من محمية جباتا الخشب إلى “إسرائيل”.. كيف يقتلع الاحتلال السنديان السوري؟

بيسان خلف

تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ أشهر عمليات تجريف واقتلاع لأشجار السنديان المعمرة داخل محمية جباتا الخشب شمال محافظة القنيطرة، في خطوة وصفها ناشطون ومسؤولون محليون بأنها انتهاك بيئي خطير وجريمة تطول الهوية الطبيعية السورية في الجولان.

وتشير شهادات الأهالي ومصادر في مديرية الزراعة إلى أن الاحتلال ينقل الأشجار بعد اقتلاعها إلى داخل الأراضي المحتلة، وسط صمت رسمي ودولي تجاه هذه الممارسات.

مشهد اقتلاع الأشجار الذي يتكرّر منذ شهر حزيران الماضي، أمام أعين الأهالي، لم يعد مجرد عملية تجريف عابرة، بل تحوّل إلى جريمة بيئية، إذ يروي مصدر في مديرية الزراعة بالقنيطرة، كيف بدأت القوات الإسرائيلية منذ مطلع الصيف بإدخال آليات ثقيلة إلى أطراف المحمية، لتحميل أشجار السنديان المعمرة ونقلها إلى الأراضي المحتلة.

ويؤكد المصدر في حديثه لموقع تلفزيون سوريا أنّ العملية  “ممنهجة لاقتلاع لأشجار السنديان الكبيرة”.

ويضيف: “رأينا جذوع أشجار السنديان مغلفة، في شاحنات الاحتلال، يبدو أنها مغلفة بمواد خاصة لحمايتها، كما يبدو أن الهدف ليس خشبها، بل نقل الشجرة نفسها حية كما هي”.

اقتلاع تدريجي من حزيران إلى تشرين الأول 

ووفق شهادات عدد من سكان بلدة جباتا الخشب، الذين تحدث إليهم موقع تلفزيون سوريا، بدأت قوات الاحتلال عمليات اقتلاع أشجار السنديان في مطلع حزيران عندما نفذت عملية تجريف واسعة في المحمية الطبيعية، لكن بوتيرة أخف من عمليات التجريف التي نفذتها خلال شهر تشرين الأول الحالي.

في مطلع شهر حزيران، استقدمت قوات الاحتلال الإسرائيلي شاحنات كبيرة إلى جانب الجرافات وآليات الحفر، وعندما انتهت من التجريف في اليوم الأول شاهد أهالي جباتا الخشب وقرية طرنجة الشاحنات تحتوي على عدد من أشجار السنديان التي اقتلعها الاحتلال غلف جذوعها، بحسب شهادات الأهالي.

وقال عدد من أهالي القنيطرة، إن وتيرة اقتلاع الأشجار ونقلها إلى الأراضي المحتلة تصاعدت في شهر تشرين الأول مع عمليات التجريف في محمية جباتا الخشب.

كما لاحظ الأهالي دخول عدد من أكبر من الشاحنات، من تلك التي دخلت في حزيران الماضي، وبعد انسحاب آليات الحفر، كانت الشاحنات محملة بأشجار السنديان، مغلفة جذروها.

غضب شعبي من طمس الهوية البيئية في القنيطرة

يرى مجموعة من الناشطين في محافظة القنيطرة، أن اقتلاع أشجار السنديان من القنيطرة، تهدف إلى طمس الهوية البيئية في المنطقة، وتخريب لطبيعة القنيطرة التي تمتاز بتنوعها البيئي.

وقالت الناشطة في المجتمع المدني عبير كيوان، لموقع تلفزيون سوريا، إن الاحتلال الإسرائيلي يدرك أن السنديان ليس مجرد شجرة، بل هو جزء من هوية الأرض السورية، ووجوده الكثيف في القنيطرة يذكّر دوماً بأن هذه الأرض سورية الجذور

وتضيف: “نقل السنديان إلى داخل الجولان المحتل هو شكل من أشكال الطمس البيئي، أي محاولة إعادة تشكيل المشهد الطبيعي بما يتوافق مع الرواية الإسرائيلية التي تسعى لإظهار الجولان المحتل كمنطقة إسرائيلية خضراء ومزدهرة، بلا ذاكرة سورية.

بينما يرى أحمد العيسى الناشط في محافظة القنيطرة، خلال حديثه لموقع تلفزيون سوريا، أن عمليات التجريف واقتلاع أشجار معمرة عمرها مئات السنين، تهدف إلى تدمير متعمد لأجزاء حساسة من المحمية، الذي يؤدي إلى اختلال واضح بالتوازن البيئي، وموت تربة كاملة حولها، إضافة إلى تغيّر النظام الحيوي لعشرات الكائنات المرتبطة بها.

ويتابع العيسى، إن تدمير إسرائيل للنظام البيئي في القنيطرة، هدفه خلق منطقة فقيرة معدومة الموارد وغير صالحة للسكن، بينما تسرق مواردها من أشجار السنديان للاستفادة منها في بيئاتها، أو استخدامها لأغراض صناعية.

ويضيف: “ما تفعله إسرائيل في القنيطرة ليس مشروعاً بيئياً ولا نشاطاً زراعياً، بل جريمة خضراء هدفها تزيين مشهد الاحتلال وإخفاء ملامح الطبيعة السورية”.

ويُعتبر السنديان من أبرز رموز الغطاء النباتي الطبيعي في القنيطرة، خصوصاً في سفوح جبل الشيخ ومحيط جباتا الخشب، وتشكل الأشجار جزءاً من النظام البيئي المتوسطي، وتعدّ من الأنواع النادرة التي تقاوم الجفاف وتعيش قروناً طويلة، وتحافظ على التوازن البيئي في المحميات الطبيعية.

ماذا يستفيد الاحتلال من أشجار السنديان؟

أوضح الخبير البيئي المتخصص في علوم البيئة والموارد الطبيعية جواد نصر، لموقع تلفزيون سوريا، أن أشجار السنديان المعمرة من أثمن الثروات البيئة والاقتصادية التي تمتلكها أي منطقة، إذ يصنف عالمياً ضمن أغلى الأخشاب والشجرة الواحدة قد تساوي آلاف الدولارات.

وتابع أن القيمة تتجاوز الصناعات الخشبية، فهذه الأشجار أيضاً هي مخزون جيني فريد تأقلم مع المنطقة عبر مئات السنين، نقلها يعني الحصول على مادة وراثية نادرة لبرامج التحريج والاستنساخ، ما يوفر سنوات من الأبحاث، كما أن زراعتها في المستوطنات يخدم “الاستيطان الأخضر” أي إضفاء طابع بيئي على الاحتلال.

وأضاف أن السنديان، رغم أنه يُستخدم في صناعة الأثاث الفاخر والأرضيات الراقية، لكنه يستخدم أيضا في صناعة براميل تعتيق النبيذ وهي صناعة مزدهرة داخل إسرائيل تدر ملايين الدولارات سنوياً.

ويحذر جواد من الأثر المدمر التي سيتركه تجريد المنطقة من أشجار السنديان، إذ كل شجرة سنديان هي نظام بيئي مصغر، وموطن للطيور والثديات، كما أن جذورها تحمي التربة، اقتلاعها يعني فقدان موائل لعشرات الأنواع، وزيادة التعرية والتصحر وانهيار دورة المياه الطبيعية.

ويرى أن هناك أبعاداً سياسية للممارسات الإسرائيلية، إذ يعتبر أن نقل الأشجار هو محاولة لطمس الهوية الطبيعية السورية للقنيطرة وإعادة تشكيل المشهد البيئي بما يتماشى مع السردية الإسرائيلية، فالبيئة هنا تُستخدم كأداة استعمارية ناعمة، لإضفاء طابع “إسرائيلي” على الأرض عبر نقل رموزها الطبيعية.

قضية لا تحظى بالاهتمام المطلوب

يرى عدد من الناشطين الذي تحدثوا لموقع تلفزيون سوريا، أن قضية جباتا الخشب لا تحظى باهتمام إعلامي ودولي، معتبرين أن السكوت عن هذه الانتهاكات، يسمح للاحتلال بارتكاب المزيد من الجرائم بحق أهالي القنيطرة.

 وتُعدّ المحميات الطبيعية الواقعة في المناطق المحتلة، محمية بموجب اتفاقيات دولية، أبرزها اتفاقية لاهاي لعام 1954 الخاصة بحماية الممتلكات الثقافية والبيئية أثناء النزاعات المسلحة، والمساس بها يمثل انتهاكاً واضحاً للقانون الدولي.

ويعتبر الناشطون أن الاحتلال الإسرائيلي لا يعترف بمواثيق القانون الدولي، لكن الضغط عليه إعلامياً ودولياً يمكن أن يحد من هذه الانتهاكات.

تشكل محمية جباتا الخشب الطبيعية، وواحدة من أهم معالم السياحة في محافظة القنيطرة التي تتميز بمناخ معتدل صيفًا، ما جعلها وجهة للسياح القادمين من مختلف المحافظات السورية.

وتقع المحمية على السفح الجنوبي لمرتفعات جبل الشيخ من الجهة الشمالية من محافظة القنيطرة، وتبلغ مساحتها 133 هكتارًا، ويبلغ ارتفاعها نحو 1100 متر عن سطح البحر.

تحتوي الغابة على أنواع مختلفة من الأشجار، كالسنديان، والبلوط، والملول، والزعرور، والخوخ البري، والقندول، كما تحوي على عدد كبير من الطيور والحيوانات.

المصدر: تلفزيون سوريا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى