هل فتحت روسيا دفتر الديون المتراكمة على سوريا؟  

مصطفى رستم 

ألد الأعداء أمس يتحدثون اليوم عن صداقة ومصالح مشتركة

الواقع الاقتصادي السوري يعيش حال انهيار واسع حيث سوريا بلد منكوب ومدمر، وتفتقر إلى مصادر الانتعاش الاقتصادي، فضلاً عن انعدام الصناعة والزراعة، والحصار الغربي والأميركي المفروض بصورة صارمة ولا سيما “قانون قيصر” الذي أحيل أخيراً لمجلس النواب لإلغاء مواده، وكل ذلك يسترعي إما جدولة الديون وإعادة هيكلتها لسدادها، أو على الحكومة اللجوء إلى المفاوضات، وهذا ما تتوقعه الأوساط السياسية.

ليس كأي درج صعده من قبل، إنه عال بما فيه الكفاية حتى يفضي إلى مكتب القيصر الروسي، ومن ثم يلتئم اللقاء بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والسوري أحمد الشرع، ولا غرابة في أن الاجتماع التاريخي الذي ترقبه السوريون طويلاً طوى معه صفحات من النزاع والاقتتال الدامي في أعوام الحرب السورية الأخيرة، لقد بدا إيجابياً منذ بدايته حين مازح الشرع نظيره الروسي بدعابة “الرياضة” والدرج العالي، ويعلم جيداً كم يتوق بوتين إلى ممارسة الرياضة ويعشقها، وكأنها رسالة مبطنة عن جلوس رئيس لا يقله قوة، بينما الشارع السوري يراقب اللقاء، وينتظر أي حدث استثنائي كأن يعود الشرع ومعه الرئيس المخلوع بشار الأسد للمحاكمة، أو ينتزع من صاحب الكرملين “اعتذاراً” عن قصف طائرات بلاده، على مدى أعوام، الشمال السوري.

وألد الأعداء قبل الثامن من ديسمبر (كانون الأول) عام 2024 (سقوط الأسد) يتحادثون عن صداقة ومصالح مشتركة.

لقاء للتاريخ

وأعاد بوتين الصورة، في اللقاء، على أن العلاقات تعود لعام 1941 في ظل الاتحاد السوفياتي، واستمرت من دون انقطاع وبلا تأثر بالتقلبات السياسية أو المصالح الضيقة، ولعل وجود 4 آلاف طالب سوري يدرسون بالجامعات الروسية “يعكس عمق الروابط الاجتماعية بين الشعبين”، قال بوتين الذي أعلن، أيضاً، استئناف أعمال اللجنة الحكومية المشتركة التي أُسست عام 1993 برئاسة رئيس الوزراء الروسي ألكساندر نوفاكن ملوحاً بمشاريع جاهزة للتنفيذ، بينما التقط الشرع من اللقاء فائدة سياسية أولاها كسر عزلة دمشق، ورسالة للغرب بانفتاح حكومته الجديدة في بناء علاقات دولية، وبناء جسور من علاقات الصداقة حتى مع ألد الأعداء.

وأشاد المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك بزيارة الرئيس السوري، وعدها خطوة استراتيجية لتعزيز العلاقات الدولية، وقال في تصريح صحافي “من الضروري أن تعزز سوريا علاقاتها ليس فقط مع جيرانها، بل مع مختلف دول العالم”.

الديون المتراكمة

وناقش الوفد السوري المرافق قضايا مشتركة عسكرية واقتصادية، وكعادة الكرملين استخدم دفتر الديون كأسلوب ضغط لكسب التفاوض لا سيما أن روسيا تصدرت قائمة الدول الدائنة لسوريا إذ استحوذت على 15 في المئة من إجمال ديونها البالغة قيمتها 4.9 مليار دولار بنهاية عام 2023 بحسب بيانات البنك الدولي، وشملت القائمة، في ذلك الوقت، إلى جانب روسيا كلاً من اليابان وألمانيا وعدد من المؤسسات مثل الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي والبنك الأوروبي للاستثمار.

ولا يستبعد الباحث في شؤون السياسة الدولية فراس برزون إجراء تفاوض بين البلدين حول الديون، على أن تشطبها موسكو أو في الأقل تجدولها بصورة مريحة للسوريين، مضيفاً “الأولوية لدى روسيا هي ضمان اتفاق جديد يتعلق بالقواعد الروسية لأنها ذات أهمية استراتيجية بالغة لروسيا، وهي لب أي خطة روسية تتعلق بسوريا، روسيا تريد الحفاظ على وجودها البحري في شرق المتوسط بسبب بعديه الأمني والاستراتيجي لها، ومن جهة أخرى استمرار شريان الإمداد لانتشارها في أفريقيا”.

رحلة الديون

ومنذ الستينيات حتى سبعينيات القرن الماضي بلغ عدد المشاريع الروسية المنفذة 60 مشروعاً ساعدت على ضمان ركائز استراتيجية في سوريا للحفاظ على أمنها الاقتصادي، منها سد الفرات، ومعامل إنتاج الحديد والصلب والألمنيوم والنسيج والسكر والإطارات وغيرها، ولم يتوقف التمويل الروسي للمشاريع الاقتصادية والحيوية في سوريا بل اعتمدت سوريا على السلاح الروسي، بصورة كبيرة وواسعة، امتد إلى استنساخ التجربة السوفياتية، ومعه شملت التزود حتى بالمركبات والطائرات، وهذا ما جعل الجيش في دمشق مرهوناً بالكامل للتعامل مع العتاد الروسي، واستمراريته باستجرار قطع الغيار.

هذا الأمر ترك سوريا رهينة الديون للروس، ولكن في المقابل شطبت موسكو قرابة ثلث أرباع الديون المتراكمة على دمشق ما يناهز 13 مليار دولار عام 2005 في مقايضة واضحة لإعطاء امتيازات للروس في قطاعات الطاقة والمواصلات، ومنذ ذلك الحين تحولت الديون الروسية كورقة ضغط وتفاوض، لكنها بدأت تأخذ منحى يتجه إلى التبعية بعد عقدين من شطب ثلث الديون، ومع تدخل روسيا عام 2015 عسكرياً على الأراضي السورية.

لقد ساندت القوات الروسية نظام الأسد بصورة كبيرة، ولعل الوجود الإيراني والروسي معاً شكلا العامل الأساس في إطالة عمر النظام منذ اندلاع الحراك الشعبي عام 2011 لغاية سقوطه أواخر عام 2024، لكن هذا التدخل تحول إلى مكسب روسي أدى إلى استحواذه على قاعدة حميميم الواقعة في جبلة بريف اللاذقية وقاعدة طرطوس، وهما تطلان على البحر المتوسط حيث المياه الدافئة حيث يحلم الروس بها كواجهة بحرية قريبة من أوروبا.

في غضون ذلك تشير تقديرات البنك الدولي إلى أن هناك نحو 17.5 مليار دولار ديوناً خارجية مستحقاً على سوريا سدادها، فيما تقديرات الحكومة السورية تراوح ما بين 20 و23 مليار دولار معظمها مستحق الدفع لروسيا وإيران.

الواقع الاقتصادي السوري

من جهة ثانية، فإن الواقع الاقتصادي السوري يعيش حال انهيار واسع، حيث سوريا بلد منكوب ومدمر، وتفتقر إلى مصادر الانتعاش الاقتصادي، فضلاً عن انعدام الصناعة والزراعة والحصار الغربي والأميركي المفروض بصورة صارمة ولا سيما “قانون قيصر” الذي أحيل أخيراً لمجلس النواب لإلغاء مواده، وكل ذلك يسترعي إما جدولة الديون وإعادة هيكلتها لسدادها، أو على الحكومة اللجوء إلى المفاوضات، وهذا ما تتوقعه الأوساط السياسية.

ويكاد يجزم الباحث السياسي أحمد مظهر سعدو أنه لم يخرج أي تصريح على لسان أي مسؤول سوري أو روسي حول حجم الديون المترتبة على سوريا، “لكن التوقع أن تكون الديون كبيرة جداً، ويكون قد حصل تذكير بها من قبل الروس خلال الاجتماعات أخيراً، لكن اعتقادي يذهب بالرأي الذي يقول باحتمال شطبها مقايضة بما يمكن أن يحصل عبر استمرار بقاء القاعدتين الروسيتين في طرطوس وحميميم، وهذا ستقرره اللجان التي شكلت من أجل إعادة تقييم وتعديل الاتفاقات السابقة”.

ورجح الباحث السياسي احتمال شطبها وفق حال من المقايضة على أمور كثيرة “منها الكف عن المطالبة مثلاً برأس بشار الأسد، أو الكف عن المطالبة بالأموال التي تم نهبها من قبله عندما فر إلى موسكو، كذلك هناك مشاريع استثمارية كبيرة بخاصة في مسألة الفوسفات، وسواها مما يمكن أن يكون قد وعد به الجانب الروسي أثناء عملية إعادة الإعمار المزمعة في سوريا”.

المصدر: أندبندنت عربية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى