تحوّلات ثقافة حراك الشباب في المغرب هل نحن أمام بداية موجة ثالثة من الربيع العربي؟

   د-عبد الله تركماني

كانت أغلب الاحتجاجات التي شهدها المغرب في التاريخ المعاصر نتيجة للاحتقان الاجتماعي، وقد بدأ شباب Z حراكهم يوم 27 أيلول/سبتمبر بالدعوة إلى إصلاح الصحة والتعليم ومحاربة الفساد وصولاً إلى إقالة الحكومة. ومما يُذكر أنّ الحراك بدأ من العالم الافتراضي إلى شوارع المدن، من ” قناة جيل Z 212 “، التي بدأت في 18 أيلول/سبتمبر بـ 1000 شاب إلى أن وصلت إلى حوالي 100 ألف.

ويغلب على الحراك التعبير عن تيارات ليست أيديولوجية، بمعنى أنها ليست تعبيراً عن تيارات سياسية معروفة في تاريخ المغرب المعاصر، وإنما عن التهميش الاجتماعي والفساد السياسي، إذ تبرز البطالة كعامل مباشر. فوفقاً لأرقام المندوبية الحكومية السامية للتخطيط، فلم يتوقف معدل البطالة عن الارتفاع، ولا زال ربع سكان المغرب أميين، و38 % من النساء القرويات لا يذهبن إلى المدرسة، أو يتزوجن في سن مبكرة. ولا تتجاوز نسبة عمل المرأة 20 % من القوى العاملة، وأحيانا كثيرة دون تغطية صحية. وتفيد الإحصاءات بأن ربع مليون تلميذ ينقطعون عن التعليم في سن المراهقة سنوياً، وبتراكم السنوات أصبح عددهم يقدر بمليون ونصف المليون شخص، دون تأهيل أو عمل أو دراسة.

ووفقاً للجمعية المغربية لحقوق الإنسان فإن مشروع القانون رقم 59-24 ” يهدّد مبدأ مجانية التعليم العالي الذي يكفله الدستور المغربي، ويضرب مبدأ استقلالية الجامعة والبحث العلمي، ويلغي حق الطلاب في الانتساب إلى هيئات نقابية ويجرّم حقهم في الاحتجاج، كما يلغي نهج الديمقراطية التشاركية داخل الجامعة المغربية “.

وفي الواقع، فإنّ الشباب، الذي يقود الحراك في المغرب، يتمتع بثقافة مختلفة مقارنة بالأجيال السابقة، التي شهدت انتهاكات حقوق الإنسان سابقاً، إذ لا حاجز خوف لديه من جهة، وبعيد عن رؤى الأحزاب التقليدية. بل ينتمي إلى ثقافة التكنولوجيا الرقمية، وقد استعملت رمز الاتصال الدولي في المغرب 212، إشارة إلى أنها حركة عالمية. وكان أول الغيث تشكيل حركة مشابهة في الجزائر ” GZ 213 “، بما يشير إلى أنّ الموجة الثالثة للربيع العربي – بعد الموجة الأولى في تونس ومصر وليبيا وسورية واليمن، التي تميزت بميول إسلامية، والثانية في لبنان والعراق والجزائر، التي تميزت بخطاب حداثي مواطني – التي بدأت في المغرب تحمل بين طياتها تطويراً مؤسسياً، قد يفتح آفاقاً جديدة للمنطقة العربية، من خلال الحراك السلمي الإصلاحي التراكمي، لتوفير الصحة والسكن والتعليم والعمل والحريات العامة لكافة المواطنين، ودولة حق وقانون تتيح لكل مكوّناتها المشاركة في صياغة السياسات العامة.

لقد جاء الحراك المغربي في سياق عالمي يتميز بمناهضة توجهات العولمة المتوحشة ظهر منذ العام الماضي، في آسيا وأفريقيا من خلال انفجار شعبي في النيبال وبنغلادش وسريلانكا وإندونيسيا ومنغوليا وكينيا ومدغشقر، قاده شباب الجيل Z.

إنّ التأمل في شعارات هذا الجيل، بعد نقلها من الافتراضي إلى الواقعي، سيجد أنها تتمحور حول برامج واضحة للحقوق الأساسية، المعلنة في الشرعة العالمية لحقوق الإنسان، المدنية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية. مما يعكس قدرته على التنظيم السريع والمرونة التكتيكية، من خلال حمله لمطالب ملموسة تنطلق من المظلومية الاجتماعية، الجاذبة لقطاعات واسعة من السكان. وهكذا، يبدو أنّ شباب المغرب اليوم مغاير لشباب الموجة الأولى للربيع العربي، من خلال توجهاته البرامجية التي تستجيب لحاجات أغلبية مواطني المغرب، وذلك يشير إلى تطور نوعي يحتاجه شباب العالم العربي اليوم، إذ إنّ الأمر أضحى شبيهاً بالدومينو، خاصة أنّ دول المنطقة أصبح 50% من مواطنيها تحت سنّ 25 سنة، وفق معطيات الأمم المتحدة، وهؤلاء لن يتحمّلوا ما تحمّله أسلافهم، بل سيكونون أكثر جرأة من الأجيال السابقة.

ومما يجدر ذكره أنّ الموجة الأولى المغربية في 20 شباط/فبراير 2011، قد أدت إلى إصلاحات بنيوية – دستورية، ساهمت في فتح أفق جديد للحريات العامة والتشاركية في المغرب، كتعبير عن التفاعل بين الدولة الملكية والمجتمع، في حين أنّ سلطة آل الأسد الجمهورية في سورية رفضت إجراء أية إصلاحات، بل اختارت الحل الأمني في مواجهة حراك الشباب السوري.

وفي هذا السياق، أعلن شباب المغرب، خلال حراكهم الجديد، أنهم يمارسون حقاً دستورياً، ويحتمون بما أنجزته هيئة الانصاف والمصالحة بعد حراك عام 2011 في مجال الأمن والفضاء العام. وعلى هذا الأساس توجّه شباب الحراك إلى ” المواطنة الفعلية “، من خلال تنظيم حملة واسعة لتنظيف الشوارع، مساء 4 تشرين الأول/أكتوبر، في عدد من المدن المغربية، تعبيراً عن توجهاتهم السلمية ورفضهم لما قام به بعض العناصر الدخيلة، حيث ملأ ميدان الاحتجاج أطفال وشباب قاصرون ملثمون في الغالب. إذ قالت حركة الشباب ” نؤكد للرأي العام والسلطات أنّ تظاهراتنا ستكون سلمية بالكامل، ونرفض أية صورة من صور العنف أو التخريب أو الشغب “. ولا شكَّ أنّ هذا الموقف يدلُّ على نضج سياسي، يُحسب لهذا الجيل الذي اتُهم بـ ” اللامبالاة السياسية “.

ويطرح الحراك سؤالاً جوهرياً حول حدود تفاعل قيادات الأحزاب السياسية، التي حاولت احتواء الشباب من خلال بيانات تؤيد مطالبهم. بالرغم من أنهم شككوا بالطبقة السياسية في البرلمان والحكومة. وطالبوا في رسالة وجهوها إلى الملك محمد السادس بـ ” إقالة الحكومة الحالية بسبب فشلها في حماية القدرة الشرائية للمغاربة وضمان العدالة الاجتماعية “. كما دعوا إلى ” إطلاق مسار قضائي نزيه لمحاسبة الفاسدين “. وطالبوا أيضاً بـ ” حل الأحزاب السياسية المتورطة في الفساد، وضمان فرص متكافئة للشباب في التعليم والصحة والشغل، بعيداً عن المحسوبية، وتعزيز حرية التعبير، والحق في الاحتجاج السلمي، وإطلاق سراح جميع المعتقلين المرتبطين بالاحتجاجات السلمية “، مما دفع بعض المؤسسات الرسمية والوزراء إلى محاولة طمأنة شباب الحراك. كما أنّ الحزب الأول في المعارضة، الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، حذر من الاختناق المؤسساتي بسبب ” التغوّل ” الحكومي، إشارة إلى هيمنة ثلاثة أحزاب على مركز القرار، مما ضيّق هامش استغلال التعددية المغربية.

وانتظر شباب الحراك مدى استجابة الملك لمطالبهم في خطابه خلال افتتاحه للدورة الخريفية من السنة التشريعية الخامسة للولاية التشريعية الحادية عشرة في 10 أكتوبر، وأعلنوا تعليق احتجاجاتهم مؤقتاً. ولكنّ جلالته – عملاً بنصيحة مكيافلي – لم يؤكد الثقة في الحكومة، ولكنه لم يُقِلها ولم يعلن إطلاق مسار قضائي نزيه لمحاسبة الفاسدين فيها، بل ركز بشكل مباشر على ضرورة إظهار نتائج ملموسة وسريعة في القطاعات التي فجرت حراك الشباب، أي قطاعات الصحة والتعليم والشغل. بما يمنح الشباب غطاء من سلطة المخزن للمطالبة بنتائج ملموسة، وإلا فإنّ الحراك سيعود بزخم أقوى. وبالفعل دعا شباب الحراك إلى استئناف الحراك بناء على البيان الصادر في 13 أكتوبر، الذي دعا فيه ” كافة شباب المغرب وعموم المواطنات والمواطنين إلى الخروج بكثافة لدعم هذه الحركة، حتى تحقيق مطالبنا العادلة “.

ويسود ترقب في الجزائر حول ما إذا سيستجيب الشارع إلى دعوات شباب Z 213 للتظاهر للمطالبة بتحسين الوضع الاجتماعي والحريات العامة، ما يوحي بوجود إمكانية موجة ثالثة للربيع العربي، لا سيما في ظل تشابه المحنة في المنطقة.

ويبدو أنّ موجة شباب المغرب تنطوي على إمكانية تعزيز مفهوم ” الدولة الاجتماعية ” في العالم العربي، لتأمين الحقوق الاجتماعية والحريات الخاصة والعامة، ليس من خلال المطالبة بإسقاط الأنظمة، بل ضمان الحرية والكرامة والعدالة، بما يفتح الأفق أمام حوار المجتمعين المدني والسياسي على طريق جدية الإصلاح المتدرج المضمون النتائج.

وهكذا، يبدو أنّ حراك شباب المغرب له ما بعده، على كافة المستويات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، والمسألة مرتبطة بمدى تفاعل الحكومة المغربية مع هذا الوعي الجديد للشباب، بروح إصلاحية جدية كما كان الحال بعد حراك العام 2011، الذي أدى إلى إصلاحات دستورية هامة. على أنّ الدرس المغربي مفيد لكل الحكام في العالم العربي، إذ ينطوي لحكام المرحلة الانتقالية في سورية خاصة، على أنّ ثقة الخارج لا تكفي حين لا تقوم على خيارات استراتيجية في السياسة والاقتصاد والمجتمع والثقافة، والأهم ضمان السلم الأهلي لكل مكوّنات الشعب السوري.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى