ترامب والضفّة… حتى لا يخدعنا الكلام

  محمد أبو رمان

    

بالرغم من أنّ تصريحات الرئيس الأميركي، دونالد ترامب (لمجلّة تايم)، ضد ضمّ الضفة الغربية لإسرائيل، وبالرغم، كذلك، من “توبيخ” نائبه، جي دي فانس، إسرائيل، وهو في المطار يهمّ بالمغادرة، تعليقاً على قرار الكنيست بضم الضفة الغربية، وبالرغم، ثالثاً، من تأكيد وزير الخارجية الأميركية مايك روبيو، خلال زيارته إسرائيل، لهذه الأفكار، إلا أنّ “مستوى الاطمئنان” إلى أنّنا أمام موقف أميركي حاسم وصارم ضد ضمّ الضفة الغربية لا يجوز أن يتجاوز الحدود الدنيا.

لماذا؟ لأنّ ترامب نفسه يقول كلاماً متبايناً في ملفات استراتيجية وسياسية كبيرة عديدة. ويمكن أن يتغيّر مضمون تصريحاته بين لحظةٍ وأخرى، ولم يعد السياسيون المرموقون والخبراء في العالم يأخذون هذه التصريحات المتكرّرة على محمل الجدّ. إمّا أنّه يستخدم الخطابات لتحقيق أهداف جزئية آنية، مثل التلاعب بالمشاعر أو توصيل رسائل معينة، في لحظةٍ ما، وإما أنّه فعلاً لا يملك في كثير من هذه الملفات تصوّرات نهائية. ومن الواضح أنّ المسؤولين حوله يدورون معه في الحلقة نفسها، بما يرضيه ويشبع شعوره النرجسي بأنّه أفضل وأذكى من الآخرين، ولم يعد غريباً القول إنّ الجميع أصبح يتعامل معه سيكولوجياً؛ يُسمعونه الكلام الذي يحب ويرغب ويرضي غروره، لكنهم لا يعوّلون على ذلك.

من زاويةٍ أخرى، تبدو معارضة ترامب وفانس قرار الضمّ الحالي مرتبطة بالتوقيت والتكتيك أكثر مما هي مرتبطة بتصوّر استراتيجي بإقامة الدولة الفلسطينية؛ فترامب، منذ عودته إلى البيت الأبيض، لم يعد يطرح صفقة القرن. وفي نقاطه الـ20 لإنهاء حرب غزّة، لم يذكر الدولة الفلسطينية؛ كذلك فإنّه، في حديثه عن السلام، أشار إلى “السلام الإقليمي” والاتفاقيات الإبراهيمية للتطبيع العربي ــ الإسرائيلي، التي قامت في الأصل على نظرية “عدم مركزية القضية الفلسطينية”.

أكثر من ذلك، انزعج ترامب من تسونامي الاعترافات الدولية بالدولة الفلسطينية، ما دفعه إلى محاولة إنقاذ نتنياهو ومعه إسرائيل من “العزلة” الدولية، كما أقرّ هو نفسه لاحقاً، وضغط على الحكومة الإسرائيلية للقبول باتفاقية وقف إطلاق النار، لأنّه يرى مصلحة إسرائيل في هذا. ومن يدقق في كلام الرجل وتصريحاته، يلاحظ للمرّة الأولى (ربما)، على صعيد الخطاب السياسي، أنّ رئيساً أميركياً يتحدث بلغة الـ”أنا” و”نحن” عند الحديث عن سياسات إسرائيل ومواقفها، فهو، سيكولوجياً (كذلك)، لا يفصل بين إسرائيل وأميركا، ويعتبر نفسه قائداً للبلدين.

على الطرف المقابل، لمّا سئل ترامب (في مقابلة “تايم”) عن الرئيس محمود عبّاس، أشار إلى أنّه لن يحكم غزّة، وأنّ هنالك مجلس سلام برئاسته للقيام بهذه المهمة، في الوقت الذي يُشار فيه إلى “اللجنة التكنوقراطية” الفلسطينية التي ستتولى الأمور الخدماتية. بينما يطرح مبعوث ترامب للمنطقة، ستيف ويتكوف، تصوّراً آخر يقوم على مبدأ “رفح أولاً”؛ بمعنى إعادة إعمار المناطق التي لا تزال تحت سيطرة إسرائيل، لتكون نموذجاً لغزّة في مواجهة حركة حماس. بمعنى أنّ كل هذه الأطروحات والتصوّرات الأميركية لا تستدعي، في نهاية اليوم، مفهوم “الدولة الفلسطينية”، ولو على سبيل اللغة أو المصطلح الشكلي، بل إنّ سياسات غزّة المقترحة تقوم على الفصل الكامل عن الضفة الغربية وعن السلطة الفلسطينية، وبالتالي عن مفهوم “الدولة”.

يقودنا هذا وذاك إلى الموقف الأميركي الحقيقي، أنّ أميركا لا تمانع لاحقاً بضم الضفة أو البدء بأجزاء منها، بما لا يحرجها مع الحكومات العربية، ولا يؤثّر في المصالح الأميركية في المنطقة، لكن سلوك الإدارة الأميركية لا يقف حائلاً في أيّ حالٍ ضد الضمّ الفعلي والواقعي للضفة الغربية، بل هنالك قرار أميركي، منذ اللحظات الأولى في إدارة ترامب الحالية، بألا يستخدم مصطلح “الضفة الغربية” في الوثائق الرسمية وأن يستبدل بمصطلح “يهودا والسامرة”. ومن الواضح أنّ هذا هو التصور الاستراتيجي والحقيقي لترامب، بينما مسألة التوبيخ وإعلان الضمّ تبدو مناورات سياسية وإعلامية يقوم بها ترامب وفريقه، لا أكثر.

إذاً، وهنا بيت القصيد، من الخطأ، بل الخطيئة بمكان، أن نرسم سياسات ومواقف عربية أو فلسطينية أو أردنية على قاعدة أنّ تصريحات ترامب تعني تأييداً للدولة الفلسطينية أو رفضاً قطعياً لضم الضفة الغربية، لأنّ مثل هذه السياسات ستبنى على “رمال متحرّكة”، بعيداً عن الأرض الصلبة الواضحة للعيان التي تحكم سياسات الإدارة الحالية ومواقفها الحقيقية؟

 

المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى