللاجئين السوريين في مراحلها الأولى، ولهذا ستواصل الحكومة التركية مناقشة هذه القضية في الداخل لبعض الوقت، ولابد لهذه المناقشات أن تتطور بمرور الزمن. وبالاعتماد على أعداد العائدين والعائدات إلى سوريا، وبناء على عدد السوريين والسوريات الذين انضموا للقوى العاملة في تركيا بشكل قانوني، لابد لتلك المناقشات والجدالات أن تتغير، ليس فقط داخل الحكومة، بل داخل أوساط الشعب التركي أيضاً. ثم إن إلغاء الرعاية الصحية المجانية للاجئين السوريين لابد أن يتحول إلى امتحان حقيقي للخروج بسياسة حول وضع الحماية المؤقتة. وأخيراً، فإن المفاوضات والمحادثات مع الحكومة السورية لابد أن يكون لها تأثير كبير على طريقة تفكير الحكومة التركية واتخاذها للقرارات، كما سيكون للوضع السياسي والاقتصادي في سوريا أثر مهم ضمن جدول الأعمال هذا.
وفي ظل الظروف التي شرحناها آنفاً، لابد لتركيا من إلغاء وضع الحماية المؤقتة في نهاية الأمر، لكن السؤال المطروح هو ومتى وكيف وما البديل القانوني عن ذلك الوضع بالنسبة للاجئين السوريين. وبالنظر إلى الظروف الحالية، لا أتوقع من الحكومة التركية أن تتخذ قراراً متسرعاً في هذا الصدد، أو أن تلغي وضع الحماية المؤقتة فجأة، بل إنها ستفعل ذلك حتماً ضمن إطار عمل زمني وبشكل تدريجي، بما يمنح السوريين والسوريات وقتاً لاتخاذ قرارهم إما بالعودة إلى سوريا أو بالتقدم للحصول على الوضع القانوني البديل.
يتمثل الخيار الأول بالسماح للاجئين السوريين بالتقدم للحصول على إقامة للعيش في تركيا كغيرهم من الأجانب، وفي الوقت الذي حظيت هذه الفكرة بشيوع كبير ضمن الأوساط حالياً، نجدها تفتقر لأي رؤية استراتيجية، كما أنها لا بد أن تكبد تركيا خسائر فادحة، لأنه لا يجوز ولا يمكن مساواة اللاجئين واللاجئات السوريين بالأجانب الذين أتوا إلى تركيا بغرض العمل، كما لا تجوز المساواة بين الأطفال السوريين الذين ولدوا في تركيا ودرسوا في مدارسها بغيرهم من المهاجرين.
ويتجلى الخيار الثاني بالخروج بوضع قانوني جديد للاجئين السوريين ومطالبتهم بالتقدم للحصول عليه، إذ يمكن مثلاً توسيع نطاق البطاقة الزرقاء بحيث لا تشمل فقط من حصلوا في السابق على الجنسية التركية بل أيضاً الأشخاص الذين أقاموا في تركيا لفترة طويلة، ويتحدثون التركية، والذين يحققون معايير معينة تؤهلهم للحصول عليها. وفي حال الاستقرار على هذا الخيار، فإن تركيا ستحقق من خلاله مكاسب أكبر بكثير.
المصدر: تلفزيون سوريا



